“الخرّوبة” سرديّة الكرامة والصّمود في وجه الغياب والاقتلاع.

ديمة جمعة السّمان

تاريخ النشر: 29/06/25 | 20:57

صدرت رواية “الخروبة” للكاتب الفلسطيني الأصل رشيد عبد الرحمن النجاب عن دار الآن ناشرون وموزعون في عمّان، في طبعة أنيقة من 111 صفحة نت القطع المتوسط، صمّمت غلافها المهندسة سجود العناسوة. وتأتي هذه الرواية بوصفها سيرة غيرية لجدّ الكاتب، “رشيد” والذي يحمل الكاتب اسمه.
كتبها الحفيد بلغة روائية تجمع بين التوثيق التاريخي مغموس بخيال محبّب.. فلم يكن لديه خيارا آخر.. فهذا ما اقتضته الضرورة لشحّ التفاصيل الدقيقة.
في قلب الرواية، نقف أمام شخصيّة الجد رشيد، الإبن الذّكر الوحيد لأبويه عبد الرحمن ومِصلحة، والذي، رغم عاطفة العائلة التي كانت تتعلّق به كسندٍ وحيد، لم يختبئ ولم يهرب من التّجنيد الإجباري في زمن الدولة العثمانية. لقد استجاب للنداء دون خوف، متشبثًا بكرامته، ومؤمنًا أن الرجولة تُختبر بالمواقف لا بالعمر. ويكاد المرء يسمع في الرواية وقع خطاه وهو يغادر القرية بعزم لا يلتفت خلفه.
يتنقّل النص بين الأمكنة، بدءًا من قريته جبيا إلى بعلبك، حيث خضع للتدريب العسكري القاسي، مصوّرًا مشقة الطريق ومناخات الغربة ووطأة الوداع.
يرصد الكاتب لحظات القلق التي عاشها الوالدان والأختان، فاطمة وحمدة، فيما يرسم في المقابل شخصية الجد وقد بدأ يُلفت أنظار المدربين الأتراك بذكائه وانضباطه، حتى أصبح مدرّبًا في صفوف المجندين.
لم تكن الرواية تسجيلًا لرحلة جسد فقط، بل لرحلة روح؛ لحكاية الشاب الذي أصبح رجلًا بين لهيب التدريب، ثم عاد بعد عامين إلى قريته، وقد أنهكته الغربة.
وما أن وصل حتّى تلقّى خبر وفاة والده فأثقل قلبَه الفقدُ.. ولكن حين التقت عيناه بعيني والدته، اختصر الموقف بكلمات ترتعش فيها الرّجولة والحنان: “أما ما بعد ذلك يا أمّي، فبداية عهد جديد”.
أبدع الكاتب بأسلوب “السهل الممتنع”، إذ منح القارىء نصًّا عذبًا مُحكمًا لا تكلّف فيه، مُشبعًا بمفردات البيئة، دقيقًا في رصد القرى والمدن، مما يكشف عن جهد بحثي جدير بالثّناء.
الرّواية، وإن تفتقر لبعض التّفاصيل الصّغيرة، تعوّض ذلك بخيال روائي رصين، يحوّل النّقص إلى فسحة للتّأمّل.
“الخرّوبة” عنوان له دلالاته.. إذ إنها شجرة تقاوم الجفاف، تمامًا كما تقاوم الذاكرة نداء النسيان.
هذه الرواية إضافة ثمينة إلى الأدب الفلسطيني والعربي، وهي بلا شك تستحق أن يُكتب لها جزء ثانٍ، كما يُكتب للرجال أمثال الجد رشيد أن يكونوا حاضرين في الوجدان، مهما مضى الزمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة