أنا..سفيرة اللغة العربية في مدرسة يهودية

تاريخ النشر: 28/08/13 | 6:21

بعد خمس سنوات، أيضًا، أتأثّر مرّة أخرى. صحيح أنّ الأمر ليس كما كان في السنة الأولى، حيث تأثّرت، أيضًا، لكنّني، حينها، تخوّفت، أساسًا: معلمة عربية وحيدة في مدرسة يهودية، معلمة قادمة من مجتمع مختلف ومن ثقافة مختلفة. تخوّفت وقلقت، وخطر على بالي الكثير من الأسئلة: كيف سيستقبلني الطلاب؟ هل سيتقبّلون الموضوع، الذي يتضمّن تعليم اللغة والثقافة العربيتين، أم أنّهم سيعارضونه؟ هل أنا سأنجح، أصلًا، في الوصول إلى الطلاب من خلال كلّ الأفكار المسبّقة لديهم عن العرب؟ وفي الأخير، ماذا مع الطاقم، هل سيتقبلونني في غرفة المعلمين، وكيف؟ وغيرها الكثير من الأسئلة والأفكار المقلقة. صحيح أنّ هناك أشياء مشتركة بين العرب واليهود في الدولة، لكن لا يزال هناك النزاع والاختلاف بين الثقافات.

أذكر أنّه في السنة الأولى عندما وصلت إلى المدرسة، وفي داخلي رغبة بأن أنقل إليهم رسالة واضحة جدًّا، وبأفضل وأصدق صورة ممكنة. أردت أن أكشفهم على الثقافة العربية، ليتعرّفوا إلى العربيّ الإنسان أوّلًا، العربيّ صاحب الثقافة المثيرة جدًّا، التي لا يعرف عنها الطلاب شيئًا، مع مزيد الأسف.

أتيت من مكان يريد أن يقرّب بين العرب واليهود المواطنين في إسرائيل؛ لأنّ ذلك مهمّ للتعايش. فنحن نعيش معًا، ويكاد لا يعرف الواحد منّا الآخر، وليس باللغة العبرية فقط، بل باللغة العربية، أيضًا.

في بداية طريقي وجدت صعوبة جمّة في الصفوف، وخصوصًا في التعامل مع مشاكل الطاعة. أدركت، فورًا، أنّ ذلك نابع، عمليًّا، من معارضة للغة، وللمعلمة العربية، طبعًا. ومن جهة أخرى، ساعدني طاقم المدرسة جدًّا ودعمني، وشجّعني على مواصلة عملي، فقد قدّموا ليَ الأدوات لمواجهة جميع المشاكل. ليس، فقط، أنّني كنت معلمة عربية تعلّم العربية في مدرسة يهودية، لا بل إنّني في السنة الأولى كنت أفتقر إلى التجربة. أخذت ذلك كمشروع شخصيّ لأنّني آمنت بأهمّيته، ورويدًا رويدًا، أصبح الأمر – مع الوقت – أسهل وأكثر إثارة.

نجحت في التواصل مع الطلاب. وقد تطوّر ذلك إلى علاقة تجاوزت العلاقة التي تجمع بين معلّم وطالب، علاقة مؤثّرة جدًّا، وخصوصًا عندما يلتقيني طلّابي في الصباح ويحيّونني بالعربية. إنّهم لا يخجلون من اللغة الجديدة التي يتعلّمونها، بل ضدّ ذلك هو الصحيح؛ إنّهم فخورون بها جدًّا. في الفرص تسمعهم يغنّون الأغاني التي تعلّمناها في الدروس، حتى إنّهم يعلّمون إخوتهم وأهاليهم في البيت. وقد كان من شأن ذلك أن يقرّب إليّ الأهل، أيضًا، الذين لا يبخلون هم، أيضًا، في التعبير عن إطرائهم ودعمهم لي. وإنّها لفرصة لأعبّر فيها عن شكري لكلّ من دعمني وساعدني، للطاقم وللأهالي، وكذلك للطلاب الرائعين، طبعًا.

والآن، مع بدء السنة الدراسية، ليست لديّ مخاوف، إطلاقًا. آتي إلى طلابي ولا أفكّر في كوني عربية وأنّهم يهود، لا بل أعتقد أنّ ذلك يجعلني ويجعل دروسي دروسًا أكثر خصوصية وإثارة. أشعر بأنّني سفيرة لمجتمع وثقافة غنيّة في المدرسة، حيث إنّني في خدمة طلابي، أجيب عن أيّ سؤال أو استيضاح، وهم يعرفون حقّ المعرفة أنّني مصدر موثوق منه يُمكن الاعتماد عليه.

أرجو لجميعنا سنة طيبة ومثمرة

* الكاتبة هي معلمة لغة عربية في برنامَج "يا سلام" الذي تفعّله مبادرات صندوق إبراهيم بالتعاون مع وزارة التعليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة