وماذا مع المواسم الفلسطينية التقليدية؟!

تاريخ النشر: 27/02/16 | 1:12

وأشهرها: موسم البني روبين. موسم النبي صالح. وموسم الصحابي الجليل ميسرة…
اشتهرت في بلادنا وتميزت بطابعها الاحتفالي الكرنفالي وفاقت في موضوعاتها سوق عكاظ…
ويقال أن من أوجدها وشجعها وحث على مزاولتها القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي طيب الله ثراه، وكان الهدف: لُحمة الأمة وتعاضدها وتضامنها وهي بمثابة تحد ومقاومة للاحتلال الصليبي لبلادنا آنذاك.(ويُقال أن صلاح الدين كان صوفيًا وأنه أوعز بإقامة الزوايا والتكايا الصوفية في فلسطين)
موسم النبي روبين كان يقام بالقرب من مقام النبي روبين في القرية المسماة باسمه بالقرب من قرية يبنه في الجنوب وعلى بعد 15 كم جنوب مدينة يافا وعلى بعد 14 كم غرب مدينة الرملة وعلى الضفة الجنوبية لنهر روبين.
شُيّد المقام والمسجد إلى جانبه في عهد المماليك في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي. احتفل بموسم النبي روبين أهالي القرية والقرى القريبة منها وأهالي المدن: يافا، اللد والرملة وهو من أعظم المواسم الفلسطينية حشدا للناس وأطولها مدة، فقد كان احتفالا شعبيا ضخما يجمع بين المراسيم الدينية والأفراح والاحتفالات الشعبية.
أما موسم النبي صالح فكان لي شرف حضوره ومشاهدته لأكثر من مرة وفي نهاية ستينات القرن الماضي وبداية سبعينياته وفي مدينة الرملة. كان بمثابة مهرجان شعبي شاركت فيه وفود من قرى المثلث الجنوبي، كفر قاسم، كفر برا، جلجولية، الطيرة، الطيبة وقلنسوة ومن المدن المختلطة يافا، اللد والرملة ومن مدن وقرى الضفة الغربية القريبة من رام الله، سارت فيه بموكب ضخم ومثير للاحترام والتقدير الفرق الكشفية والشخصيات الدينية والمدنية وحملة الأعلام والرايات الدينية وعلى دق الدفوف وقرع الطبول ورنين الصاجات وبالقرب من المقام أقيمت سويقات وأكشاك لبيع المنتوجات والمعروضات وأخرى للمشروبات والوجبات الخفيفة.
أما موسم ميسرة: فكان يقام في قريته ميسرة الواقعة الى الشمال من مدينة باقة الغربية على بعد 3 كم منها فقط وعلى مقربة من مقام الصحابي الجليل ميسرة بن مسروق العبسي الذي شارك في الكثير من معارك فتوح الشام تحت قيادة كل من خالد بن الوليد وأبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهما، حيث شارك

في فتح قيساريا وصور وعكا، وآخرها كانت معركة رأس العين التي قادها.. وتوفي سنة 20هـ ودفن في قرية ميسرة..
وهناك اعتقاد لدى البعض وهو اعتقاد ضعيف أن المقام في قرية ميسرة هو لغلام السيدة خديجة بنت خويلد زوجة رسول الله محمد (ص).
هذا الغلام الذي رافق النبي محمد (ص) في تجارة السيدة خديجة رضي الله عنها إلى الشام وقبل أن يتزوجها النبي محمد (ص).
وكانت لمقام ميسرة وما زالت مكانة وقدسية خاصة مميزة لدى سكان ميسرة والمنطقة القريبة منها بأسرها معتبرين صاحب هذا المقام من أولياء الله الصالحين وتتمثل هذه المكانة بالزيارات لتأدية الصلوات في المسجد وعند المقام والتبرك وإيفاء النذور وعلى مدار السنة.
أما الزيارات ذات الطابع الخاص المميز فكانت في عيدي الفطر والأضحى، وفي المناسبات الدينية الأخرى كالمولد النبوي الشريف وليلة القدر والإسراء والمعراج، وأنا أذكر وكان هذا قبل عقود عدة تصل إلى أكثر من ستة، أنه في الأيام الأولى من عيدي الفطر والأضحى كانت تتوجه وفود الأطفال (ومن البنات) إلى مقام ميسرة مرتديات أجمل وأبهى الحلل احتفاء وابتهاجا بالعيدين ويرددن وهن في طريقهن إلى المقام الأناشيد والأهازيج. أذكر منها:
سيدي ميسر يبو (يا أبو) نخلة طويلة…
وكذلك: سيدي ميسر وأنا اللي جاي أزورك… أضوي شمعتك وأشعل بخورك.
وأيضا: يا زوار ميسر زوروا رويد رويد.. وإحنا زرنا ميسر كرمال الشيخ زيد (الشيخ زيد مقام لولي في مدينة يعبد – وهناك حمولة كبيرة في الوطن تحمل اسمه). يا زوار ميسر زوروه بالعدة. إحنا زرنا ميسر وعقبال الحجّة (والعدة وما أدراك ما العدة: رايات وأعلام وطبول وصاجات سنأتي على ذكرها لاحقا). وفي هذا السياق فقد ذكر لي أحدهم وقد تجاوز العقد الثامن من عمره أنه رافق، وبمعرفة والدته وموافقتها، البنات في مسيرتهن إلى ميسرة متنكرا بزي فتاة..
ولمكانة وأهمية مقام ميسرة المميزة والخاصة، فقد روى لي والدي رحمه الله أنه ومع حلول عيد الأضحى المبارك كان يقام في ميسرة موسم خاص كسائر المواسم في فلسطين آنذاك ولثلاثة أيام العيد التي تسبق يوم النحر، تشارك فيه المئات المؤلفة من الرجال والنساء، الشيوخ والأطفال ومن مدن وقرى ألوية: طولكرم، نابلس وجنين. وكانت تفد وفود المشتركين إلى ميسرة وهي تحمل راياتها وأعلامها الخاصة بها ومتعددة الأحجام والألوان وتسير الهوينا على

دقات العدة والمكونة من الطبول والصاجات، ويقال أن عدد هذه الرايات والأعلام تخطى ال 400 علم وراية.
وفي الأيام الثلاثة التي تسبق يوم النحر، أي عيد الأضحى المبارك، كانت تقام حلقات الغناء الشعبي، الدبكة، السحجة، الحداء، المساجلات الشعرية في الزجل والشعر التقليدي العامودي، أما عن سباق الخيول العربية الأصيلة فحدث ولا حرج، فقد كانت هذه المسابقات بمثابة اللؤلؤة التي تزين عقد الجواهر، ولا بد من الاشارة هنا إلى أن هذه الأيام الثلاثة كانت تستغل لعرض المنتوجات الزراعية المختلفة والبضائع المتنوعة لتخضع لعمليات البيع والشراء، ناهيك عن الولائم التي كانت تقام طيلة أيام العيد الأربعة والتي تصل قمتها يوم النحر حيث تنحر عشرات الأضاحي والذبائح إكراما لعيد التضحية، الأضحى المبارك
خلاصة القول: لقد كان موسم ميسرة بمثابة مهرجان شعبي شاركت فيه جميع قطاعات الشعب تجلت فيه الأخوة واللحمة الصادقة بأسمى معانيها.
ما أحوجنا إلى مثله في زماننا الأغبر هذا، والذي قلت فيه الألفة والمودة، نحن بأمس الحاجة إلى مثل هذه ” اللمة ” الجميلة التي تشع إنسانية وطيبة ولحمة.

حسني بيادسه

7osnebiadse

تعليق واحد

  1. جزاك الله خيرا يا استاذ حسني على ما كتبت فكله صحيح.
    كان اهلنا يحدثوننا عن ذلك وعن المهرجانات التي كانت تقام في ساحة المقام.
    فقد اعدت لنا الذاكره الجميله عن تاريخ قريتنا. فلك الف شكر على هذه المعلومات القيمه.

    علي معروف عمارنه ميسر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة