على قارعة الطريق…

تاريخ النشر: 27/12/11 | 9:37

بقلم : خالد احمد خليل اغبارية – مشيرفة

على قارعة الطريق، جلست عجوز تغطي نفسها بعباءة سوداء ، وتضع بجانبها سلتان كبيرتان ، في احداها وضعت كمية من حبات اللوز الاخضر ، وفي الاخرى وضعت انواعا من الاعشاب البرية ، كالخبيزة ، والنعناع البري ، والعكوب ، والزعتر صاحب النكهة الزكية، والتي جمعتها من التلال والاودية القريبة من القرية .

كان الجد ابو احمد يعمل في الحقول والبساتين عند اهل القرية ، وكان كل يوم ياتي الى بيته حاملا على حماره اكياسا كبيرة مصنوعة من اليف فيها انواعا عدة من الاعشاب البرية ، والتي كان يقطفها عندما ينهي عمله في الحقول ، وكان يبيعها في سوق المدينة المجاورة ، ويعتاش من ثمنها هو وعياله . فرح ابو احمد بزواج ولديه احمد وليلى بعد ان كبرا وشبا واصبحا يتعلمان في المدينة، وتزوج احمد من المدينة حيث كان يتعلم في جامعتها ، وكان ابوه يرسل له مصاريف التعليم واجرة السكن ، وذلك من ثمن ما كان يبيعه من الاعشاب البرية في السوق ، حتى تخرج واصبح مهندسا واشترى له بيتا خاصا وكان قد تزوج من زميلة له في الجامعة . اما اخته ليلى والتي تعلمت حتى تخرجت من الثانوية العامة ، فتزوجت بعد تخرجها بنجاح وكانت مختصة بعلم التربية .

مرت الايام والسنون حتى ابح ابو احمد لا يقدر على مغادرة البيت لمرض اقعده ولكبر سنه ، واصبحت زوجته ام احمد هي التي تحضر الاعشاب البرية وتبيعها في السوق وفي طرقات المدينة ، كل هذا كانت تنقله حاملة على كتفيها السلال الكبيرة ، بعد ان باع ابو احمد حماره ليصرف ثمنه على اولاده في تعليمهم ، وكانت ام احمد تذهب في ساعات الفجر الباكرة حتى ساعات الظهيرة الى التلال والاودية لاحضار تلك الاعشاب ، التي كانت تبيعها وتجلب ثمنها لتغطي نفقات البيت ، وعاش العجوزان ايامهما على قدر ما تجلب ام احمد من مال مقابل بيعها الاعشاب .

كان الجو حارا جدا ، في ذلك اليوم الذي قرر فيه احمد زيارة والديه، ليطلع على احوالهما ، خرج من بيته وزوجته ومرّا على اخته وزوجها واخذاهما معهما الى القرية ، في الطريق اخذ احمد وليلى يتحدثان كيف ان والديهما عاشا لهما طول حياتهما ، وجلبا المال ليتعلما ويسعداهما في حياتهما ، وكيف انهما نسيا معروفهما طول هذا الوقت ، ولم يفكرا في زيارتهما ، واللذان لم يتأخرا في توفير المال لارساله لهما لاكمال الدراسة، وتخرجهما من المدرسة ثم الجامعة بنجاح . وفي سفرهما مرا على التلال والاودية التي كان والدهما يقطف منها العشاب البرية وياتي بها ليبيعها في المدينة ليوفر لهما للتعليم ولسد حاجات البيت له ولاهله ، وتذكرا كيف كانا يلعبان عندما كانا ياتيان مع والدهما الى الحقول ، ولا يهتمان كيف ولمن كان ابوهما يعمل ويكد بنشاط وقوة لاسعادهما في حياتهما .

سافرا طويلا حتى بدت لهما بيوت القرية ، واستمرا بالسفر حتى وصلا الى الطرقات الضيقة التي لا توصل الى القرية الا مشيا على الاقدام ، اركنا سيارتهما في متسع بجانب الطريق ، واخذا يمشيان سيرا على الاقدام وهما يتاوهان من التعب ، حتى وصلا شجرة كبيرة واستراحا بظلها ، وبعد ان استراحا استمرا بالمشي واذا بهما بعجوز تجلس عند قارعة الطريق في حرّ ذلك اليوم ، وقفا وسألاها : ماذا يقعدك هنا ايتها العجوز في الحرّ الشديد ، وماذا تحملين في تلك السلال ؟ لم تنبس العجوز ببنت شفة ولم تنظر اليهما وبقيت مطأطئة راسها الى اسفل . عند ذلك فكر احمد كيف ان اباه ومن بعده امه كانا يبيعان الاعشاب مثل تلك العجوز ، استمرا في المشي الى ان وصلا ساحة بيتهما ، دقّا الباب ونادا والديهما ، وسمعا صوتا ضعيفا يرد عليهما نعم ، تفضلا من في الباب؟ ادخل ايها الطارق الباب مفتوح ، دخل احمد وليلى الى البيت واذ بوالدهما مريض لا يقدر على الحراك ، فانكبا عليه يقبلانه ويبكيان ، بعد برهة سال احمد والده واين امي يا ابي ؟ فقال الاب وهو يبكي انها ذهبت الى السوق لبيع الاعشاب يا ولدي ، هنا ضرب احمد على رأسه ، وقال يا ويلتي انها امي هي تلك العجوز التي كانت تجلس على قارعة الطريق وتغطي نفسها ، اسرع احمد اليها وحملها على ظهره وحملت اخته السلال ورجعا الى البيت وهما يقبلان والديهما ويبكيان اسفا وحرقة على انهما لم يأتيا اليهما من قبل .

انحاز احمد الى زاوية البيت وفكر قليلا ، ثم اخبر واليه بانه يريد ان ياخذهما معه الى المدينة ، ويعيشا تحت رعايته في بيته ، كما عاش هو واخته تحت كنف ورعاية والديه ، فعلا سافر الجميع الى المدينة حيث سكن احمد في الطابق العلوي وسكن والديه في الطابق الارضي ، عاش والدا احمد تحت رعايته الى ان وافتهما المنية بعد اقل من عام ، وكانت وصية والداه بان يكون الدفن في القرية حيث مسقط راسهم، عاد احمد واخته وعائلتاهما الى المدينة بعد قضاء فترة قصيرة في القرية بعد ان دفنا والديهما وهدما بيتهم القديم وبنيا مكانه مسجدا صدقة جارية عن والديهما . واستقراحمد واخته في المدينة واشتريا ارضا زراعية ، وعمل عندهما عمال وموظفون وذلك من مال قد كان يخبأه والده في احدى زوايا بيته القديم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة