ديني مبني على الصدق والإنسانية

بقلم: رانية مرجية

تاريخ النشر: 10/06/25 | 6:21

لم أعد أجد حاجةً لتبرير إيماني لأحد، لأنني ببساطة لم أعد أمارس ديني كخوفٍ من عقاب، ولا كصفقةٍ مع السماء، بل كطريق حياةٍ مبنيّ على أمرين لا ثالث لهما: الصدق والإنسانية.

أؤمن أن الدين، في جوهره الحقيقي، ليس ما نرتديه، ولا ما نكرّره من طقوس دون فهم، بل ما نحمله في سرائرنا من رحمة وصدق، ما نفعله عندما لا يرانا أحد، وما نقوله لأنفسنا قبل أن نقوله للآخرين.

لقد خُلق الإنسان على صورة الله، لا ليُحاكم الآخرين، بل ليحبّهم. فحين نفهم ذلك، نُدرك أن الإيمان الحقيقي لا يُبنى على كراهية المختلف، بل على الاعتراف بجمال تنوّع الخليقة.

حين يُصبح الدين أداة فصلٍ وتصنيفٍ وازدراء، يفقد معناه. لأن الدين الذي لا يُربّينا على التواضع والرحمة ليس من الله، بل من صنيع أيدينا.

أنا لا أؤمن بدينٍ يُبيح القتل باسم الحق، ولا أؤمن بإلهٍ يأمرنا أن نكره.

أنا أؤمن بإلهٍ يطلب منّي أن أكون صادقة، حتى لو كلّفني ذلك عزلتي.

أؤمن بإلهٍ يوصيني أن أكون إنسانة، حتى في وجه من أنكر إنسانيتي.

ديني علّمني أن أُصغي قبل أن أحكم، وأن أفتح يدي لا لأدين، بل لأضمّ.

ديني ليس نصًا جامدًا، بل حياةٌ تُقرأ في عيون الفقراء، في كرامة الضعفاء، في دموع الغرباء، في كلّ أمّ تخاف على ولدها عند الحاجز، وفي كلّ شيخٍ يُصلّي لله بهدوء دون أن يرفع صوته في الشوارع.

حين أنظر حولي، لا أفتّش عن عدد الكنائس أو المساجد، بل عن أثرها:

هل صارت قلوبنا أرحب؟ هل توقّفنا عن إقصاء من لا يُشبهنا؟ هل زرعنا السلام بدل أن نُصدّر الفتنة؟

إن لم نفعل، فماذا نعبد إذًا؟ الله؟ أم أنفسنا؟

ديني، كما أراه، لا يُختزل في الطقوس وحدها، بل في الضمير الحيّ.

في أن تكون نزيهًا حين تقدر على السرقة، عطوفًا حين تقدر على الانتقام، صادقًا حين يكون الكذب أسهل.

وأسوأ ما حدث لنا، أننا سلّمنا أجمل ما في إيماننا – أي الصدق والإنسانية – إلى تجّار الدين، إلى من جعلوا الإيمان سلطة، والفتوى سلعة، والاختلاف تهديدًا.

لكنني أقاوم.

أقاوم بتلك الصلاة التي لا يسمعها أحد، بذلك الموقف الذي قد لا يُرضي الجميع، بتلك الكلمة التي أكتبها كي أذكّر نفسي والآخرين أننا خُلقنا لا لنسود، بل لنخدم.

ديني مبنيّ على الصدق… لأن الله لا يُخدع.

وديني مبنيّ على الإنسانية… لأن الله يسكن في الإنسان، لا في القوالب الحجرية التي نضعه فيها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة