أحمد فؤاد نجم شاعر الشعب الأصيل!

تاريخ النشر: 08/12/13 | 7:29

لن أتطرّق لسيرة الشاعر، فهي متوفّرة في أكثر من موقع في الشبكة العنكبوتيّة وفي المراجع الورقيّة، وقد كتبها باحثون ونقّاد في الأدب والشعر العاميّ/الشعبيّ، ولكنّي سأسجّل انطباعاتي الذاتيّة في أعقاب استعراض كتاب "الأعمال الكاملة"* لأحمد فؤاد نجم وقراءة العديد من القصائد الواردة فيه.

موقف أحمد فؤاد من الشعر والعاميّة:

يبدو أنّ موهبة أحمد نجم الفطريّة تعزّزت بحبّه للشعر، وهو يؤكّد ذلك في مقدّمة كتابه فيقول إنّه وقع في شِباك الشعر: "من أوّل نظرة، ومن يومها وهو – (أي الشعر) – مشحتفني ومجرجرني وراه في المحاكم والسجون لحدّ ما حفيّت رجليّا وتعبت أحلى تعب، وأنا برضه ماشي وراه" – (الأعمال الكاملة، ص 7).

وهو يرى بأنّ "الشعر.. حريّة"، وعنده حرية الشعر ليست التحرّر من القافية، بل تعني: "الشعر الحرّ هو اللي بيطلع م القلب عدل، أو يوصل للقلب عدل" – (م. ن ص9).

ومن الجائز أنّ اختيار أحمد نجم الكتابة بالعاميّة المصريّة ينبع من إيمانه بهذه الحرية؛ أن يصدر الكلام بعفويّة من القلب، ليصل بيسر لقلوب الجماهير عامّة،

إنّه يستخدم العاميّة لأنّه "يعتبر العاميّة المصريّة أكبر من أن تكون لهجة، بل هي روحٌ، وهي أهمّ إنجازٍ حضاريّ للشعب المصريّ". – (مادة من الانترنت).

وأحمد نجم يرفض أن يتقوقع الشاعر في برجٍ عاجيّ، وأن يخاطب طبقة الخاصّة، بل يرى أنّ عليه أن يتوجّه لعامّة الشعب، ويتطرق لمعاناة هذا الشعب وآلامه، وطموحاته وآماله، دون أن يخشى بطش الحاكم الظالم، أو يتملّقه طمعًا بمكسب أو جاه. والشعب عند شاعرنا هوّ الحيّ الباقي، وحسُّ هذا الشعب يسبقُ أيَّ فكر وأيَّ صوت.

يقول أحمد نجم: "..الشعر ربّاني وعلّمَني لا أبلعُ لساني، ولا أجزّ على سْناني، ولا أدهن الكلام ألوان، ولا أقول للقِرد .. يا قمر الزمان!" – (الأعمال الكاملة، ص8).

إذن شاعرنا يعتبر الشعر رسالة خير وإصلاح، لا وسيلة للكسب والظهور، وها هو في قصيدة "حَ نغنّي" يقول:

حَ نغنّي ودايما

حَ نغنّي

ونبشّر بالخير ونمنّي

ونلف الدنيا الدوّاره

على صوت النغمة الهدّاره

ومعانا المشرط والبلسم

في الكلمة الصاحية النّواره

…….

ويتابع فيقول:

ما نبِعش الكلمة بميت فضّه" – (م. ن. ص 22).

أبرز موضوعات شعر أحمد نجم:

إنّ نشأة الشاعر في ظروف ماديّة صعبة، ووفاة والده وهو لا يزال غضًّا صغيراً، وانتقاله لبيت خاله أوّلا ثمّ التحاقه بملجأ للأيتام ثانيًّا حتّى بلوغه عامه السابع عشر،

كذلك تنقله في الأعمال البسيطة والصعبة ثالثًا، كرعاية البهائم، والعمل في معسكرات الجيش البريطانيّ، أو العمل في السكك الحديديّة، وغير ذلك من الأعمال

المضنية، واحتكاكه بطبقة العمّال البسطاء الكادحين وما يلاقونه من ظلم واستغلال،

واكتشاف الفروق الطبقيّة الشاسعة..، هذه الأوضاع فجّرت الغضب العارم في نفس أحمد نجم على الاحتلال وعلى السلطة المستبدّة، وعلى المسؤولين الانتهازيين، وتجسّد هذا الغضب في قصائد ملتهبة تظهر حبّه العارم للوطن مصر، وتمجيده للشعب الذي حتمًا سينهض من الرماد ليحقّق الانتصار!

ويتجلّى حبُّه لمصر ولنيلها الخالد، ولشعبها الأبيّ في العديد من قصائده.

لنسمعه يهتف بملء فيه في قصيدة "باحبِك" التي يخاطب فيها مصر:

باحبك باحبك

باحبك باحبك

باحبك باحبك باحبك

يا مصر

مسايا وصباحي" – (م. ن. ص 112).

وفي قصيدة أخرى بعنوان "الربيع" يقول:

باحبك يا بلدي

……..

يا مصر انتي جنّه

ربيعك فتنّا

مشاتل مشاتل

سنابل وحنّه" – (م. ن. ص576 – 577).

أمّا حبُّه للشعب، وإيمانُه بانتصاره على الظلم والاستبداد فيظهر في أكثر من موضع،

يقول في قصيدة "دعا الكروان":

" – "يا شعب"

يا نبض الوجود

الحُكم لك

والمُلك لك. المُلك لك. المُلك لك

………

"يا شعب"

يا روح الخلود

ما انبلك

الحُكم لك

والمُلك لك والملك لك

المُلك لك" – (م. ن. ص175 – 177).

وأحمد نجم يناشد العرب – بعد توقيع اتفاقيات كِمب ديفيد – أن لا يقاطعوا مصر أو يعادوها، فهي الأمّ الحاضنة لهم، ولن تتخلّى عن دورها التاريخيّ، فيخاطبهم بحرارة في قصيدة "يا عرب":

"يا عرب

اسمعوا صوت شعب مصر

احفظوا لمصر المكان

واحنا ع العهد اللي كان

مصر أوفى م الزمان

وانتوا عرفين شعب مصر

يا عرب" – (م. ن. ص 197).

وفي قصيدة "الفرحة" يعبّر عن فرحة المصريين، في جميع فئاتهم، لتمسكهم بالمبادئ، وثباتهم وتضحيتهم، فيقول:

"فرحانين

احنا ملح الأرض

وتراب العجين" – (م. ن. ص 218).

ولكن، في دعوته للوحدة والنضال والتضحية من أجل نيل الحقوق لا يتنكّر للسلام، فنراه في قصيدة "سلام للأرض" يدعو للسلام المنشود:

"سلام يحمي الحياه

وصنّاع الحياه

……..

سلام يطرح أماني

ويزوَّق الأغاني

ويروَّق الأناني

ويسقي العطشانين

للعدل والسلام

سلام سلام سلام" – (م. ن. ص 31 – 33)

كلمة ختام:

كانت قصائد أحمد نجم سوطًا يجلد به الحكّام المستبدّين، وجمرًا حارقًا للمارقين المتخاذلين، ومنارةً تضيء درب الكادحين، ولا عجب أن تضاربت الآراء حول شعره؛ فالحكّام المستبدون أغاظهم شعره، فاعتقلوا صاحبه وعذّبوه وسجنوه، وقد نعته أنور السادات ب: "الشاعر البذيء!"، بينما تغنّى الأحرار والكادحون بقصائده، واعتبروه شاعر الثورة والحريّة، فلا عجب أن قال عنه الشاعر الفرنسيّ لويس أراغون:

" إنّ في شعره قوّةً تُسقطُ الاسوار"،

وأطلق عليه الباحث الناقد د. علي الراعي لقب:

"الشاعر البندقيّة".

إنّ حياة أحمد فؤاد نجم التي امتدّت على أربعةٍ وثمانين عامًا (1929 – 2013) كانت حياة عريضة بأشعاره الملتزمة المناضلة المغنّاة، وسيظلّ صوتُه عاليًا مجلجلا يملأ الأجواء بعبق الحريّة والكرامة والإباء!

·انظر: أحمد فؤاد نجم – الأعمال الكاملة. دار الأحمدي للنشر. ط1، القاهرة 1998.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة