الاوتاد

تاريخ النشر: 20/06/13 | 2:00

سأذيعك سرا دفينا من اسرار عائلتنا راجيا منك ان تدفنه في دفينك . وعائلتنا يا محترم مشهوره بدفن في التراب . وعلى سبيل المثال غان حصان جدي كان اصيلا قبل ان تجبره ظروف الحياه على تحويله الى " كديش " يحرث الارض ويدرش الغله . لقد دفن جدي ودفن السر معه .

ولا بد لك يا محترم ان لعبت معي ومع واولاد حارتنا في الساحه الكبيره الواقعه امام بيتنا القديم المبني من الحجر والطين … واصابت رجليك كما اصابت رجلي الاوتاد المغروسه في منتصف هذه الساحه …. لقد اسالت هذه الاوتاد الدم مرارا من اجسامنا وزرعت فينا الخوف في كل لحظه لعب لذيذه …. وجعلتنا نحسب لها الف حساب حتى حفظنا مكانها عن ظهر قلب واصبحنا نتجنبها ونبتعد عنها ….

ولعلي لا اكشف لك سرا من اسرارنا اذا قلت لك اني كرهت هذه الاوتاد وخشيتها في نفس الوقت …. ولدت وولدت معي …. سألت عن اسباب وجودها وعدم خلع هذه العقبه الكأداء من ساحة دارنا وافهمت ان وجودنا سرا الكبر من ان يكشف لولد مثلي …..

حاولت مره وانا في الخاميه من عمري ان اعبث باحدها محاولا قلعه فاخذتني امي جانبا وقد ارتسم على وجهها سيل من الخوف والحزن والتأنيب واستعملت كل الوان التخويف لتفهمني بان لا امس هذه الاوتاد بسوء ….

رأيت نفسي في حلم ليلة شتاء اقتلع احدها فاستيقظت وانا ارتعش من الخوف ويتصبب العرق من جسمي , فاستيقظت امي على صرخه مني صدعت سكون الليل …. فسألتني وهي تلملمني وتضعني في حجرها

– ما لك يا حبيبي ؟؟

– فقلت لها باكيا :

– لقد حلمت اني اقلع الاوتاد ….

– هذا عمل من عمل الشيطان يا بني …. اقرأ " سورة الفاتحه " واستغفر ربك ونم مطمئنا …..

فنمت على صوت تمتماتها وهي تقرأ فوق رأسي اشياء لم افهمها .

وبأقتراب رمضان يزداد الاهتمام بهذه الاوتاد ويزيد الكبار – حملة السر – من تحذير الصغار امثالي من الاقتراب او العبث بها وكثيرا ما سألت نفسي ما العلاقه بين رمضان والاوتاد …. اجبت نفسي عشرات الاجوبه ولكني سرعان ما استنتجت عجزها عن شفاء هذا التساؤل .. اقنعت نفسي مره ان الله سيقعد عليها من لا يصوم رمضان …. اذكر اني وانا في العاشره من عمري شعرت بجوع وعطش شديدين ولم اقدر على مواصلة الصوم فأكلت وشربت من دون ان يراني احد واخفيت فطوري عن الكبار …. , ولكني عندما وقعت عيناي على الاوتاد اصبت بفزع شديد وهربت من الدار ولم اعد اليها الا عند الغروب ولاخقتني احلام مرعبه الزمتني الفراش اياما معدوده ….

وعندما اقترب السادس والعشرون من شهر رمضان رأيت امي تنظف حول هذه الاوتاد وهي تقرأ اشياء لم افهمها ولم اجرأ على سؤالها … وسمعتهم يتحدثون عن ليلة القدر بكثير من الترقب والقدسيه …. , وفي النهار الذي سبق ليلة القدر صعدت امي على سطح بيتنا وكنسته ورفعت الحصيره وفرشتها على ظهره وبسطت فوقها عدة فرشات ….وعند المساء رفعت الطعام والشراب والكثير من الحلويات .. عملت كل هذا وانا اراقب الموفق والتساؤلات التي لا تحصى تلاطم تفكيري باحثه عن جواب حول هذه التحركات وما سبب هذه السهره التي يعد لها العده على سطح البيت ولكني كعادتي لم تساعدني شجاعتي على السؤال وبقيت صامتا وعنما رمى الليل استاره السوداء على المكان صعد افراد العائله على سطح البيت وبدأ ابي يتلو القرآن بصوت عال وجلس الباقون يستمعون اليه وعيونهم تغالب الظلام الشديد الذي ساد المكان . وبدا الضغط علي من كل جانب لكي استسلم للنوم …. سألتني امي الا تشعر بالتعب ؟! لقد امضيت اليوم بالشيطنه !! وانضمت اختي الكبيره الى هذا المجهود فنادتني وقالت لي بشيئ من التحبب المشبوه تعال واستلقي بجانبي …. اما اخي الكبير فقال –محاولا اغرائي – نم يا احمد باكرا فسآخذك معي غدا الى المدينه …

اما ابي فكان ينظر الي بين الفينه والاخرى وهو يتلو علي القرآن محاولا حثي على الاستجابه لهم … , اغمضت عيني محاولا النوم ولكن سلطانه لم يستطع ان يأسرني … ان غريزة حب الاستطلاع حالت دون استسلامي للنوم فعقدت العزم على ان اجعلهم يظنون اني نائم وابقى صاحيا لارى ما سوف تجيبه هذه الليله .

ما هي الا ساعه او ساعتان حتى سمعتهم جميعا ابي وامي واخي واختي يبتهلون بصوت كله خشوع " اللهم اعطنا من لدنك رحمه" " الهم ارزقنا فانت الرازق الكريم " " اللهم اجعل ساخة دارنا ملأى بالابقار والعجول مربوطه بهذه الاوتاد المغروسه فيها "….. وتوالى تكرار هذه الابتهالات …..

نمت ليلتي اتخيل ساحة دارنا ملاى بالابقار والعجول وتخيلت نفسي ارعاها في الخقول في احضان الطبيعه الجميله . تخيلت الحليب والحبن واللبن الوافر …. تخيلت اولادها …. نمت وانا مرتاح لاني عرفت احد اسرار عائلتنا الدفينه … وعندما استيقظت في الصباح اول الاشياء التي عملتها هو اني ركضت الى حافة السطح لارى الابقار والعجول تملا ساحة دارنا فوجدتها خاليه الا من الاوتاد التي تركت الكثير من الكدمات على رجلي . نظرت في عيون امي وابي واخوتي فوجدت خيبة الامل تملاها فأصابني حزن شديد فنزلت عن السطح وغادرت الدار .

وفي المساء عدت الى البيت وبعد الفطور خرج والدي واخي من البيت ليقضيت سهرتهما في خارج الدار وانتهزت فرصة نوم اختي الباكر فتسللت الى حضن امي وسألتها عن سبب نومنا على السطح الليله الماضيه … وضعت يدها على رأسي واخذت تعبث بشعري وتحكي لي الحكايه …

من زمان كانت جدتك . جدتك لابيك , تسهر على سطح هذا البيت في ليلة القدر كعادتها …. في تلك الليله انفتحت السماء فجأه فرفعت يديها الى السماء تطلب من الله شيئا يخفف عنهم ضائقة الفقر الشديد …. ارادت ان تطلب من الله ان يملا ساحة الدار بالابقار والعجول مربوطه باوتاد , فذكرت الاوتاد ونسيت ان تذكر الابقار والعجول …ز وعند الصباح كانت الاوتاد تملا ساحة الدار دون ابقار اة عجول .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة