بلاء ليس يشبهه بلاء

تاريخ النشر: 13/02/17 | 0:08

من القائل :
بلاءٌ ليس يشبِهُه بلاءُ *** عداوةُ غيرِ ذي حسَبٍ ودينِ
يُبيحك منه عِرضًا لم يصُنْه … ويرتعُ منك في عِرض مصون

هذان البيتان قالهما علي بن الجَهْم (ت. 863م) في مروان الأصغر، وهو حفيد الشاعر المعروف مروان بن أبي حفصة، وذلك بعدما قال فيه:
لعمرُك ما الجهم بن بدْرٍ بشاعر *** وهذا عليٌ بعده يدَّعي الشعرا
ولكنْ أبي قد كان جارًا لأمه *** فلما ادّعى الأشعارَ أوهمني أمرا
المتوكل يوقع بين الشاعرين:
كان علي بن الجهم يقع في مروان بن أبي الجنوب (مروان الأصغر، وكنيته أبو السِّمْط)، وكان يثلبه، حسدًا له على قبوله ومنزلته عند المتوكل.
فقال له المتوكل يومًا:
أيكما أشعر يا علي؟ وأراد أن يغري بينهما.
فقال علي: أنا أشعر منه.
فقال: ما تقول يا مروان؟
– كلُّ أحدٍ أشعر مني، وإذا رضِيني أمير المؤمنين فما أبالي من زيَّفني.
فقال المتوكل: هذا عدول عن الجواب، قد زعم أنه أشعر منك؛ فإن كان صادقًا قدّمناه عليك، وإلا فبرهن عن نفسك!
فقال مروان: يا علي، أأنت أشعر مني؟
قال: أو تشك في ذلك؟
قال: أشكّ وأشكّ! فالناس يعلمون صدقي، وأمير المؤمنين بيننا.
قال علي: إنه يحابيك.
فقال المتوكل: هذا عِيّ منك يا علي.
ثم التفت الخليفة إلى ابن حمْدون، وقال له: اقض بينهما.
قال: طرحتني بين لَحْيَي أسدين!
فقال المتوكل: قد أبحت كلاً منكما هجاء صاحبه، فليبيَِـنْ عن نفسه!
فقال علي: إنه قد كظَّني النبيذ، فما أقدر على قول الشعر حتى أُفيق.
فقال مروان: لكنني أقدر يا أمير المؤمنين،
قال: قل وعجِّل!
قال:
إن ابنَ جهمٍ في المغيب يَعيبني *** ويقول لي حُسْنًا إذا لاقاني
ويكون حين أغيبُ عنه شاعرًا *** ويضلُّ عنه الشعرُ حين يراني
وإذا خلَونا “باك” شعري شعره *** ونزا على شيطانه شيطاني
صغُرت مهابته وعُظِّم بطنه *** فكأنما في بطنه ولدان
إن ابن جهم ليس يرحمُ أمَّه *** لو كان يرحمها لما عاداني
..

ضحك المتوكل والندامى، وانخزل ابن الجهم (انقطع في كلامه).
فقال ابن الجهم: لعمري إن هذا الشعر يشبه قائله.
فقال مروان: صدقت، إنه لهزْل، ولكنني أجدّ بك، ثم قال:

لّعمْرُكَ ما جهم بن بدر بشاعر *** وهذا عليٌّ نجلُه يدّعي الشعرا
ولكنْ أبي قد كان جارًا لأمّه *** فلما ادّعى الأشعار أوهمني أمرا

ففضحه في ذلك المجلس. ولم يُـحـِرْ علي جوابًا، إلا أنه قال بعد ذلك بيتين يعني مروان بهما، وهما البيتان المشهوران:
بلاءٌ ليس يشبهه بلاء *** عداوةُ غير ذي حسب ودين
يُبيحك منه عِرضًا لم يصنه *** ويرتع منك في عِرض مصون
بتصرف من: الأغاني ج 12، ص 102 (دار الفكر- مادة مروان الأصغر)،
بدائع البدائه لابن ظافر الأزدي، ص 158.

ملاحظة:
في قول مروان:
ولكن أبي قد كان جارًا لأمه *** فلما ادعى الأشعار أوهمني أمرا
فإن هذا المعنى مأخوذ من قول كُثَـيِّر عَزَّة، وقد أنشد الفرزدق شعرًا له فاستحسنه، فقال له: يا أبا صخر، هل كانت أمك ترد البصرة؟
فقال كُثَيِّر: لا، ولكن أبي كثيرًا ما كان يردها.
انظر: ذيل الأمالي لأبي علي القالي، ص 118- 119.

ب.فاروق مواسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة