تقمّص الأرواح: ما بين سرّ الوجود وحكمة التكرار
بقلم: رانية مرجية
تاريخ النشر: 04/07/25 | 11:18
هل نموت حقًا؟ أم أننا فقط نبدّل أثواب الوجود، كما تبدّل الفصول ردائها؟
هل الروح تسكن جسدًا واحدًا وتنتهي، أم أنّ لها في مسيرة الأبدية حكمة أوسع ومهمة أعمق؟
هذه الأسئلة التي حيّرت الفلاسفة والأنبياء والشعراء منذ بدء الخليقة، تعود اليوم، في عصر التكنولوجيا البارد، لتطرق أبواب الفكر الوجداني، وتعيد طرح السؤال الأعظم: هل تقمّص الأرواح حقيقة؟
الروح: كينونة لا تفنى
في كثير من الثقافات الشرقية، من الهندوسية والبوذية، إلى الدروز وبعض الفلاسفة المسلمين كابن سينا والسهروردي، نجد إيمانًا راسخًا بأنّ الروح لا تموت، بل تنتقل من جسد إلى جسد، ومن زمن إلى زمن، محمّلة بدروسها، بندوبها، وبنور تجاربها.
إنها ليست خرافة أو هروبًا من فكرة الفناء، بل هي تصور كوني يعكس الإيمان بعدالة مطلقة لا تُدرك إلا على مدى حيوات متعدّدة.
الفلسفة والتقمّص: نظرة لاختبار المعنى
في الفلسفة الوجودية، كما في كتابات جان بول سارتر وألبير كامو، نجد رفضًا للميتافيزيقا الظاهرة، لكننا نجد في طيّات هذه الفلسفة انفتاحًا عميقًا على سؤال المعنى. وإن كان كامو قد رأى في الانتحار محاولة يائسة للهروب من عبثية الحياة، فإنّ التقمّص قد يكون الرد الأكثر حكمة: لسنا هنا عبثًا، ولسنا المرة الأولى. نحن نأتي لنفهم، لنُصلح، لنرتقي.
أمثلة حيّة: حين تتكلم الأرواح
كم من طفلٍ صغير تحدّث بلغة لم يتعلّمها قط؟ كم من فتاة تروي قصة موتها في حياة سابقة بتفاصيل لم تسمعها من قبل؟
في الهند، وثّق الطبيب “إيان ستيفنسون” أكثر من 2000 حالة لأطفال تذكّروا تفاصيل دقيقة عن حياتهم السابقة، وتمّ التحقق من العديد منها.
وفي الديانة الدرزية، يُروى عن شيخٍ قال لطفل لم يتجاوز السابعة: “أنت كنت جاري في بيت لحم، وقد قتلوك ظلمًا، وهذه البقعة على رقبتك دليل طلقة النار القديمة”، وإذا بالطفل يرتجف ويكمل القصة بعيون رجل عاشها قبل ثلاثين عامًا!
بين الرفض العلمي والتصديق الروحي
العلم لا يستطيع بعد أن يؤكد تقمّص الأرواح، لكنه عاجز عن نفيه تمامًا. العقل المادي لا يمكنه اختزال الروح، لأنها تنتمي إلى مجال أوسع، أكثر شفافية وسرًّا.
الإنسان ليس فقط لحمًا ودمًا. نحن ذاكرة، إحساس، بصيرة. فمن أين تأتي كل هذه المشاعر الغامضة تجاه أماكن لم نزرها؟ أو رهبة من مشاهد لم نرَها قط، وكأنها طُبعت في أعماقنا قبل الميلاد؟
التقمّص كعدالة كونية
حين نؤمن أن لكل فعل عاقبة، لكن لا نراها تتحقّق في حياة الإنسان الواحدة، يكون التقمّص تفسيرًا عادلاً: المجرم يعود ليُكفّر، والضحية تعود لتشفى، والروح تعود لتكمل.
إنه ليس عقابًا، بل تطهيرٌ وتكامل. وكأننا في مدرسة الوجود الكبرى، نعيد الصفوف حتى نفهم الدرس جيّدًا.
وماذا بعد؟
لا أدعوك إلى الإيمان الأعمى، بل إلى التأمل.
حين تشعر بأنك تعرف أحدهم من قبل، أو أن مدينة ما تتنفس فيك رغم أنك تزورها لأول مرة، توقف.
ربما مررت من هنا من قبل…
ربما قلبك يحمل نبضًا آخر، أقدم، لكنه حيّ.
ختامًا: الروح تعرف الطريق
يقول جبران خليل جبران: “إنما أنتم الحياة، وأنتم الموت، وأنتم من يعيد الحياة بعد الموت”.
ربما لا تكون الأرواح إلا مرآة الأبدية فينا. ونحن في تقمّصنا، لا نهرب من الموت، بل نواجهه، ونتعلّم، ونمضي… حتى نكتمل.