الهجرة التي نحتاجها اليوم… هجرة من التيه إلى الوعي

فخري هوّاش

تاريخ النشر: 26/06/25 | 9:02

مع كل ذكرى هجرة، تعود الذاكرة إلى أولئك الذين تركوا ديارهم طلباً للأمن لعقيدتهم وأمانا لدينهم. هجرة لا هجرًا لأوطانهم هجرة ذهاب إلى إياب تماماً كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام حين ضاقت بهم أرض مكة. لكن الهجرة التي نحتاجها اليوم ليست عبوراً جغرافياً، إلا هجرة موصلة الينا بالعبر هجرة إلى قفزة وجودية وفكرية من حالٍ إلى حال.

لقد أصبحنا، للأسف، كمن تاه في صحراء بلا زاد ولا دليل. تأكلنا خلافاتنا، وتنهشنا الذئاب من كل صوب، نأكل لحم بعضنا البعض، لا نملك عصا موسى ولا عزيمة محمدﷺ.
غابت عنّا البوصلة، فصرنا نرتطم ببعضنا في جاهلية جديدة، أشد من تلك التي جاء الإسلام ليقوّم اعوجاجها.

صرنا ندفن قيمنا بأيدينا. نُشرعن التفاهات بإسم العادات، ونغتصب حقوق الآخرين تحت ذريعة “الخاوة” والحماية، ونلوّث أسماء الشرف بقيم دخيلة لا تمت للشرف بصلة.

ألسنتنا صامتة عن الحق، وشبابنا يتيهون بين صوت الرويبضة وبريق الوهم، مثقفونا في أبراجهم العاجية أقلامهم مكسورة أكلت القطط ألسنتهم. أصبحنا أمة استحقت الاستبدال والتدوير

إلا غزة.. . غزة بأطفالها… بنسائها. . . بشيوخها . . . بحصاره . .بصبرها . . . بثباتها. . .كانت الكاشفة.
كشفت من معنا ومن علينا، من يقف على الحياد ومن سقط في مستنقع التبرير. كشفت هشاشة خطابنا، وعجز أنظمتنا، وانطفاء ضمائر بعضنا. غزة ليست مجرد رقم وخبر عاجل على شريط الأخبار ، بل مرآة رأينا فيها وجوهنا على حقيقتها: انكسارات، خيانات، صمت ثقيل، وبقايا كرامة نحاول إنقاذها من الرماد.
في زمن كهذا، نحن بأمس الحاجة لهجرة جديدة! هجرة نحو الوعي، نحو الصدق، نحو الأمانة، نحو إعادة الاعتبار للإنسان كإنسان، لا كأداة ولا كرقم.
نحتاج لبردة النبي ﷺ، لتضحية علي ، لصدق أبي بكر، لنباهة ابن فهيرة، لرسالة مصعب، لحكمة ذات النطاقين، لنبض القرآن يُتلى علينا بعيداً عن لحى شيوخ السلطان وطلاسم الرهبان.

نحن بحاجة لأن نُعيد بناء المجتمع من جديد على أسس الرحمة والعدل والشراكة. فالهجرة اليوم ليست جُغرافيّة ، بل إلى معنى، إلى قيمة، إلى ضمير حيّ، وإلى نهضة تبدأ من داخل النفس.

” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”

{وكل عام وأنتم بخير}

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة