الفوضى التي تصنعنا: كيف تُهندس الصدمات ملامح أرواحنا
بقلم: رانية مرجية
تاريخ النشر: 29/06/25 | 19:22
الصفعات التي لا تقتلنا، تُعيد ترتيبنا من الداخل
ليست الحياة نزهة في حديقة ورد، وليست كل الطرق معبّدة بالحبور. الحياة – كما نعرفها نحن الذين اكتوينا بنار التجربة – سلسلة من الصدمات والخيبات، صفعات تتوالى على الوجه والقلب والروح، بعضها يأتي بغتةً وبعضها نتوقّعه دون أن ننجو من ألمه.
ولكن، هل فكّرنا يومًا أن هذه الصفعات ليست نهاية، بل بداية جديدة؟
هل تأمّلنا كيف نخرج منها – رغم الدموع – أقوى، أصدق، وأوضح رؤيةً من ذي قبل؟
إن الصدمة، حين تضربنا، تكشف لنا هشاشتنا. نعم، تعرّينا تمامًا، لكن في هذا التعري، ولادة أخرى. نحن لا ننهار كما نظن، بل نتفكّك لنُعاد تشكيلنا بشكلٍ أكثر صلابة. نحن لا نخسر فقط، بل نتعلم كيف لا نخسر مجددًا. لا نكفّ عن الحب، بل نعرف من يستحقه ومن لا.
في كل خيبة، درس موجِع عن الثقة، عن حدود التنازلات، عن الحُب الذي قدّمناه لمن لا يستحق، عن الأحلام التي علّقناها على حبال أوهى من خيط العنكبوت. ولكننا، برغم الألم، ننهض. ليس كما كنا، بل كما يجب أن نكون: أكثر حكمة، أكثر اتزانًا، وربما أقل وهْمًا، لكن بالتأكيد أكثر قربًا من حقيقتنا.
إن الصفعات تُربّينا. تعلمنا أن لا نُبذر عواطفنا في كل الاتجاهات، أن لا نركض وراء السراب، أن لا نعطي قلوبنا مجانًا. تعلمنا أن نُحب أنفسنا أولًا، أن نُرمم أرواحنا دون أن ننتظر من يُنقذنا.
وفي كل مرة نُصفع، نكتشف أن قوتنا ليست في تجنّب الألم، بل في المرور منه بكرامة. في تحويل الضعف المؤقت إلى يقظة دائمة. في فهم أن النضج لا يُهدى، بل يُكتسب… وكل صدمة هي درس في هذا النضج.
أعرف أن الطريق صعب. أعرف كم من مرة بكيتي وحدكِ، أو استندتَ إلى جدارٍ لتُخفي انكسارك. أعرف مرارة أن تخذلك أقرب الناس، أن تُطعن من يدٍ كنتَ تظنها أمانك، أن تتساقط أحلامك كما تتساقط أوراق الخريف. ولكن، صدقني وصدقيني، هذه اللحظات القاسية هي ما ستصنع منكم إنسانًا جديدًا، لا أقسى، بل أصدق.
الصدمات لا تجعلنا حُطامًا… بل تُعطينا فرصة لنبني أنفسنا من جديد – هذه المرة، على أسس أكثر صلابة، على محبة لا تنهار، على قناعة أن ما مضى لا يُساوي ما سيأتي.
فدعوا الصفعة تعلمكم، ولا تدعوها تكسر قلوبكم. دعوا الخيبة تهذب مشاعركم، لا تميت إنسانيتكم. دعوا الصدمة توقظكم، لا تدفنكم.
لأننا حين نخرج من جُرحٍ عميق، نخرج أكثر إشراقًا، نخرج ممهورين بختم “نجونا”،
وهذا وحده، أعظم انتصار.