وقفة مع رانية مرجية: “نتنياهو… باقٍ ويتمدد، مثل ورم خبيث في خاصرة الشرق الأوسط!”
تاريخ النشر: 12/06/25 | 10:40
نتنياهو… باقٍ ويتمدد، مثل ورم خبيث في خاصرة الشرق الأوسط!”
بقلم: رانية مرجية
كلما قلنا خلص، انتهى عهد بيبي، سمعناه يطلّ من الشاشة مُبتسمًا كأنّ شيئًا لم يكن، كأنّ القضاء لم يفتح له أبوابه، كأنّ المجازر في غزة لا تعنيه، وكأنّه المسيّا الموعود الذي لن يأتي غيره.
تخيلوا يا ناس، حتى الساعات الرملية بدأت تتآمر علينا، تقلب الحَبّ ببطء كي تمنحه مزيدًا من الوقت للجلوس على كرسي لا يليق إلا بالطغاة. قلنا حكومة وحدة؟ قال حاضر. قلنا فساد؟ قال مؤامرة يسارية. قلنا تحقيق؟ قال اضربوا إيران، واهجموا على رفح، علّ الدم يغسل وجهه من العار.
الرجل – عفوًا، الزعيم المخلّد – صار يشبه فراشة الليل، كلما ظننا أنّ النور سيطفئه، ازداد التصاقًا بالظلام. يجيد الرقص على جثث الأطفال، ويستمتع بإلقاء خطب النصر على أنقاض البيوت. كيف يغادر؟ ومن سيأمن أن يُحاكمه؟ القضاء عنده مجرد ديكور، والمعارضة إكسسوار ديمقراطي.
المضحك المبكي؟ حتى حلفاؤه تعبوا منه، يخرج لهم من تحت الوسادة في الليل، ويوقّع قرارات مصيرية في الفجر، ثم ينكرها في الظهر. لا هو سياسي، ولا عاقل، ولا حتى شيطان منظم. هو حالة مستعصية، كأنّ إسرائيل نفسها عاجزة عن طرده، كما عجز الشيطان عن طرد إبليس!
بنيامين نتنياهو، خبير الهروب من العدالة، ملك الالتفاف على الأخلاق، رجل المرحلة، والمرحلة القادمة، والمرحلة التي بعدها، وربما حتى بعد خراب الكنيست الثالث والعشرين. باقٍ مثل الإعلانات في شوارع تل أبيب، يضحك علينا جميعًا ونحن نحترق.
لكن لا تقلقوا، فمثلما تسقط التماثيل في لحظة، سيسقط هو أيضًا، ربما على يد زوجته، أو بسبب مرآة نسي أن ينظفها، أو لأن صوته أخيرًا لم يصدّقه أحد. حتى التاريخ، يا بيبي، سيكتب اسمك في الهامش، بقلم مكسور، وتنهيدة طويلة
—————————————–
باي باي نتنياهو
بقلم: رانية مرجية
وأخيرًا… بعد ألف محاكمة، وألف مظاهرة، وألف كذبة ملفوفة بعلم الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، يبدو أن السيد بيبي نتنياهو في طريقه إلى البيت… أو إلى زنزانة بدرجة خمس نجوم، حسب نوع الكافيار المقدم في الزيارة الأولى.
هل نودّعه؟
هل نغني له: “سافر وما رجع سافر”، أم نكتفي بـ “باي باي نتنياهو… لا تِنْسى تشيل فسادك معك”؟
رجل خدم في السياسة ثلاثين سنة، وبالكاد خدم الشعب ثلاث دقائق – إن حسبناها بلغة النوايا الحسنة، وتلك نادرة في السياسة، كندرة الكهرباء في غزة.
رجل علّمنا أن الكاريزما قد تقتل أكثر من القنابل، وأن “الإقناع” يمكن أن يصبح فنًّا شيطانيًّا، يجعل الفساد يبدو إنجازًا، والاستيطان تحصينًا، والحرب دفاعًا عن النفس!
هل تتذكرونه عندما كان شابًا وسيمًا يلبس بدلة ضيّقة؟
نعم، تلك البدلة التي ضاقت عليه لاحقًا كما ضاق هو على العالم، ولم يتغيّر.
ابتسامة بلاستيكية، كلمات خشبية، وخطابات يوزّع فيها الأمن على الإسرائيليين، والموت علينا، وكأننا نحن فيروس يهدد مشروعه النووي في النهار، والسلام في الليل.
لكن لا تخافوا، لا شيء ينتهي حقًا.
نتنياهو لا يغيب… بل “يغيّب”، ثم يعود. مثل فواتير الكهرباء، مثل التصريحات العنصرية، مثل شعار “لا شريك فلسطيني”.
قد يذهب الآن… ليكتب مذكراته، أو يحضّر مسرحية بعنوان “أنا بريء”، ويقف على خشبة محكمة في لاهاي أو على منصة قناة يمينية، لا فرق.
هو نفسه الذي صافح ديكتاتوريي العالم بينما رفض مجرد النظر إلى طفل فلسطيني مهجّر،
الذي باعنا باسم السلام، وهاجمنا باسم الأمن، وصفق العالم له كلما “قصف” الحقيقة.
لكن مهلاً… أليس هو نتنياهو الذي قال إن العرب يهرولون إلى صناديق الاقتراع؟
ها نحن نهرول الآن، لكن باتجاه الضحك… عليه.
ضحك مشوب بالقهر، لكنه ضحك على أية حال.
نعم، باي باي نتنياهو،
ارحل… ولا تَعُد، أو عد، فلن نُفاجأ.
عودتك، إن حصلت، ستكون مثل فيلم قديم نعرف نهايته… وممثله الرئيسي تعوّد أن يسقط واقفًا.
باي باي نتنياهو،
خذ معك ملف الغاز، وصفقات التطبيع، وصندوق الأكاذيب، وارحل.
اترك لنا قليلاً من الهواء نتنفسه دون شعارات أمنية،
واترك لفلسطين أن تُقال بلغتها… لا بلكنتك الأمريكية الإسرائيلية المُفتعلة.
باي باي نتنياهو،
ولا تقلق، ستبقى في الذاكرة،
لكنك لن تبقى في القلب… لأنه لم يعرفك أبدًا
——————————————
جورج حبش… الحاضر رغم الغياب
بقلم: رانية مرجية
من قال إن الغائبين يموتون؟
من قال إن الثوار يُطوى ذكرهم حين تُطوى أجسادهم؟
من قال إن جورج حبش، الحكيم، غاب؟
هو لم يغب… نحن من غاب.
غاب ضمير الأمة، فصار حضوره وجعًا.
غابت الرؤية، فصار فكره منفى.
وغابت فلسطين التي أحبها، بكل أطيافها، فصرنا نحتاج إلى من يذكّرنا أن جورج حبش لم يكن فقط طبيبًا، ولا مجرد مؤسس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بل كان ضميرًا جمعيًّا، حالمًا جريحًا، رفض أن يساوم على وطنه… أو على لغته.
جورج حبش، ذاك الذي وُلد مسيحيًّا في اللد، ومات مسلمًا بالموقف، يهوديًّا بالاضطهاد، درزيًّا بالصبر، علمانيًّا بالوعي، ومسيحًا جديدًا يُصلب كل يوم في ضمير هذه الأمة.
تقول لي إحداهن: “ما زلتِ تكتبين عن جورج حبش؟ مات من زمان”.
أجيبها كما تعوّدت:
مات من زمان؟! إذن كيف ما زال يؤلمني؟
كيف ما زلت أرى ملامحه في وجوه الشباب حين يهتفون باسمه؟
كيف يُولد اسمه في أزقّة المخيمات كلما سقط شهيد جديد، أو علّق فدائي بندقيته فوق جدار الانتظار؟
جورج حبش لم يمت لأنه لم يخن، لم يهادن، لم يتنازل.
لم يظهر في المؤتمرات المملوءة بالكراسي الفارغة.
لم يهن ظهره أمام كرسي سلطة، ولم يساوم على خريطة.
كان واضحًا… أكثر مما تسمح به دكاكين السياسة.
وكان حادًا… أكثر مما تطيقه طاولات التفاوض.
كان مسيحيًّا حتى النخاع، وعربيًّا أكثر من العروبة نفسها،
وكان فلسطينيًّا حين صار كثيرون “متعاونين جغرافيًّا”،
وكان ثوريًّا في زمن صار فيه “المناضل” موظفًا،
والعلم الوطني لافتة دعائية على منصة مهرجان ممول من جهات لا تعرف ما الفرق بين القدس وبلفاست.
في حضرة الحكيم، يصغر الجميع.
ليس لأنه كان يملك مفاتيح التحرير، بل لأنه كان يملك شجاعة أن يقول “لا” حين يصمت الجميع.
شجاعة أن يعترف بخطأه، حين يصرّ غيره أن يُلبسه لنا كإنجاز.
أثره على اليسار العربي
ولأن الثورة لا تُختزل في بندقية، بل تمتد إلى الوعي، كانت بصمة جورج حبش على اليسار العربي أبعد من فلسطين.
هو من ردّ الاعتبار لكلمة “الاشتراكية” حين كانت تُشتم من على منابر النفط.
هو من وحّد الطبقات المسحوقة حول مشروع وطني لا طائفي، لا إقليمي، لا انتهازي.
هو من أقنع آلاف الشباب العربي في السبعينات أن العروبة ليست عباءة دكتاتورية، بل ميدان تحرر وكرامة.
ولكن، أين اليسار العربي اليوم؟
أين الجبهة التي حملت إرثه؟
تحوّلت القضية إلى شعارات متعبة، وانقسم اليسار إلى يسارات، وذُبح الحلم باسم الواقعية السياسية، وسُجن الفكر الجبهاوي في بيانات باهتة ولجان تنظيم لا تنتظم.
أين الحكيم في زمن تتصارع فيه الفصائل على حصة من وهم الدولة؟
أين صوته حين يُعتقل الشرفاء ويُستقبل المطبّعون؟
أين موقفه الواضح، حين صار “الحياد” فضيلة، و”الصمت” حكمة، و”التطبيع” وجهة نظر؟
الحاضر رغم الغياب
أجل، رحل جورج حبش جسدًا،
لكنه يسكن كل شهيد لا يُذكر في نشرات الأخبار.
يسكن كل أنثى فلسطينية تزرع الوعي في عقل أولادها قبل رغيف الخبز.
يسكن كل شاب فلسطيني يرفض أن يختار بين الذل والذل،
وكل لاجئ لا يصدّق أن “العودة” صارت عنوان جمعية لا أكثر.
جورج حبش لم يمت،
نحن من نموت كلما صمتنا، أو سكتنا، أو تواطأنا، أو قبلنا بأقل من فلسطين كاملة.
فيا أيها الحكيم،
ابقَ فينا شاهدًا، وجرحًا، وبوصلة.
ابقَ فينا لعنةً على كل من خان، ومرآةً لكل من تاه.
ابقَ فينا… لأننا بحاجة إلى أن نتذكّر أنك ذات يوم، كنت أنت الوطن حين سقطت كل الأوطان