عشقٌ في بقجة رحيل

تاريخ النشر: 06/09/16 | 8:06

إنّه الشّتاء..
القمر واضح في تحدٍّ جليّ والأغوار يزخرها التيه، صامتة بزهوٍ بين كتل السّحب. القمر والأغوار والليل وبعض رجاء في السّلوان، السّحبُ تتألّبُ ضدّي، تختبرُ عليّ كلَّ أشكال الغواية فأسقطُ ضحيّة الاستهواء وفي لحظة أُقرّر.. الرّحيل.
ماذا لو أفرُّ إلى الشتاء؟ ماذا لو أفرُّ منكِ إلى الشّتاء؟ لنْ يحررني مِنْ أسرِ حُبَّكِ سوى الشتاء.. مَنْ غيره يحرر السماء السُّحب مِنْ كآبةّ الصَّيف وإكفهرار الخريف؟
قرّرتُ أنْ لا أُفكِّرَ فيكِ، سأختبئ في الأغوار منكِ، أخمدُ في سهولها نارَ الاشتياق وسعيرَ العَوَز. سأرحلُ إلى بلدٍ آخر، إلى الضَّجيج والدّفء.. أختبرُ ضوضاءَ الأماكن والشّوارع.. أندثرُ في تلكؤ الدّقائقِ وتثاؤب الزّمن.
نظامُ المنْفذ..
رتلٌ من النّاس على المعبرِ.
نظرتُ إلى الوجوه كمنْ ينظرُ في صورةٍ قديمة مُلوّنة بلونٍ باهت.
ترى مَنْ منكم مثلي فارٌّ إلى الشتاء؟
لمْ أعبّئ الورقةَ بالعجلةِ المُعتادة، تردّدتُ عند خانةِ وافد مِنْ / مارٌّ إلى.. اقتربتُ لكيْ أسألَ الشّابّ الوسيم التي كان يجلسُ بحدّي على المقعدِ المكسّر ثمّ انتبهتُ لغُموضِ السُّؤال.
افتررتُ في كرْب. وافدٌ منكِ، مارٌّ.. إليكِ.
الشُّرطي كانَ ينظرُ في تعابير مُحياي.. تراه سيشاهدكِ تسبحين في عينيّه أو تتأرجحين بين بؤبؤ عينيّه؟
ماذا في الأمتعة، أيّتها المرأة؟
آه.. في بقجتي رجلٌ من عشقٍ .. فرضتْ مُقلتاه على فؤادي بالأسرِ إلى الأبد.. وعدتني شفتاه بالانصهارِ وخيرُه رمى جسَدي بسحرِ الحديثِ فوقعَ قلبي مُغمياً عليه.
ثيابٌ وكُتب وملابس قديمة.. أيّها الشُّرطي.
آخ أيّها الشرطي.. في بقجتي رجلٌ أعترفُ فيه عشقا فيبالغُ ابتعادا.. اليوم قرّرتُ أنْ أرحلَ عنه.. سأضعُه داخل البقجة وأرمي به إلى الأغوار.. سوف أختبئ في الشجيرات، لأخرجَ منها متجرّداً من ذكرياتي معها.. مُتجرّدا مِنْ ألمِ عشقه.
خلّيني أعبرُ وأعدُكَ حين أؤوبُ لنْ تكون بقجتي ثقيلة.. ولا ذاكرتي
وكانَ أنْ ضعت في الشّتاء.
جرّبتُ التّيه في شوارع مُدنٍ لا تغفو.. امتهنتُ التّشرُّد في أغوار بلا ملابسٍ. متجردُ الوجع جلستُ ليلاً في بارٍ حديثٍ.. سامرتُ خيالي، غنيتُ بموشحٍ.. طلبتُ تمرا رخيصاً، ركّبتُ فوق سحنتي ملامح الحيرة والتّطفل لامرأة أتتْ المكان لأول مرة..
وماذا بعد؟
هل حقا رحلتُ ؟ هل تركتُ مكاني هناك حيثُ كنّا نتواعد.. حيثُ حديثنا وشجارنا وطيشنا.. وبكائي مراتٍ ومراتٍ بين يديكِ؟
روتين الدُّخول..
ذات الرَّتل من النّاسِ، نفسُ الهيئات والأشياء.. ربّما السّحنات مُختلفة..لا أعرف.
تساءلتُ لماذا هذه الحدود على هذا الجسر وعلى هذا المعبر؟ وما فائدةُ الفحص والأسئلة، ولا أحد تمكّن أنْ يكتشفَ أنّني أدخلكِ خفيةً مثل اتّهام أنّي قصدتُ.. ما معنى الحدود والمعابر وروحي تحملكَ في المعابرِ والمرافئ والمناطق دون وثيقةِ مرورٍ..
جلستُ أنتظرُ دوري.. نعستُ، صرخَ الشُّرطيّ أمسكوا تلك المرأة.. ضبطناها مُرتكبةً بالعشق وتشيلُ في البقجة عشقاً ممنوعاً..

عطا الله شاهين

12-3-620x410

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة