خواطر وقصص بقلم رانية مرجية
تاريخ النشر: 17/06/25 | 10:08
كيف تطوّر مهاراتك الشخصية والمهنية؟
بقلم: رانية مرجية
لا شكّ أن الحديث عن تطوير الذات لم يعد ترفًا فكريًا أو رفاهية نخبوية كما كان يُظَنّ في السابق، بل أصبح اليوم ضرورة ملحّة تفرضها تحوّلات الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتسارعة، وضغوط سوق العمل التي لا ترحم المتقاعسين ولا تنتظر المترددين. ومن هذا المنطلق، فإن مقالي هذا لا يوجَّه إلى الأفراد فحسب، بل إلى المجموعات العاملة ضمن بيئات تربوية، اجتماعية، أو حتى نضالية، حيث يشكّل التطوير المهني والشخصي حجر الأساس لاستمرار العمل وتحقيق الأثر المرجوّ.
أولًا: التطوير يبدأ من الوعي بالحاجة
كم منّا يعمل ضمن فريق دون أن يسأل نفسه: هل أنا أُضيف؟ هل أتعلم؟ هل أتغيّر؟
التطوير الحقيقي لا يبدأ من دورات تدريبية أو كتب ملهمة، بل من لحظة مواجهة داخلية تُفجّر الأسئلة الوجودية: ما الذي أريده من نفسي؟ ما الذي تحتاجه المجموعة منّي؟ وما الذي يُعيقني عن التقدّم؟ هذا الوعي الذاتي هو أوّل بذرة في حقل التطوير المستدام.
ثانيًا: المهارات الشخصية أساس لا غنى عنه
كمجموعة، سواء كنتم طاقمًا تعليميًا، فريقًا إعلاميًا، نادٍ شبابي، أو حركة نسوية، فإن نجاحكم يبدأ من جودة العلاقات بينكم. والمهارات الشخصية هنا تتخطّى المجاملات السطحية، لتشمل:
• القدرة على الإنصات بصدق: الاستماع دون مقاطعة أو تحفّز للدفاع.
• إدارة الغضب والخلافات: فالنضج لا يُقاس بالصراخ ولا بالانسحاب، بل بالقدرة على تحويل الخلاف إلى فرصة للفهم.
• التعاطف العملي: أن تشعر بوجع الآخر لا يكفي، عليك أن تُترجم ذلك إلى سلوك مسؤول داخل المجموعة.
ثالثًا: المهارات المهنية لا تولد بالفطرة
بعضهم يتذرّع بالمواهب الفطرية كعذر لعدم التعلّم، لكن الواقع أكثر قسوة من أن يُكافئ الموهبة غير المصقولة.
في كل مجموعة مهنية، هناك حاجة لمهارات محدّدة يمكن ويجب تطويرها:
• التفكير النقدي وصنع القرار
• القدرة على تقديم العروض والتواصل الجماهيري
• إدارة الوقت والموارد
• الكتابة المهنية وصياغة المراسلات والتقارير
• التحليل الرقمي والتعامل مع أدوات التكنولوجيا
وهنا لا يكفي أن نرسل أحد أفراد المجموعة إلى دورة تدريبية ثم ننتظر المعجزات؛ بل المطلوب هو بناء خطة جماعية للتعلّم، قد تشمل قراءة مشتركة لكتاب، نقاشًا دوريًا، تبادل مهارات بين الأعضاء، أو حتى تخصيص ساعة أسبوعية للتعلّم الذاتي والمشاركة.
رابعًا: التقييم لا الإدانة
كثير من المجموعات تفشل في التطوّر لأنها تخشى المواجهة، أو لأنها تخلط بين التقييم والإدانة.
التقييم البنّاء يعني أن نتعلّم كيف نُراجع أعمالنا دون أن نُحبط أنفسنا أو نُشيطن بعضنا.
فريق ناجح هو فريق لديه الشجاعة لأن يقول: أخطأنا هنا، تعلّمنا هناك، نحتاج إلى تعديل في هذا الجانب.
خامسًا: بيئة مشجّعة لا بيئة سامة
من يستطيع أن يُبدع في وسط ملوّث بالأنانية والشللية والتسفيه؟ لا أحد.
لكي تنجح أي مجموعة في التطوير، لا بد من ترسيخ ثقافة الاحترام، التقدير، التنوّع، والدعم.
أن تشعر أنك تُسمع، أنك تُحتضن، أنك تنتمي… هذا وحده قد يكون أقوى من مئة دورة تطوير مهني.
سادسًا: تطوير المهارات بوصفه فعلًا تحرريًا
بالنسبة لنا كفلسطينيين، وكشعوب ما زالت تقاوم الظلم والتمييز، فإن تطوير المهارات ليس مطلبًا فرديًا فقط، بل هو جزء من مشروع تحرّري. أن تُطوّر أدواتك يعني أن تُطوّر أدوات مقاومتك، أن تُتقن لغتك يعني أن تُدافع عن روايتك، أن تُنظّم وقتك يعني أن تتقدّم خطوة في مشروعك الوطني أو المجتمعي.
التطوير هنا ليس رفاهية، بل واجب نضالي.
وأخيرًا: نحو ثقافة التطوير الجماعي
فلنتوقّف عن جعل التطوير مسؤولية فردية، ولنجعلها جزءًا من ثقافتنا كمجموعات. لنتحدّث عنه في اجتماعاتنا، لنكافئ من يتقدّم ويتعلّم، لنُشجّع بعضنا بعضًا على النمو.
التطوير لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل هو فعل يومي، يشبه زراعة الحقول: سقي، تنقية، صبر… ثمّ حصاد.
وفي النهاية، ما نحتاجه اليوم ليس فقط أن نحلم بعالم أفضل، بل أن نُصبح أشخاصًا ومجموعات أكثر نضجًا واستعدادًا لتحقيق هذا العالم
———————————————–
ثلاث نَفَسات… وإلهٌ واحد لا شريك له
يقولون لنا: أنتم تعبدون ثلاثة آلهة.
ونجيب بمرارة الأنبياء الذين لم يجدوا مكانًا لولادتهم ولا قبورًا لدفنهم: لا، نحن نعبد إلهًا واحدًا… لكنه ليس مسطّحًا، ليس جامدًا، ليس صنمًا من حجر.
إلهنا حي، متحرك، فاعل، مُحبّ.
إلهنا واحد، لكن في كينونته حياة وحوار وعلاقة.
إلهنا هو الآب والابن والروح القدس، وليس بين الثلاثة فاصل ولا مسافة، بل سرّ لا يُحتَكر ولا يُشرح كما تُشرح معادلات الفيزياء، بل يُعاش ويُتنفّس ويُتذوّق كما تُتذوّق صلاة في ليل الخوف.
نحن نعبد إلهًا واحدًا بثلاثة أقانيم.
والأقنوم، لمن لا يعرف، ليس “جزءًا” من الله، بل هو “وجه” من حضوره.
ليس فصلًا، بل عمق.
ليس رقمًا، بل علاقة.
الآب… هو الأصل، هو الحبّ الذي لا يحتاج إلى إثبات.
هو الذي قال للعدم: كُن، فصار نورٌ وكوكب وإنسان.
هو الذي لا يُرى، لكنه يُشعر، مثل دفء الشمس في عزّ كانون.
هو ليس شيخًا بلحية بيضاء فوق الغيم، بل قلبًا أبديًا ينبض في صمت الخليقة.
الابن… هو الكلمة، الصوت الذي صار جسدًا كي لا نبقى نحن مجرّد صدى.
هو يسوع المسيح، ابن المريم، الذي سار حافيًا على دروبنا، ونام على حجارة قلوبنا، وبكى معنا، وتألم مثلنا، ليقول لنا إن الله لم يبقَ هناك، بل أتى إلى هنا.
الابن لم يُرسل ليؤسس ديانة، بل ليؤكد أن الحبّ لا يُفهم إلا إذا مشى معنا على الأرض.
الروح القدس… آه، الروح!
النسمة التي تهزّ القمح دون أن تراها.
الصرخة التي تُشعل قلوب التلاميذ الخائفين وتجعلهم يعلنون الحقّ دون خوف.
هو الحضور الذي لا يُحدّ، الريح التي لا تُقيَّد، القوة التي لا تُشترى ولا تُباع.
هو الذي يجعلنا نصرخ: “يا أبا الآب!”
هو الذي يربط بين الآب والابن، ويجعل الكنيسة جسدًا حيًّا، لا مؤسسة بيروقراطية.
فكيف إذًا نقول: ثلاثة؟
نحن لا نعبد ثلاثة، بل نعبد الواحد الذي أحبّ، والذي تجلّى، والذي يسكن.
الواحد الذي هو شركة، لا وحدة ميتة.
الواحد الذي هو حوار داخلي أبدي، لا صمت صنميّ.
الثالوث الأقدس ليس مسألة فلسفية، بل هو لُبّ الإيمان المسيحي.
لأنه من خلاله نفهم أن الله لم يكن أبدًا وحيدًا، ولم يكن أبدًا بعيدًا.
من خلاله نفهم أننا لسنا وحدنا في هذا العالم.
وأن الحبّ، في أصله، ليس صفة من صفات الله، بل كيانه كلّه.
فهل هذا صعب؟
نعم، على العقل الذي يريد أن “يفهم” الله كأنه آلة.
لكن ليس صعبًا على القلب الذي يعرف أن الله لا يُفهم، بل يُحَبّ.
الثالوث ليس مشكلة يجب حلها، بل سرّ يجب السجود أمامه.
هو الله الذي لم يحبس نفسه في عليائه، بل فتح قلبه لنا بثلاث نَفَسات:
الآب… الذي خلقك لأنك جميل.
الابن… الذي فداك لأنك ثمين.
الروح… الذي يسكنك لأنك محبوب.
إله واحد، لا شريك له.
لكنّه ليس وحيدًا، لأنه محبة.
ومن يعرف المحبة، يعرف أن المحبة لا تعيش وحدها أبدًا.