كيف تصبح وزيرًا في دولة عربية؟…. ابنُ الوزير وابنُ الفقير… حين تتكلم العدالة بصمت القهر
بقلم: رانية مرجية
تاريخ النشر: 12/06/25 | 10:20
كيف تصبح وزيرًا في دولة عربية؟
بقلم: رانية مرجية
هل حلمت يومًا أن تصبح وزيرًا؟ أن تجلس على الكرسي المخملي، وتشرب القهوة بتمهل وأنت تهز رأسك موافقًا على تقارير لم تقرأها أصلًا؟ لا تقلق، الطريق أقصر مما تتصور، فقط اتبع هذه الخطوات المجربة والمضمونة من خبراء اللاوطنية!
الخطوة الأولى: احفظ الموال الوطني
ليس شرطًا أن تفهم كلمات النشيد، ولا أن تؤمن بمضامينه، فقط رددها بحماس في المناسبات، مع رفع الحاجب الأيمن قليلًا ودمعة مصطنعة في العين اليسرى. الناس يحبون من “يحب الوطن” بعيونه.
الخطوة الثانية: كن ابن “حدا”
ابحث جيدًا في شجرة عائلتك. لا بد أنك قريب لأحد. ابن عم خالة رئيس قسم سابق؟ ممتاز! أنت مؤهل. وإن لم تجد قرابة، لا بأس، تبنَّ أحدهم معنويًا، فالوطن العربي واسع والواسطة أوسع.
الخطوة الثالثة: اجعل سيرتك الذاتية سيرتنا الذاتية
إذا كنت بلا خبرة، لا تخف. يمكنك ببساطة نسخ سيرة وزير سابق، مع تعديل الاسم وبعض التواريخ. من يقرأ أصلًا؟ المهم أن تضع صورتك بربطة عنق فاخرة وخلفية من مكتبة فخمة استعرتها من موقع إلكتروني.
الخطوة الرابعة: كن حاضرًا وغائبًا في آن
لا تحضر كثيرًا للمكتب، لكن احرص أن يكون اسمك حاضرًا في كل مكان: بيان، قرار، تصريح غامض، وحتى زلة لسان إعلامية. المهم أن “تحكي عنك الناس”، سواء بخير أو بشر، فكل دعاية دعاية.
الخطوة الخامسة: لا تزعج من فوقك، وابقَ فوق من دونك
السر الحقيقي للوزارة في العالم العربي هو “التموضع”. لا تطرح أفكارًا جديدة (فهذا مزعج)، ولا تعارض شيئًا (فهذا خطر)، ولا تؤيد شيئًا بسرعة (فهذا غباء). كن مثل جهاز التكييف: لا يُشعَر بك إلا عندما تتعطل.
الخطوة السادسة: احترف فن الخطاب الخشبي
تكلم كثيرًا، وقل القليل. استعمل كلمات مثل “الرؤية الاستراتيجية”، “التحديات البنيوية”، “نطمح”، “نحو”، “ضمن خطة شاملة”… المهم أن لا يفهمك أحد، فهذا دليل على عمق فكرك.
الخطوة السابعة: خطط جيدًا… للبقاء
لا تخطط للنهوض بقطاعك. بل خطط للبقاء في منصبك أطول فترة ممكنة. تودد للإعلام، واملك رقم أقوى مذيع، وابتعد عن “الشعب” إلا في حفلات القص الشريط وإلقاء الخطب في افتتاح دورات تدريبية لا يحضرها أحد.
وأخيرًا… لا تنسَ صور السوشيال ميديا
الناس تريد أن ترى أنك “تشتغل”. صورة على المكتب، صورة وأنت تتفقد مشروعًا وهميًا، صورة وأنت تقطع كيكة بمناسبة “يوم الموظف العربي”… المهم أن تبقى في الواجهة، فالكرسي لا يرحم من يبتعد عن الأضواء.
في النهاية، عزيزي القارئ، إن لم تصبح وزيرًا بعد كل هذا، فلا تحزن. أنت على الأقل مواطن عربي صالح… يشاهد المسرحية يوميًا، دون أن يملك تذكرة الدخول.
—————————————————–
رانية مرجية تكتب: ابنُ الوزير وابنُ الفقير… حين تتكلم العدالة بصمت القهر
في بلادي، حيثُ العدالة ملفوفة بورق عنب، ومغموسة بزيتٍ مسروق من كرمٍ اقتلعوه في منتصف الليل، يولدُ ابنُ الوزير على صدره وسادة من ريش النعام، ويولد ابنُ الفقير على الإسفلت. لا شيء يوحّد بينهما سوى رقم الهوية وربما ذات النشيد الوطني، حين يُطلب من كليهما أن “يرددوه بحماسة” في طابور المدرسة. غير أن الحماسة لا تُوزَّع بالعدل، كما لا تُوزع الوجبات المدرسية، ولا تُمنح الأحلام بالتساوي.
ابنُ الوزير لا ينتظر الحافلة تحت المطر، لأن السائق الخاص ينتظر عند باب المدرسة بسيجار من النوع الذي لا يعرفه معلم الجغرافيا.
ابنُ الفقير لا يعرف المطر من النافذة، بل يعرفه حين يخترق سقف الزينكو فوق رأسه، ويتساقط معه الحلم كقطرات لا تمسّ الأرض بل تسقط في داخله مباشرة.
ابنُ الوزير إذا تعثّر، يأتي له عشرة من المساعدين ليقنعوه بأنه “ابتكر شكلاً جديدًا من السير”.
ابنُ الفقير إذا تعثّر، قالوا له: هذا قدرك… امشِ واحمد الله أنك ما زلت حيًّا.
ابنُ الوزير إذا فشل في الامتحان، تمّ الاتصال بالعميد فورًا.
ابنُ الفقير إذا تفوّق، قالت له أمه: “ادعي ربك يطلعلك منحة… لأنه ما معنا ندفع الجامعة.”
في بلادي، تُقام الولائم من أجل نجاح ابن الوزير في الثانوية العامة، ولو بدرجة “مقبول”.
بينما يُمنع ابن الفقير من الاحتفال حتى لو نالَ المرتبة الأولى، لأن والده يعمل حارسًا ليليًّا في عمارة لا يستطيع استئجار مرحاض فيها.
ابنُ الوزير يسافر ليجد نفسه.
ابنُ الفقير لا يستطيع أن يضيع دقيقة في “إيجاد النفس”، لأن عليه أن يجد رغيف الغد، وإيجار الشهر، ومصاريف الدواء لأمّه.
وفي الانتخابات؟
ابنُ الوزير يُعدّ قائداً بالفطرة، حتى لو لم يعرف الفرق بين قريتين في الوطن.
ابنُ الفقير يُستخدم كصوت انتخابي يُنسى بعد دقائق من إغلاق الصناديق.
ثم يقولون لك: هذه دولة القانون، وهذه دولة العدالة، وهذه دولة الحلم.
أيُّ حلم يا سادة؟
حين يكون الحلم ذاته ممنوعاً على ابن الفقير؟
حين تُفرش الطرقات بالورود لابن الوزير وتُزرع بالحفر لابن الحارس؟
يا سادة…
هذه ليست دولة، بل مزرعة على هيئة دولة.
فيها ابنُ الوزير يملك مستقبلًا حتى لو لم يدرسه، وابنُ الفقير يُحرم من مستقبله حتى لو رسمه بدموعه.
لكن انتبهوا،
في يومٍ قادم — ولا تسألوني متى — سيقف ابن الفقير، يلبس وجع أمه كدرع، ويحمل خيبة أبيه كراية، ويعيد ترتيب الطابور.
حينها فقط، سيكون العدل ممكناً.
أما اليوم، فدعونا نكتب،
لعلّ الكتابة هي الشيء الوحيد الذي لا يميّز بين ابن الوزير وابن الفقير