كيف أصبح حماري مستوطناً يقلع زيتون العرب.!!

بقلم : يوسف جمّال – عرعرة

تاريخ النشر: 23/01/23 | 11:18

قبل أيام, وأثناء عودتنا من زيارة لأحد أقربائنا في جنين,
رأينا “نجوم الظهر” – أنا وحماري- عند عبورنا “للمحسوم”,
فلم نستطع العبور إلا بشق الأنفس, فقد رفضوا السماح له
بالرجوع الى بلده في عرعره, إلا بإبراز هويته. ولما كانت
هويته القبرصية التي ورثها عن أجداده العظام, لم تنل
إعترافاً من قبل السلطات الاسرائيليه, مدعيَّه أنها لا تعطي
التصاريح إلا للحمير, التي استوردت من أوروبا.
ولم تشفع لحماري هويته القبرصية, وأنكم كما تعلمون ان
جزيرة قبرص, هي جزء من قارة اوروبا. فقد رُفض
“إدعائه” حيث تساءل موضفو الداخليه: “كيف يكون قبرصياً
ولونه أسود كالغراب” !؟
وعندما توجَّه محاميه الى القضاء, مدعيّا ان سواده جاء
نتيجة للمصاهرة مع ابناء البلاد, رفضت المحكمة طلبه,
مستندة على القانون الاسرائيلي, الذي “يحرم” حمير بلادنا
من الجنسية الاسرائيلية.
ولما عدنا الى المحسوم, لم تشفع لحماري كل محاولاته
لإقناعهم بالسماح له بالعبور, إلا بعد ان قال لهم مهددا
“سأرجع الى الضفة الغربية, واستوطن فيها ,وسأقيم فيها مع
جماعتي الحمير, مستوطنة جديدة نطلق عليها اسم (هتنحلوت
התנחלות الحمير)” ! .

وهناك ستقعون بمأزق خطير: فان سمحتم لهذه المستوطنة
ان تقوم, قامت عليكم الدنيا. فلن تسلموا من قطعان
المستوطنين, ففي السماح لهذه المستوطنة بالقيام, فإنكم
ستكونون قد انتهكتم المبدأ الأساسي, الذي قامت عليه عمليات
الإستيطان وهو أنه: “شعب الله المختار”. فوق الجميع,
وإعطائكم الأرض لفئة أخرى من مخلوقات الله “فيه مخالفة
لأوامر الرب”.
وإن “مسحتم” المستوطنه عن وجه الأرض, كما فعلتم لقرى
الفلسطينيين فستقوم عليكم قيامة جمعيات الرفق بالحيوان في
العالم قائلين لكم : “انكم انتهكتم جميع مبادئ الرفق
بالحيوان”, فتزيد بذلك كراهية الشعوب لكم, وتخسرون ما
بقي لكم من تعاطف في العالم.
فأخلوا سبيله محذرين: “لن تمر مرة أخرى, إلا بهوية
إسرائيلية زرقاء!”
وعندما سألهم كيف سيحصل عليها, والسلطات الاسرائيلية
ترفض منحة الهوية, رافضة التصديق, ان أجداده ولدوا في
قبرص.!؟
فرد عليه ضابط المحسوم: “ان هذا ليس من شأننا, ولا من
اختصاصنا .
قضى حماري أيامه مهموماً ساهماً, لا “يصيب” شيئا من
عليقه, ولا “يبل” ريقه الا بجرعه من ماء, لا تروي حرذوناً,
فحزنت على حزنه, وأصابني الهمُّ على همومه.

ولما مررت بباب بيته , ناداني فهرعت إليه مستبشراً قائلاً
لنفسي, ربما انفرجت أساريره, وابتعدت عنه حاله الإكتئاب,
وقبل ان تخرج مني, بنت شفه صرخ مهللا:
وجدتها.! لقد وجدتها.!
ما التي وجدتها.!؟ سألته مشدوهاً
وجدت الحل.. وجدت الحل لمشكلة الهوية..أكمل
وفوران من الزهو والفرح, يتراقص على أذنيه
وحاجبيه.
ما هو.!؟ قلْ وخلِّصني من هذا الموقف السخيف,
الذي وضعتني فيه.! صرخت به بعد ان شعرت
بفوران من الغضب , يتعالى من اعماقي.
لقد وجدت الطريق التي سأحصل على الهوية بها ..
سأسافر الى قبرص.!
الى قبرص.!؟ صحت به وأنا ألملِم يدي متأهباً
لخنقه.
سأسافر الى قبرص لأبحث عن أصلي , وأحضر
الأوراق والشهادات , التي ستثبت ان أصل أجدادي
من قبرص.. وسأبحث ان كانت إحدى جداتي, كانت
قد تحت ولاية إحدى العائلات اليهودية, او لها صلة
قرابة بحمير قبرص, التي أصحابها كانوا يهوداً.
ولم يسمع حماري لنصائحي, التي حاولت بها ثنيِّه
عن هذه الرحلة. . ولكن كما تعرفون فهو حمار بن
حمار, وتعرفون أيضاً, مقدار قساوة رؤوسهم

وعنادهم وتجحيشهم, الذي انتشرت أخباره, في كل
البلاد والعباد. فودعته في ميناء حيفا, متمنياً له
السلامه والتوفيق في مهمته.
ولم يغب حماري عني طويلاً, اذ لم تستغرق رحلته
إلا أسابيعاً معدودات.. ذهبت لإستقباله في ميناء
حيفا..
وعندما وقعت عينايَّ عليه, أثناء نزوله من السفينه,
رأيت العجب العجاب, كانت أذناه تتراقص في أعلى
رأسه, ويمشي مشيةً فيها تكبٍّر وخيلاء, وعندما
اقترب منّي, بانت الأوراق التي كان طرفها مدسوساً
في أذنه, وهو يحاول بكلِّ الطرق عرضها على كل
من حوله , من المسافرين وموظفي الميناء.
وعندما وصلني صافحني بأذنه, وابتسامة حميرية
متشفِّيه, تجتاح شدقيّه كأنها تقول لي “لقد احضرت
الغنيمة, رغم معارضتك لسفري.!”
وعندما سحبت الأوراق من أُذنه وفتحتها, وقرأت ما
تحمله هالني الأمر, لقد كانت عبارة عن ملف, يحوي
عدة أوراق: واحدة منها كانت رسماً وخارطة لشجرة
عائلته الحميرية, تبدأ من جده حمارويه بن جحشان
القبرصي, ومن ثم تفصل تسلسل نسب هذه العائلة
الكبيرة, حتى تصل الى أيامنا هذه.
اما الورقة الثانية فكانت عبارة عن موجات هجرات
هذه العائلة من قبرص, وانتشارهم في جميع بقاع
الارض, وكان منها, قدوم جده “جحش بن كُرٍ بن
حمارويه”, الى بلادنا, وكانت هذه الهجرات مؤرخه

بتواريخ دقيقة, وقد سجل فيها ان جحش هذا قدم الى
بلادنا, قبل ما يزيد عن قرن من الزمان.
اما الورقة الثالثة فكانت – وحسب رأي حمارنا-
الأكثر خطورة وأهمية, فقد كانت عبارة عن وثيقة
تثبت ان إحدى جداته: “حمرانه بنت مجحوشة بنت
حمارويه”, كانت ملكاً لإحدى يهوديات قبرص,
واسمها “צפורה בת יצחק הקוהן” تسبورة بنت
يتسحاق هكوهين”.. وهنا سألت حماري والدهشة
تتملكني:
– لماذا تعطي كل هذه الخطورة وهذه الأهمية, لهذه
الوثيقة.!؟
فنظر الي بعينيين, تملأهما كل علامات السخرية
والإستخفاف, بمقدار فهمي ولماحتي:
هذه الوثيقة هي التي ستعطيني الهوية الزرقاء –
يا صاحبي.! هذه الورقة التي سترفع رؤوساً,
وتخفض رؤوساً.!

– كيف!؟ صرخت به, وأنا أحاول ان أغور في تفكيره,
لأعرف ما الذي يخزنه في تفكيره.!
– هذه الوثيقة تثبت ان في أصولي نسباً يهودياَ.. قال
وفي لهجته, تيّار جارف من السخرية والتشفّي من
جهلي.
– وماذا يعطيك هذا.!؟ صرخت به بعد ان شعرت ان
مخزون صبري قارب على الإنفجار.
– سينطبق علي قانون العودة .. الذي سيعطيني الحق في

المواطنة الإسرائيلية.!
فبقيت واقفاً متجمِّداً في مكاني.
وعندما أفقت من تجمدي, تذكرت المقولة القديمة التي تقول :
“خذ الحكمة من أفواه الحمير” .
وما هي إلا أسابيع قليلة, حتى كانت الهوية الزرقاء مربوطة,
على أذن حماري يتلاعب بها بأذنيه مختالا , وأصبح نهيقه
يناطح السحاب, ودبيب رجليّه يدق الارض.
فدخلت عليه في إحدى الأيام, أتفقد أحواله بعد هذا الفوران
الذي أصابة, فقال لي بدون مقدمات:
لي طلب بسيط – يا سيدي- قالها كعادته القديمة,
عندما يحتاج مني شيئا مهما بالنسبة له:
– أريد ان تشتري لي “קפה”.!
– “קפה” !! عن ماذا تتكلم.!؟ صرخت به.
– هذه الطاقية الصغيرة ,التي يضعها اليهود المتدينون
على رؤوسهم.. قال وهو “يتجفّل” خائفا من ردود
فعلي.
– لماذا تريدها – يا حماري- العظيم.!؟ قلت وقد شعرت
ان قواي بدأت لا تستطيع حملي او احتوائي.
– اني سأودعك بعد ان أحصل عليها, وأتوجه للاستيطان
في الضفة الغربية. وهي ستساعدني في قبولي, لإحدى
المستوطنات هناك.

وبعد أسابيع قليلة, صادت عيناي خبراً في إحدى الصحف
يقول: ” لقد قُبض على حمار يشارك قطعان المستوطنين,
بقلع أشجار زيتون قرية يعبد الفلسطينية ” .
وعندما تمعَّنت في الصورة ,التي كانت تزيِّن الخبر, رأيته
هو ..
لقد كانت صورة حماري.!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة