من سيرتي الذاتية:مع مفتش المعارف- أحمد إدريس

تاريخ النشر: 25/04/16 | 14:05

الأستاذ أحمد عبد العزيز إدريس (أبو مروان) كان معلمًا للغة العربية وللدين، حافظًا للشعر، يقرضه آنًا، ويناقش فيه كثيرًا.
عُرف عن المفتش- عاشق اللغة أنه كان يتحمس في دروس العربية، وكثيرًا ما كان يطلب من المعلم الذي يحضر درسه أن يكمل هو الدرس، فيصول ويجول.
أشهد أنه كانت له يد في بدايات عملي معلمًا، لكني لم أكن أعرفه حق المعرفة، ولم أكن أناقشه بحُرية إلا بعد هذه القصة:
في نَيسان 1967 حضر إلى المدرسة التي كنت أعلّم فيها في بلدتي باقة.
في الاستراحة دخل إلى غرفة المعلمين، وبعد السلام والاحترام حدثنا عن زيارته لمعلم ما في مدرسة ما، وأنه أنشد فيه شعرًا، وسألنا مداعبًا إن كنا نستطيع شرح البيتين، وقرأ:
لك تدريسٌ ولكنْ *** عَينُ تدريسك لامُ
أجرُك المقبوضُ قل لي *** أحلالٌ أم حرامُ؟
لم يجب أحد، فقلت في نفسي:
البيت الثاني يدل على عدم رضاه من المعلم، فالمعلم الناجح لا يُسأل هذا السؤال.
إذن لأحاول تفكيك البيت الأول، فهدتني عين الكلمة ولامها في الميزان الصرفي إلى الحل.
قلت الجذر (درس) عينه الراء، فإذا جعلناها لامًا أصبح (دلس)، وبالتالي له تدليس، لا تدريس، فهو يدلّس أي يخادع، لذا فالسؤال شرعي، وأجره حرام ثم حرام.
صافحني المفتش راضيًا ومُطْريًا، ومن يومها كنا نلتقي عندما يحضر إلى المدرسة، وكنا نتجاذب أطراف الأدب.
قلت في الرد على سؤاله في البيتين أعلاه أبياتًا ظلت في أوراقي، وها أنا أقتبسها هنا، وأنشرها:
أبا مروانَ كم أبديتَ ودّا *** فقلّدنا من الأشعار عِقدا
فمثلك يُرتجى في كل نادٍ *** ومن يطلبْ نداك فقد تحدّى
أرى التدريس تدليسًا مقيتًا *** حرام أجره من جاء إدّا
فشدّد يا رفيعَ الجاه حرصًا *** على التعليم إذ جوزيتَ حمدا
وشدّد يا أصيلَ الحرف شدًا *** فذا التدريس في دَرَك تردّى
وأخشابٌ مسنّدة تسمى *** أساتذةً وفي الإملاء تُكدى
أنا صوت لكم وكذاك أبقى *** منيعًا واقفًا للمجد نِدّا
عقّب أبو مروان قائلاً:
هذا هو الشعر فامضِ، أدعوك أن تمضي على صياغة الشعر القديم، وألا تكتب على التفعيلة فهذا ينعدم فيه السبك الرصين، ففي القديم موطن القوة.
كنت أناقشه، وأقرأ له من شعر نزار الذي يحبه، وأنه يكتب على التفعيلة، ولكنه ظل على موقفه، ولم يحِدْ عنه.
قلت لكم إن أبا مروان كان شاعرًا، ولكنه لم ينشر، فقد بقي شعره في أوراقه،
فمن شعره أيام الحكم العسكري والتصاريح:
متى اسيرُ بلا تصريحَ أحمله *** متى أجول بلا منع ولا حُجُبِ
متى أزور ديار العرب في دَعة – وفي سرور أرى فيها أخي العربي
أصدر الأستاذ أحمد إدريس كتاب (المُجتنَى في أدب العرب وتاريخهم) سنة 1967 بالاشتراك مع البروفيسور كيستر، ثم أصدر مختارات شعرية اختارها بذوقه- (خيوط الذهب من أدب العرب) سنة 1989.
أخيرًا سرني أن مدينته الطيبة- طيبة بني صعب- أطلقت اسمه على شارع من شوارعها، وهذا من معاني الوفاء لشخصياتنا.

ب.فاروق مواسي

faroq

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم استاذي المخضرم ….حبيت اسألك عن رواية انت في عيوني للكاتبه رنا سماره…ان كانت لديك مراجع حتى استطيع ان احللها
    حتى اتم البحث الرجاء …ان توفر مصادر ان تذكرها ..تكتبها لي هنا في صفحة التعليق اشكرك مسبقا

  2. تحياتي!
    هذه الرواية ليست في مكتبتي ولم أقرأها وأنا عامة غير مختص بالرواية, يمكنك التوجه للبروفيسور محمود غنايم.
    أدعو لك بالتوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة