هل الأقلام" الواعدة" واعدة؟

تاريخ النشر: 24/02/14 | 1:03

اعترف شاعر معروف في مقابلة إذاعية أنه كان قد غالى في تشجيع الأقلام الشابة. وبمعنى آخر فهو لو استقبل من أيامه ما استدبر لكانت له موازين صارمة حاسمة.

وأعترف اليوم أنني ما تهاونت وما توانيت في لقاءاتي في "الورشة الأدبية" التي أقمتها لتشجيع الأقلام الشابة، وكذلك في سواها، فكان شعاري قول أبي تمام: "فليقسُ أحيانا على من يرحم".

في أيامنا هذه نشهد ظاهرة الكتب الجديدة تغمر السوق، وبعضها قدّم له أحد أدبائنا بما "يشفع" له الولوج إلى دنيا الكلمة، وهيهات.

فإذا تصفحنا جلّها – إن لم يكن كلها – ألفيناها ركيكة لا رقيقة، متهافتة لغويًا ومنطقيًا لا تسعفها شاعرية ولا متانة:

فما هي العيوب التي تصِم شعراءنا الجدد المتعجلين؟

أولا- الأخطاء اللغوية والإملائية، ولن أستشهد هنا بأمثلة، حتى لا يكون توجهي شخصيًا. ويفتضح الأمر أكثر إذا ما دُعوا إلى منصة لإلقاء شعرهم، فهنا تكون الطامة الكبرى، وتخجل أنت على حساب الشعر، لأن الحركة الصحيحة أو الإعراب في حكم الندرة، والنحو في إجازة لا يدري أحد متى تنتهي.

ثانيا- الإغراق في التعمية والإبهام. وكنت قد دعوت بعض هذا الشعر "الشعر الأفيوني"، وقصدت ظاهرة أعتبرها زيفًا وتضليلاً قدر ما هي افتراء على الشعر والحقيقة.

وبعض هذا الشعر أَصطلحُ عليه "الشعر الدخاني"، ولعل التسمية بتأثير المثل "خير ما في منه خير ودخانه بيعمي العينين"، فهذا الشعر مؤذٍ، ولا نستطيع إزاءه إلا أن نهرب لننجو بذائقتنا ولغتنا كما ننجو من السعال والدموع.

ثمة ألوان أخرى قد أتطرق إليها -لاحقًا- مستشهدًا بنماذج… ولن أعدم الإتيان بها من عشرات الشعراء.

وتبقى مسألة التصنيف نسبية ذوقية، وللقارئ أن يقبلها أو يرفضها.

ومأساة الشعراء الجدد أنهم يتوهمون بأن أسماءهم ستتألق كلما أغربوا، فليس كل من أغرب أعجب…… و"الشاعر" من هذا الصنف لن يستطيع أن يخدع الناس كلهم طيلة الوقت.

كيف تريدوني أن أصدق شاعرًا يجعل شعره ألغازًا وأحاجي؟ وإذا استغبيت نفسك، وتابعت أقواله فإنك – لا محالة – واقع في وهدة سحيقة وهوة عميقة، وهات يا خيال يا شرود!

كيف يستطيع شاعر شاب أن يدخل محراب الشعر من غير تعرّف حقيقي إلى قومه تاريخًا وقصصًا وخرافات، وأهم الأهم اللغة والتراث الأدبي؟؟

بدأ أدونيس والخال ودرويش والسياب وعبد الصبور والقاسم وغيرهم وغيرهم بالقصيدة العمودية ومن ثم انطلقوا، فما معنى أن يبدأ بعض شبابنا قفزًا؟

ولو أجزنا لبعضهم- بسبب الحضارة الغربية ومفهومها الجديد للشعر- فما معنى ألا يتقنوا لغة أجنبية تؤهلهم للقراءة والتدبر؟

وما معنى ألا يقرأوا إلا العناوين؟

إن ما أرجوه -هنا- ألا يسرع الكاتب في التسلق على عربة الإبداع كي يمسك بالزمام، لأننا سنعاني كثيرًا في طريقة قيادته.

إنه مدعو لمراقبة من سبقه، يعتز به ولا يتخلى عنه.

أقول ذلك لأن التنكر آفة قد يلجأ إليها الكاتب الجديد حتى يظهر براعته الشخصية وقدرته، وحتى يظهر استقلاله في جو النفور المتبادل بين الأدباء. وإلا، فما معنى أن يغفل أديب شاب عند صدور روايته الجديدة عن شكر من قرأ له وصوّب؟

ثم ما معنى أن يلجأ أديب شاب آخر إلى التهجم على من رسخت قدمه؟

أسأل ذلك إجمالاً لا تخصيصًا.

إننا ننتظر الكثير من المبدعين الجدد، أن يتجاوزوا ويتخطوا، لكن بعد دراسة ودراية.

والطريق الأدبي أوله اللغة وأصولها واشتقاقاتها ومنطقها، ومن ثَم تتفرع به الطرق، فيختار الكاتب منحاه، فإما أن يسير فوق الأصول المرعية، ويحفظ التراث فيها، ومنها ينطلق انطلاقات جديدة، يبتكر قدر ما تسعفه القريحة.

وإما أن ينحو اتجاه الاستحداث- وهذا حق له- ولكن من الضروري أن يتقن لغة أجنبية – كما أشرت – تؤهله لخوض الأدب العالمي ، ولا جناح عليه إن كتب قصيدة النثر، لأن ثقافته وشموليته عندها تنعكسان في إبداعه.

وما أجدر شعراءنا الشباب أن ينتفعوا بتجارب من سبقهم. يتعرفون إليهم…و في أي فلك يسبحون، ماذا يقرأون، وكيف يقرأون؟ كيف يشاركون في قضايا الناس ويترجمون كلماتهم إلى لغة الواقع؟

وصدقوا أننا نفرح للأقلام الواعدة لأنها منا وإلينا، ولكن لتكن واعدة حقًا!!

………………………………………………………….

بتصرف من مقالتي بالعنوان نفسه، وقد نشرت في كتابي "أدبيات"- مواقف نقدبة. القدس- 1991، ص 127- 130.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة