الـــوظــــيفــــــــة

تاريخ النشر: 23/12/19 | 19:47

قصة بقلم : محمد علي سعيد – طمره – عكا

عدت إلى مكان عملي بعد غياب طويل ، توجهت زارعا خطاي إلى غرف الإدارة…
استقبلتني سكرتيرة جميلة وناعمة، لا اعرفها ولا اعتقد أنها تعرفني…
طلبت الإذن لمقابلة المدير، لم تكترث لطلبي واستمرت في حديثها التلفوني .. تبتسم وتضحك وتمسّد شعرها وتتلوى في دلال.
طلبت الإذن مرة ثانية .. وثالثة، رفعت رأسها.. ركّزت عينيها فيّ واخترقتني نظراتها الحالمة وبصوت هامس وممطوط.
– ألست السيد .. .؟!
– وحضرتك ؟
ابتسمت في ذكاء، وأشارت إليّ بالجلوس فجلست.
– يبدو أنك تنسى …
تأملتها جيدا ، استحضرت ما استطعت من ذاكرتي… حاولت أن اخترقها بنظراتي .. وقبل أن أقول شيئا.. رأيت منديلا أسود قديما يقترب منها راقصا .. لم أعرف من أين جاء ؟ ولا ماذا يريد؟ انجذبت إليه أراقبه في دهشة وفمي ما زال مفتوحا ..
رقص المنديل حولها واقترب كثيرا من وجهها فنزع الرموش الصناعية واستمر راقصا بنشاط أكثر ومسح المكياج عن خديها ووجنتيها وشفيتها ورقص بانفعال أكثر وأزال الكحل والألوان عن عينيها واختفت رموشها الطويلة… ثم اقترب من رأسها، فتحول شعرها الأشقر الناعم المسرح إلى أسوَد خشن فوضوي ..
وأخيرا حط على رأسها ضاغطا شعرها ومنعقدا تحت ذقنها تاركا طرفيه كأذني الغنمة وكاشفا عن وجه شاحب حزين وغامض.
وقبل أن يستقر نهائيا تبدلت ملابس السكرتيرة فإذ بها تلبس فستانا رثا ومشدودا عند خصرها بدل التنورة الضيقة والقصيرة والثوب الضيق والقصير الأكمام أيضا، وتنتعل حذاء قديما متهرئا بدل الكعب العالي.
أسرعت لأضع كفي على فمي وأنفي وعيني لأتحاشى رائحة الطبيخ وأدوية الغسيل والنظافة التي حلّت محل رائحة العطر الزكي والذكي والمثير.
– يا الله.. كيف لم أعرفك ؟
– ها .. وأخيرا عرفتني يا أستاذ.
– نعم .. أنت عاملة النظافة أُم …
– احترم نفسك يا أستاذ… أنا السيدة أم…
– ولكنكِ أنتِ .. الشغل ليس عيبا .
– عاملة النظافة.. كان هذا في الماضيِ.. والآن، أنا سكرتيرة.
– منذ متى ؟
– منذ ثلاث سنوات تقريبا.
– وتقدمتِ في سلم الوظائف ؟
– نعم .. والفضل يعود إلى المدير الذي يقدر الكفاءات.
– على أي حال مبروك .. أريد مقابلة المدير.
– المدير مشغول جدا .. بإمكانك مقابلة نائبه.
– فليكن
تقدمت، وبهدوء قرعت الباب ثلاثا، ” أُدْخل… ” ، فدخلت، وقبل أن أتحقق من شخصية نائب المدير القابعة وراء الطاولة، حانت مني التفاته إلى السكرتيرة، عاملة النظافة، السيدة أم .. وإذا بها تبتسم في دهاء أو ربما تضحك أو ربما تقهقه، وكأني بها تسخر من شخص ما…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة