نصر يشبه الهزيمة

تاريخ النشر: 12/06/13 | 4:28

لم يكن ما حدث بالقصير مفاجئا، ليس من ناحية التفوق والفروقات الميدانية وظروف تلك المعارك فقط، وإنما من وجهة نظر التشابه بين تلك القوى المتصارعة ومن حيث تلاشي الفروقات بين مفهوم النصر أو الهزيمة، ففي القصير خسرت كل القوى المتناحرة والتي تفوقت إرادتها في تشويه وقتل الثورة على اي انتصار أو هزيمة عسكرية مشبوهة بالإرادة ألمزعومة وقد خرجت كل الأطراف مهزومة ولكن وهذا الأهم أنها خرجت في حضور ثابت للثورة السورية الشعبية المجيدة!

ما حدث في القصير يعد نكسة لا تختلف عن نكسة 67 والتي شكلت امتداد للنظام العربي الذي ازداد تعفنا بعدها، وتهيئته على شكل نظام قومي غربي "عقلاني"، كما أنه لا يختلف عن نكسة الفلوجة والتي بنيت على تناقض بين بطولة مغاوير عراقيين وتآمر انظمة أسدية مباركيه مع قوات عالمية، فكان وليد المؤامرة هذا النظام المالكي، وكذلك فإن هزيمة القصير توحي بتكريس واقع الأنظمة العربية، لأن تلك الهزيمة إنما تعبر عن انتصار لأنظمة الخليج قبل أن تكون انتصارا مالحا لنظام على شعبه أو انتصار فيه ما فيه من العلقم على إيران وحزب الله بالتحديد، لأن معارك القصير وعلى المدى القصير حولت حزب الله بقفزة نوعية من حزب مقاوم يتغذى على تأييد شعوب المنطقة له، إلى حزب نظامي يخدم مشاريع روسية صينية إيرانية!

إن التهويل للقصير ومحاولة اختزال الثورة السورية فيها، وتكريس الأضواء الإعلامية والعسكرية والسياسية، والأهم تكريس الخطاب الفكري بكل اتجاهاته، جاء ذلك كله في خطة ماكرة وكاحتيال تاريخي فيه من الإيحاء بأن المعركة فاصلة بين الثورة أو النظام، بين قوى الممانعة أو قوى الخيانة بين العقيدة الشيعية أو السنية، كل ذلك يوحي بأن أحداث القصير بنيت على خطة عالمية اجتمعت على برنامجها وأكل ثمارها كل القوى المحيطة بالثورة السورية بلا استثناء، ففي غفلة وفسحة من إنهاكات الثورة نتيجة انتهاكات النظام، تطل علينا فجأة ما تسمى بالقاعدة وما تبعتها من جبهة النصرة، ثم يصحب هذه الطلة كم هائل من الفكر المنحل والفكر المختل المضاد، كلمات مذهبية بالمليارات وجمل قومية بالملايين على أساس الاستيراد وتعبئة مشارب الخطة العالمية، والتي أريد من خلالها قتل مفهوم الثورة العربية الشاملة، لأن نموذج القصير كحالة من الواقع السوري جاءت لتؤكد ان مجرد تفكير أي عربي بالثورة سيعد إعدام ميداني إن كان وجوده بالخليج أو بأي منطقة عربية ثانية، لأن التدقيق عسكريا بمعارك القصير يؤكد على أن نصف المعارك بنيت بالتنسيق بين الأطراف المتنازعة إن لم تكن كلها، مما يشير أن القصير كانت ملعبا عالميا، ولم يكن موضوع افتعالها واختزالها مجرد هواية جهادية أو تحصينات قومية، فقد صورت القصير على انها عنق الثورة السورية مما سيتسنى للجميع لف حبال قصيرة لإعدام الثورة الشعبية السورية بعدما فشلت كل حبالهم الأمريكية الروسية الطويلة عن خنق الثورة السورية! أما مسألة تذرع حزب الله بتدخله العسكري على أساس حفظ القصير كنقطة عبور اسلحة وعتاد للمقاومة، فمن خلال هذه المزاعم نستطيع أن ندلل أن معارك القصير بنيت على هدم الثورة وليس على هدم المقاومة، كما نستطيع من خلال ذلك أن نؤكد أن وراء هذا الصراع بين القوى الداعمة للمجاهدين والقوى الداعمة للنظام، كان تحالف على أهداف مبطنة، إذ كيف لثورة وليدة منذ سنتين أن تنتبه لهذه النقطة الاستراتيجية القصير في حين غفلت عنها أمريكا وإسرائيل طيلة صراعها مع قوى الممانعة! نكاد لم نكن نسمع بهذه المنطقة قبل الثورة وحتى بعدها إلا في الآونة الأخيرة، فهل كانت سرا إسرائيل تجهله؟ فلم لم تبني الأخيرة من قبل فرق جهادية تخدم مشروعها الصهيوني لتقطع الإمدادات بتغطية مذهبية قبل ذلك؟ ولما لم تضرب إسرائيل هذه المنطقة عسكريا خاصة في زمن الحروب بينها وبين حزب الله على أساس أن أمن إسرائيل لا يقف بوجهه أي حاجز، فاكتفت إسرائيل بين الفينة والأخرى على التحليق فوق قصر الأسد بغية التلاعب بكرامته أو التسلية بصورته القومية!

لذا فالقصير في حقيقة أحداثها إنما تؤكد واقع الهزيمة الذي لا نصر فيه، بل أنها تتلاءم مع مفهوم “الفقد” أكثر منه للهزيمة، فما فقده النظام وحزب الله لا يمكن استعادته، فلن يعود النظام مثلما كان، وإن عاد فلن يختلف عن واقع حال الأنظمة العربية، كما لن يعود حزب الله مثلما كان، لأن الكثير من الاسئلة الحاضرة والتاريخية لا يشفيها ردود شعارات سابقة هي اليوم شعارات غير منطقية بل وسقيمة إذا سقناها بنفس الدرجة التي يشار لها لإسرائيل دون اختلاف عن سوريا الشعب، وكأن حزب الله يستفيد من حالة الضعف العربي النظامي الذي كان يشكي منه ليستفرد بالمنطقة كبطل قومي بلا منازع، مع أن أحداث القصير تدل بلا قصد مذهبي على أن نصر الله تحول إلى بطل قومي إيراني نظامي أكثر منه لبطل شعبي عربي كما كان.

وأخيرا، فإنني وكعادتي أربط الأسماء بتفسير يتشابه مع الأحلام، فبقدر الله أن يكون اسم اللعبة العالمية ضد الشعب السوري "القصير" لتعبر لنا أن كل خطابنا المتجه جهلا كنصرة لها، فيه ما فيه من قصر النظر، لأن كل خطاب وقع بالقصير أريد له أن يكون وكتب لتردده الببغاوات، لأن القصير قد أسقطت الخطاب الطائفي والمذهبي أولا، ولأنها كشفت أن الخطاب القومي بحالته الحالية العقيمة والمكرسة لواقع فشل في تجديد وتغيير الواقع العربي بشكل عام، ولأن القصير جاءت لتغير مشاريع الخطط العالمية ولتقلص مسافاتها القصيرة ولتقطع حبالها المهترئة، ولأن القصير تستصرخ الفكر كمساندة أولية، لتغير اتجاهات الفتنة ولتصحح مسار الثورة بعدما تم العبث بها من الداخل والخارج ومن اليمين واليسار، فمن الذي انتصر ومن الذي هزم؟ احسبها.

تعليق واحد

  1. انا من اول ما انت كتبت انو هزيمة القصير نكسة ك حرب 67 توفقت عن القارئة
    انت بعدكم با عرب بتخلف اعلامي هزيمة القسير بينت كل شيئ وان نظام بريئ من المجازر وانهم مدعمون من امريكا واسرائيل

    فايها الكاتب العزيز افحص ماذا جرى بعد معركة القصير فكل الاسلحة التي كانت معهم كانت عليها كتبات عبرية

    وايضا العدو يساعد الجيش الكر بهذه ثورة الفاسدة

    انا كتبت مقال عن سمه ” ثورة الفساد السورية ” اقرا وتمعن فيه واشكر على حس استماعك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة