انه غراب

تاريخ النشر: 05/01/12 | 23:45
بقلم : الشاعر خالد اغبارية - مشيرفة

في قريةٍ جميلةٍ ، تَطُلُ على بحيرةٍ صغيرةٍ ، عاش أبٌ وابنُهُ في بيتهما ،وقد توفيت الأم منذ كان عمر الابن لم يتجاوز السنة ، حين مرضت بعد ولادة الابن ، واخذ الأب يربي ابنه لوحده ، وهو الذي كان يُطعِمَهُ ويُلبِسَهُ ويُدَرِّبَهُ على المَشْيِ والنزولِ إلى الحديقةِ ، وعاش الأبُ والابنُ سعيدَين في حياتهما كثيراً ،وكان الأب يزرع حديقة البيت بالخضروات والفواكه والحمضيات ، ويذهب إلى السوق ليبيعها ويشتري بثمنها الأشياء الضرورية له ولابنه الصغير، مرت الأيام وصار الابنُ شاباً يافعاً ، وصار يساعدُ والدَهُ بالزراعةِ والذهاب إلى السوق، ليبيعَ المحصول ، كَبُرَ الأبُ والابنُ ، حتى صار عمرُ الأبِ ثمانين عاماً ، وعمرُ الابن أربعين عاماً ، ولم ينقصْهُما شيئاً لأنهما رضيا بما أعطاهُما ربُّهما، وفي يومٍ من الأيام عندما كانا في المطبخِ وإذ بغرابٍ يطيرُ من القربِ من النافذةِ ويصيحُ .

فسأل الأبُ أبنَهُ ،

الأبُ: ما هذا ؟

الابن: غراب.

وبعد دقائق عادَ الأبُ وسألَ للمرةِ الثانيةِ ،

الأب: ما هذا ؟

الابن باستغراب : إنه غراب !!

دقائق أخرى عاد الأب وسأل للمرة الثالثة ،

الأب: ما هذا ؟

الابن وقد ارتفعَ صوتُه: انه غرابٌ غرابٌ يا أبي!!!

ودقائق أخرى عاد الأبُ وسأل للمرةِ الرابعةِ ،الأب: ما هذا ؟

فلم يحتملْ الابنُ هذا وغضبَ غضباً شديداً وارتفعَ صوتُه أكثر وقال: مالك تعيدُ عليَّ نفسَ السؤال ، فقد قلتُ لك إنه غرابٌ هل هذا صعبٌ عليك فهمَه؟

عندئذٍ قام الأبُ وذهبَ لغرفتِهِ ثم عاد بعد دقائق ومعه بعض أوراقٍ شِبْهَ ممزقةٍ وقديمةٍ من مذكراتِهِ اليومية ثم أعطاها لإبنه وقال له أقرأها .

بدأ الابنُ يقرأُ : اليومَ أكملَ ابني أربع سنواتٍ وها هو يمرحُ ويركضُ من هنا وهناك ، وينُطُّ من كنبةٍ إلى أخرى ومن زاويةٍ إلى زاوية ، حتى وصل إلى حافَّةِ احدِ الشبابيك المطلة على الحديقة ، وإذ بغرابٍ يصيحُ في الحديقة ،

فسألني ابني : ما هذا ؟

فقلت له : انه غراب .

وعاد وسألني نفسَ السؤال عشرين مرةٍ ، وأنا أجبتُهُ عشرين مرةٍ !

فحضنتُهُ وقبلتُهُ وضحكنا معا ًحتى تعبَ ونام ، فحملتُهُ وذهبتُ به لينام على سريري حتى اليوم التالي …

قام الابنُ من مكانِهِ وأسرع إلى أبيه يحضُنُهُ ويطلبُ منه أن يسامِحَهُ ، وبعدها عاشا في سرورٍ وهناءٍ .

‫3 تعليقات

  1. انت دائما مميز عمي خالد اتمنى لك دوام الصحه والتقدم كتابات اكثر من رائعه بارك الله فيك على القصه الاكثر من رائعة…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة