منظومة القيم والقناعات الذّاتيّة
د. محمود أبو فنه
تاريخ النشر: 12/06/25 | 15:06
كثيرًا ما أشغل فكري سؤالٌ محيّر:
ما هي العوامل، ومن هم الأشخاص الّذين أسهموا في بلورة شخصيّتي وبناء منظومة القيم والمبادئ الّتي أعتنقها؟
عدتُ لشريط الذّكريات، وراجعتُ مسيرة عمري، وتدريجيّا أخذ هذا اللّغز يجد الحلّ!
لم تكن العمليّة سهلة، فالمربّون وعلماء النّفس وعلماء الاجتماع كتبوا وأسهبوا في الحديث عن عوامل التّنشئة الاجتماعيّة وبناء الشّخصيّة لدى الأفراد؛
قالوا: إنّ للعوامل الوراثيّة/الجينات أثرًا في بناء شخصيّة الفرد، وقالوا، كذلك، إنّ للبيئة القريبة والبعيدة دورًا في صقل الشّخصيّة، وطبعًا، ذكروا أنّ للتّربية والتّعليم حظًّا في التّنشئة الاجتماعيّة؛ لكن، على ما يبدو كان العامل الحاسم والأساسيّ في عمليّة اكتسابي القيم والمبادئ هما المرحومان الوالدان لهما الرّحمة وأصدق الدّعاء!
وطبعًا، لا شكّ كان هناك تأثير لبعض المعلّمين المربّين المخلصين الّذين علّموني في مراحل دراستي وتعلّمي المختلفة، كما أعتقد أنّ ما واجهته من تحدّيات وتجارب في حياتي، بالإضافة إلى حبّي للقراءة والمطالعة وإقبالي المستمرّ عليها منذ طفولتي المتأخّرة وحتّى اليوم، كلّ هذه العوامل ساهمت في بلورة شخصيّتي وفي إكسابي منظومة القيم والقناعات الذّاتيّة الّتي أعتنقها وأعتزّ بها، وأهمّ تلك القيم والقناعات ما يلي:
– تفاؤلي وإيماني بضرورة السّعي والعمل على تغيير ما أراه من السّلبيّات في مجتمعي ومحيطي بعيدًا عن الإحباط والجلد الذّاتيّ مطبّقًا المقولة الرّائعة: “أنْ تُضيء شمعة خيرٌ من أنْ تلعنَ الظّلام”. لذلك أحاول في كتاباتي المتواضعة، وفي الكثير من أعمالي البسيطة الصّغيرة، أنْ أشخّص الدّاء، وأقترح بعض الحلول بدون التّجمّل بالكلمات البرّاقة المبهرة، ولا أدّعي لنفسي حقّ الرّيادة ولا السّبق!
– التّحلّي بالتّسامح وأدعو للبحث عن القواسم المشتركة مع الآخرين، وتعجبني حكمة معاوية ومحافظته على “الشّعرة” الّتي تربطه بالنّاس، وقد كتبتُ عن ذلك أكثر من مرّة، ولكن ليس معنى ذلك أنّني على استعداد للتّنازل عن مبادئي وقناعاتي وحقّي في تبنّي المواقف الّتي تنبع من تلك المبادئ والقناعات!
– الاعتراف بالخطأ إذا وقع منّي في التّعامل مع الآخرين، وتقديم الاعتذار لأنّ ذلك من شيم الكرام.
– إيماني بمتعة العطاء للآخرين ولا أتوقّع دائمًا منهم الثّناء والتّقدير، وأصبر على نكران المعروف إذا حصل!
والعطاء عندي لا يقتصر على المادّيّات، بل قد يكون في أمور معنويّة مثل: الإخلاص في العمل وإتقانه، الإصغاء للآخرين وإظهار المودّة والاحترام والتّقدير لهم، والابتسام الصّادق غير المتكلّف، وتقديم المشورة – قدر المستطاع – والتّطوّع في مشاريع خيريّة، والمشاركة في أفراح النّاس وأتراحهم، ومحاولة غرس الثّقة في النّفوس بالكلمة الطّيّبة والدّعم والتّشجيع، خاصّة للبراعم الغضّة – صغارنا وأحبابنا – وإماطة الأذى بإزالة الحجارة وغيرها من الطّرقات والمسارات الّتي أمارس فيها هواية المشي!
– أرفض سياسة “القطيع” وإملاءات القطيع، ولا يهمّني أنْ أنفرد بالرّأي والموقف والأحكام النّابعة من التزامي بالقيم الإيجابيّة الّتي تؤكّد انتمائي لقيم العدل والصّدق والحرّيّة والمساواة والكرامة.
– أحسن الظّنّ بالآخرين، وأعتبر كلّ شخص ألتقي به، أو أتعامل معه – أعتبره شخصًا طيّبًا صادقًا ما لم يثبت العكس بعد تجربته!
– أعتبر الحياة مقدّسة ونعمة من الباري، وأرفض أسلوب العنف وقتل الأبرياء بحجج وذرائع بعيدة عن القيم الإنسانيّة السّامية!
– أدعو للاعتماد على النّفس، وبذل الجهود الصّادقة لتحقيق الأهداف، بعيدًا عن الغشّ والخداع أو التّملّق والنّفاق!
– احترام العصاميّين الّذين يكدّون ويثابرون ولا يعرفون اليأس حتّى يحقّقوا غاياتهم وأهدافهم السّامية، عكس المتقاعسين الّذين يعلّقون مصيرهم على شمّاعة الحظّ وقاعدة الحسب والنّسب!
– تعيين الشّخص المناسب في المكان المناسب، وأطالب باتّباع معايير الكفاءة والقدرات والمؤهّلات وما يتحلّى به المرشّح من أخلاق حميدة عند اختياره للمنصب أو الوظيفة المقترحة بعيدًا عن المحسوبيّات والوساطات والصّفقات!