يرث من حيث لا يدري.!!
تاريخ النشر: 05/03/19 | 13:21والله علقت فيها يا غبوة – يا عبقري..!
ها أنت تجلس على مقعد المتهمين في المحكمه .. ثلاثة أسابيع وأنت من السجن الى المحكمة , ومنها الى السجن . ألا يكفي أنك “إطْلعِتْ” من المولد بلا حمص .!؟
كل محاولاتي لربط عيني بعيني موشي, الذي يجلس بجانبي على المقعد , تذهب أدراج الرياح ..فلا أرى من مكاني سوى ظهره ومؤخرة صلعته .
أبي- فهمان العبقري – كان يقول : ” هاي الدولة ما ” بتقرا خط.!”
وإلا ما بالها ترمي ” زلامها” في السجن, وآخرهم وليس أولهم موشى..!؟ “.
ولم تدم محاكمتي سوى جلستين , أُطلق سراحي , بعد ان تأكدوا أن بصمتي مزيفة , وأنني لم أحصل على شيئ من المال الذي “تعبأ ” به موشي .
وقصة وصولي الى المحكمة بدأت ,عندما استدعاني موشي ضابط المخابرات , وأجلسني أمامه فجلست ,وناولني سيجارة بيضاء أسفلها احمر ,تناولتها من بيتها الأحمر, ومن ثم أشعلها لي من ولاعه قرأت عليها Ronson .. وعندما سألته مستغرباً :
“لماذا لم تشعل لنفسك مثلها !؟” ..
أجابني : “زوجتي تمنعني ,وأنا أخاف منها كثيرا!”..
فزادني ذلك دهشة واستغراباَ, هذا الرجل الذي “يتفنن” في تعذيب كل من يقع في يديه من العرب ,يخاف من زوجته !.
أنا وموشي “أصدقاء” منذ سنوات كثيرة , يستدعيني من حين الى حين, ويرمي علي أسئلة كثيرة , منها ما هو تافه, مثل: “ماذا أكلت اليوم!؟”. وفي أغلب الأحيان ,يجيب بنفسه على سؤاله فيقول مثلا: “ملوخية”. فأجيبه دائما بسؤال “كيف عرفت !؟”.
فيجيب مندهشا من نفسه ,كأنه طفل اكتشف لعبة جديدة:
” إننا في أمن إسرائيل نعرف كل شيء: ماذا تأكلون.. وماذا تشربون..حتى متى تنامون عند نساءكم.!”.
وأحياناً يسألني عن أشخاص , يقول إنهم من حماس ,ودائما أجيبه:
“إني أعرفهم !”.
فمثلا مرة سألني عن جهاد العلمي, فبدأت أقول له :” إن له عشرة أولاد…وعشرين دونم زيتون و…
” فصرخ: ” أنا لا أريد هذا.. ! قلت لك ألف مرة, أنني لا أريد هذا النوع من المعلومات .!” .
وعندما ذكرته بأقواله :” إن رجال أمن إسرائيل ,يعرفون عن كل إنسان كل شيء! ”
انفجر غاضباً, وطردني من أمامه, شاتماً آبائي وأجدادي وحكومة إسرائيل ,التي أبقتني خارج السجن.!
ولكن في هذه المرة – السيجارة التي أشعلني بها , أنا متأكد أنها ليست “لوجه الله “..صح نحن أصحاب ,ولكن في حدود!”
– لماذا سموك غبوة !؟ سألني وعيناه منصبتان ,على شاشة الحاسوب التي أمامه.
– على اسم أحد أجدادي- غبوة بن مرة العبقري.! أجبته ,وأنا أتحسَّس الاتجاه الذي يرمي إليه.
– والعبقري !؟ سأل وهو يزيد سرعة تحركه, نحو الهدف الذي يريد أن يصل إليه.
– لأننا هاجرنا الى هذه البلاد ,من سهل عبقر مأوى الشياطين.! أضفت هذه المعلومة ,كي أرمز له من أي صنف نحن.
– أتعرف أننا اكتشفنا أنك لست غبي فقط. وإنما في غاية الغباء والحمق !
هاجمني بحميمية ولطف, لم أعهده منه.
فأجبته بلطف أكثر من لطفه :
– يا سيدي هذا ليس جديداً, فعائلتنا معروفة بشدة غبائها, فمثلا لا يحلو لنا ان نأكل المسخن, إلا في آب اللهاب, ونغني عندما يستشهد أحد منا!
– مسخن وطبيخ.. ! أنا استدعيتك الى هنا , كي أخبرك عن حقوق لك وأجدادك .. ان لك أرض – أيها الغبي- ,وأنت لا تسأل عنها.!
صرخ دون ان يرفع رأسه عن الأوراق, التي أمامه على الطاولة.
– ولكن كل أراضي العيلة مسجلة في الطابو ,وأوراقها معنا.!
– يبدو ان جدك الأول كان أغبى منك, ولم يسجِّل هذه الأرض.! عنَّفني بتحبب.
– والأرض “هاي وين”.!؟ سألته محاولاً معرفة بعض خيوط شبكته, التي يرميها لي.
– على جبال نابلس.! قال بعد تلقف دنو وقوعي, من في الشرك الذي ظنَّ انه نصبه لي .
– ولكن هذه الأرض بنيتم عليها دور للمستوطنين! صادرتموها من أصحابها ! قلت مستمراً في محاولاتي لاكتشاف خططه.
– عن أية أصحاب أنت بتحكي !؟ ما أنا قلت لك – يا غبي- أنك أنت صاحب الأرض.! رفع صوته متصنعاً الغضب.
– ولكن لا توجد معاي ,أوراق طابو لهذه الأرض !؟ قلت باستغراب.
– بنعملك .! هاي سهلة.. بنعملك أوراق “مزبطة” .! قال بعد ان لاحظ ان خطته بدأت تسير الى هدفها.
– والمستوطنون الموجودون على الأرض.!؟ سألت محاولاً اكتشاف عمق مراميه.
– بيعهم الأرض …وأقبض مصاري. مطلوب منك أن توقع فقط.. والباقي علينا ! ردَّ بعد ان ستنتج ,أني بلعت الطعم.
– المستوطنون من أي عائلة دخيلك !؟ أدخلت سلاح عائلتي القديم.
– ما دخل هذا بالموضوع إلي بنحكي فيه !؟ صاح زاجراً.
– سمعت أنهم من عائلة اليعاقبة.!
– ما دخل هذا بالموضوع !؟ سأل وهو ينفجر من الغيظ.
– سمعت من جدي – الله يرحمه- أنهم أولاد عمنا..أولاد عم عائلة العبقري! قلت مكملاً خيوط خطتي.
– ماذا تريد من هذا الحديث !؟ صرخ بعد ان فرغ صبره.
– اذا كانت الأرض إلي ط قاعدين عليها” لنا- كما تقول- .. فهذا حقهم ,ولا يحتاجون لتفويض مني , لأخذها منهم ,فلهم الحق مثلي في الميراث!
– أنت غبي ! وستبقى غبياً ! اغرب عن وجهي..! اغرب عن وجهي.! خرجت منه انفجارات هزت المكان.
فخرجت من عنده مرتاحاً .. لأني أيقنت أنه “سيطلِّقني ” ..وأرتاح منه..
ولكنكم لا تعرفون شلومو فهو لزقة .. إن ” تزوَّج ” فيكون زواجه كاثلوكياً..
ففي المساء تسلل الى بيتي .. تقدَّم أولادي ليتبينوا من الطارق على الباب, حاول أن يشتر ابتساماتهم بأوراقه المالية فرفضوها ..
ولما أحضرت أمهم الشاي ..فاجأها شلومو : ” زوجك بنا نعطيه أرض ورافض..!” .
” الله يغنينا عنها ..!” تمتمت وهربت , ولم تُرينا وجهها ..
” افهم يا غبي ..أنت لن تستلم أرض ..أنت بس بتستلم مصاري ..صفقة إلي وإلك ..!” .
” والمطلوب مني .!؟” قلت مستعجلاً الأمر , بعد أن فرغ صبري .
فتح حقيبته و أخرج ورقتين ” تُلفعان” طفلاً وقال :” المطلوب منك عدة بصماتك على هاتين الورقتين !”.
كيف عرفت – يا خواجا- أنني أمِي ُّ.. لا أقرأ ولا أكتب !؟
فصرخ بي :
يا غبي ألم أقل لك , نحن الحكومة نعرف كل شيئ ..!؟
فأجبته مفهماً له أني” صاحي ” له :
“في شيئ حكومتك ما بتعرفه , عيلة العبقري , ما تبصم إلا عند الزواج والطلاق..َ! الم تسمع عن جدنا مطلق بن سهم العبقري , الذي تزوَّج عشر وطلَّق سبع .!؟ ” .
فأخذ رجليه وأسرع مغادراً .. ولم ألتقِ به إلا في قاعة المحكمة ..!
بقلم : يوسف جمّال – عرعرة