قِصصٌ منَ السجْن

ترجمة ب. حسيب شحادة جامعة هلسنكي

تاريخ النشر: 16/06/25 | 8:22

بقلم الكاهن عزمي ابن الكاهن الأكبر، ناجي خضر الحَفتاوي 1936–2021
Stories from Prison
by the Priest ˓Azmī, Son of the High Priest, Nāğī Khaḍir al-Ḥaftāwī, 1936-2021

בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון 2021, כרך ב’ עמ’ 572-570.

أخي عاطف، يَنبوعُ القِصص

دائمًا، كنتُ معْجَبًا بموهبة أخي عاطف الهائلة، نائب رئيس الكهنة الآن، في سرد القصص، التي سمعتُ بعضَها من والدي، الكاهن الأكبر، ناجي خضر، رحمه الله. لقد أصاب كبِدَ الحقيقة، عندما قال لك ذات مرّة، إنّه بإمكانه سرد مئات القصص، الواحدة تلوَ الأخرى، وكلّ واحدة مختلفة عن الأُخرى. أخي عاطف، كان حقًّا موهوبًا جدًّا في هذا المجال، ناهيك عن خصائصه الإيجابيّة الجمّة الأُخرى.
أجِدُني أستمع أحيانًا لقصّة من القصص، للمرّة التي لا أحدَ يعرف عددها، وفجأةً، أُدرك أنّي أتحمّس لما تسمع أذناي، لا أقلّ من مستمعين آخرين للمرّة الأولى. أظنّ أنّ موهبة كهذه هي عطيّة من الخالق، وإذا كان فيها ما يسُرّ المخلوقاتِ أو يُعزّي قلوبَ من فقدوا عزيزًا لهم، فما أحسن من ذلك؟
لذلك، بالرغم من أنّني لستُ من مُسنّي الطائفة، فأنا في العَقْد السادس من عمري، أسمح لنفسي أن أعود بعيدًا في السنين إلى الوراء، ليس لإحدى القِصص التي قصّها أخي عاطف، الذي أحترمه كثيرًا، بل لأسرد قصّة عنه. قصة أو حدَث جرى له، وموضوعه يحوم حول تلك الموهبة ذاتها، التي بورك بها أخي، أي إجادة سرد القصص. هذه الموهبة قد أنقذته من مصيبة كبيرة، وعن ذلك أقصّ لكم.

إنتاج مشروباتٍ روحيّة غيرُ قانونيّ

دخل شقيقي مؤخرًا عَقْده الثامن، وبالرغم من فارق العمر الكبير بيننا، أستطيع أن أسرُد حادثًا وقع أمامي ذات سنة، حيث كان معظمُ دخْلِ أبناء الطائفة الفقيرة من بيع العرَق، ذلك المشروب المسْكر بيتيّ الصنع، للمسيحيّين والمسلمين.
من المعروف، أن شُرب المشروبات الروحيّة ممنوع بحسب الدين الإسلاميّ، وكلّ من يُضبَط في تناولها أو في بيعها فسيلقى عقابًا شديدا. على الرغم من الحظر الشديد، إلا أن العديد من المسلمين (في الأصل: بني دين محمّد) لم يُعْرِضوا عن المشروبات الروحيّة، بل اتّخذوا كلّ الوسائل للحصول عليها. جاء الخلاص للسامريّين في نابلس لتلبية احتياجاتهم، على الرغم من أنّهم رسميًّا أنتجوا عرقًا لسوق الحرس البريطانيّ الصغير، الذي كان آنذاك في نابلس، وقبل ذلك تمتّع به الجنود الأتراك أيضًا. بطريقة غير رسميّة، غضّ المسؤولون عن القانون الطرفَ، إذا كانوا مسلمين، بشرط عدم ارتكاب المخالفة علانيةً، وهكذا استفاد الطرفان.
إلّا أنّه، لا أحدَ في العالَم يحسُب كلَّ خطوة يخطوها، وعليه ذاتَ يوم حلّت المصيبة بأخي، الذي عمِل كالآخرين بإنتاج مركّز للعرق لكلّ طالب عرضيّ. لسبب ما، سَها أخي عن الوُشاة في كلّ مناسبة ضد أبناء الطائفة والفرحين ببليّتهم. إنّه لم يتّخذ الاحتياطاتِ الأساسيّةَ المطلوبة من العاملين في إنتاج غير قانونيّ للخمور.

حمل أخي زجاجتَي عرَق، طلبهما أحد وُجهاء نابلس، وسار في طريقه لإيصالهما له، ولكن بدل أن يُخفيهما تحت معطفه، حملهما سهوًا علنًا. رآه أحد الوُشاة، فأبلغ السلطاتِ عنه على الفور. توجّه شرطيّ إلى أخي واعتقله حالًا للتحقيق المطوّل، وفي تلك الأثناء أسرعنا في إخفاء كلّ زجاجات العَرَق وحاويات التقطير؛ ثم اُستدعي أخي عاطف إلى المحكمة. وقف أخي بعد بضعة أيّام قدّامَ القاضي، بعد أن استشار جيّدًا محاميًا من عائلة علول النابلسيّة حول كيفيّة الردّ على أسئلة القاضي المحتملة .

سبعةُ أيّام سِجن بدلًا من سنتيْن

تلا القاضي على أخي لائحة الاتّهام، وفيها يتّهم المدّعي أخي بارتكاب مخالفة خطيرة، إنتاج مشروبات روحيّة، ويطلب من القاضي بأن يحكُم عليه بأقصى عقوبة يحدّدها القانون – السجن لمدة عامين . اِكتأب أخي إلّا أنّ قلبَه كان قويًّا بما فيه الكفاية ليردَّ على استجوابات القاضي.
القاضي: يا كاهن، هل تعترف بالتهمة، حمْل زُجاجتي عرَق بيديك لبيعهما لأحد المسلمين، وبهذا تدفعه لعدم أداء إحدى فرائض دينه الأساسيّة.
عاطف: إنّي أعترف بالحقيقة ولكن ليس بالتهمة.
القاضي: وكيف ذلك؟
عاطف: حقًّا، حملت بيديّ زجاجتي عَرَق لاستخدامي الشخصيّ وليس للبيع للمسلمين.
القاضي: إذا كان ذلك لاستخدامك الشخصيّ، فكيف تفسّر وجودَك بعيدًا عن منزلك والزجاجتان بيديك؟
عاطف: ليسمح لي حضرة القاضي أن أطرح حُجَجي. حتّى سنوات قليلة خلتْ، كنت مدخنَ سجائر شرِها. كنت آخذُ معي عُلبة سجائر كبيرة لكلّ مكان ذهبت إليه، وكنت أدخّنها الواحدة تلوَ أختها. بعد ذلك أدركت أنّ التدخين مضرٌّ بي. توقّفت عن التدخين، ومنذ ذلك الحين تحسّنت صحّتي.
هكذا كان بالنسبة لزجاجتَي العَرَق، شهِد شقيقي عاطف أمامَ القاضي – نعم، كانت بيدي زجاجتان لأنّني منذ بضعة أيّام أحببتُ الخمرة، فكنت أحمل العرق معي لكل مكان ذهبت إليه. وبينما كنت أرتشف من الزجاجة الأولى، شعرت بآلام شديدة في صدْري ، وعزَوْتُها على الفور إلى الشرب المفرط. قرّرتُ في اللحظة ذاتها الإقلاعَ عن احتساء المشروبات الروحيّة. وحضرة القاضي يرى، بأنّ صحّتي قد تحسّنت من ذلك الوقت. ما العمل، في اللحظة التي أخرجت الزجاجتين لسدّهما اتّفق أن رآني أحد أعدائي وبلّغ (فسد عليّ) الشرطة!
قهقه القاضي عند سماعه شرحَ أخي عاطف، وبالرغم من صراخ المدّعي، حكم القاضي على أخي بالحبس سبعة أيّام في السجن المحلّيّ. وفي طريقه لزِنزانة الاعتقال العامّ، لاحظ شقيقي أنّ في الزِّنزانة المجاورة موجود لوحده أحد معارفه العرب النابلسيّن، فطلب أن يوضع هناك. رفض رجال الشرطة، والخوف يشِعُّ من عيونهم، وحذّروا أخي بأنّ الرجل في الزنزانة المعزولة، هو سجين خطير، محكوم عليه بالشنق لقتله بالسكّين خمسة من أبناء القرية طلّوزة، بسبب شِجار على الأرض. هدّأ أخي عاطف السجّانين قائلًا، إنّه لا يخشى منه أيّ سوء. استجاب السجّانون وأسكنوه مع القاتل.

ليلةُ قِصصٍ نهايتُها سجْن

في الصباح، فوجئ السجّانون بأنّ أخي لا يزال على قيد الحياة. وقد دُهشوا أكثر عندما رأوا أنّ القاتل فرِح مرِح، بعد أن كان مضربًا عن الطعام لعدّة أيّام. ضحِك القاتل قُبالةَ السجّانين المندهشين وقال: لماذا لم تجلِبوا الكاهن عاطف إلى هنا قبل أسبوع. لقد قصّ عليّ طَوالَ الليلة قِصصا، وكل قصّة أكثر تشويقًا من سابقتها. لم أهنأ بمثل هذه الليلة الممتعة قطُّ.
اُستدعي مديرُ السجن من بيته عبرَ مكبِّر الصوت، ليمتّع ناظريه برؤية قاتل سعيد، وكاهن سامريّ بسّام. أعطى

مدير السجن أمرًا بتسريح شقيقي من الزِّنزانة وقال له: إن أفلحتَ بقصّتك أن تسترعي كلّ انتباه قاتلٍ خطيرٍ لهذا الحدّ، وتجعله يوقف الإضراب، فأنت تستحقّ الحريّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة