ان ترى ذاتك… قبل أن يراك الآخرون

بقلم: رانية مرجية

تاريخ النشر: 26/06/25 | 9:12

“مش مهم كيف يشوفوك الناس، المهم كيف انت بتشوف حالك”

جملة تبدو بسيطة، عابرة كريح المساء، لكنها في جوهرها زلزالٌ يُعيد تشكيل خرائط النفس وحدودها. فلسفة الحياة كلها، بكل ما فيها من ضجيج ووجوه وأحكام، تختصرها هذه الكلمات الست.

في زمنٍ تحوّلت فيه النظرات إلى مرايا، والكاميرات إلى قضاة، أصبح الإنسان في سباق دائم كي يبدو… لا كي يكون. نُعدّل صورنا، نُنمّق كلماتنا، نخشى أن تُؤخذ علينا زلّة، أو أن يُرى منا ضعف. نعيش داخل قوالب مصنّعة، نضع على وجوهنا أقنعة اجتماعية، ونرتجف كلما شَعرنا بأن أحدًا لا يُعجب بنا كما نرجو.

ولكن، يا لغرابة المأساة:

قد يُصفّق لك العالم، وأنت في داخلك منطفئ، مهزوم، متآكل كرماد حريق قديم.

وقد يُهاجمك الجميع، لكنك في قرارك العميق تعرف أنك على صواب، وتنام قرير العين، لأنك رأيت نفسك دون تشويه، وعرفت حقيقتها دون تزييف.

المسألة إذًا ليست كيف يراني الآخرون، بل كيف أرى نفسي. هل أراها بوضوح؟ بشجاعة؟ بصدق؟ هل أواجه ضعفي بشرف، وأحتضن حزني بتواضع؟ هل أعرف من أنا، لا من يريدني الآخرون أن أكونه؟

أعرف جيدًا – وأنا ابنة الرملة، المدينة المنسية في كتب العواصم الكبرى – كم من مرة نظرت إلى المرآة، ولم أرَ انعكاس صورتي كما أريد، بل كما تمّ تعليمه لي أن أبدو. قالوا لي كوني قوية، لكنهم أرعبوني من البكاء. قالوا لي كوني متفائلة، لكنهم منعوني من أن أعترف بأنني أحيانًا منهكة، ومحبطة، ومتعبة من هذا العالم.

ومع ذلك، تعلّمت. ليس من الكتب وحدها، بل من العثرات.

تعلّمت أن أرفع رأسي لا لأن الناس ينظرون إلي، بل لأنني أنظر إلى نفسي وأحبّها.

تعلّمت أن أقول “أنا كافية” حتى حين يقلّلني الآخرون.

وتعلّمت أن أتحرر من سجن الصورة، لأدخل رحابة الجوهر.

نعم، قد يخذلك الناس. قد يسيئون فهمك، أو يُسقِطون عليك ظلال أفكارهم المسبقة. لكن لا تجعل ذلك مرآتك.

المرآة الحقيقية، هي قلبك حين تصمت الأصوات الخارجية.

هي ضميرك، حين تخلع كل أقنعة المجاملة.

هي نظرتك لنفسك، حين تكون وحدك، لا تكتب منشورًا، ولا تنتظر إعجابًا.

وفي النهاية، الناس متغيرون، أهواؤهم متقلبة، ورضاهم غيمة لا يمكنك الإمساك بها. أما نفسك… فهي الوطن الوحيد الذي لا يجوز لك خيانته.

فلا تُهدر عمرك تركض خلف صورك في أعين الآخرين، بل اجتهد أن ترى ذاتك بعيون الحقيقة، لا بعيون العابرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة