يوم مع النّاجحين
معمر حبار
تاريخ النشر: 29/06/25 | 19:30
أفرح لنجاحك وأنا لا أعرفك كما أفرح لنجاح التّلميذ الذي لا أعرفه:
البارحة، وأنا أمارس واجب المشي. وعلى السّاعة العاشرة صباحا ودون علم مسبق. وأنا أمرّ بجانب المتوسطة. إذ بي أسمع زغاريد النسوة، والفتيات. فعلمت أنّه وقت إعلان نتائج الناجحين في شهادة التّعليم المتوسّط.
وفرحت لفرح البراءة. وتمنيت لهم وأنا الذي لا أعرف أحدا منهم. السّداد، والتّوفيق، والنجاح.
واصلت السير. إذ بي أحد التّلاميذ يجري بقوّة وهو يصرخ بأعلى صوته: لقد نجحت ونلت معدل 14\20. وكلّه فرح وسرور. وفرحت لفرحه. وأنا الذي لا أعرفه ولم أره من قبل.
خرج بائع الألبسة من محلّه بسبب صوت الفتى الذي بلغ مسمه. ووقف على حافّة الرّصيف، وقال مستنكرا ومستهزئا: أتفعل كلّ هذا لأجل “البِيَام” بلغة جيلنا. أي شهادة التعليم المتوسط. ثمّ راح يواصل استهتاره: ما ذا يساوي “البِيَام”. لا يساوي شيء. وما ذا تفعل به.
من سوء حظّه أنّي صادفته وجها لوجه وهو ينثر هذا الحقد، ويغرس البغض. فقلت له: كان عليك أن تشكر التّلميذ البرىء على نجاحه، وتشاركه فرحته. وفي أحسن الأحوال -إن لم تستطع- فالصمت خير جزاء.
ثمّ أضفت: أنت صاحب هذا الدكان. وأسأل الله لك النّجاح، والحفظ، والسّتر. تفرح لو بعت قماش واحد. فأجاب بنعم. وتعمل المستحيل لتربح في قماش واحد. وترى ذلك من النجاح. فأجاب بنعم.
أضفت: وكذلك هذا التّلميذ -وغيره- لم يفعل شيء غير طبيعي سوى أنّه أبدى فرحه، وبطريقته بالنّجاح في شهادة التّعليم المتوسط، وبمعدلّ 14\20 -ومهما كان المعدلّ أصغر، أو أكبر-. وكما فرحنا -ونحن لا نعرفك ولم نرك من قبل-. نفرح لهذا التّلميذ -ونحن لا نعرفه ولم نره من قبل-.
الفرح بالنجاح -ولأيّ كان- لا يقاس بالحجم، والمعدل، والعدد، والمبلغ -وإن كان مهم-. ويدلّ على صفاء نفس، ونقاء صدر، ومقاسمة القريب والبعيد أفراحهم.
للأمانة، اعترف صاحب المحلّ بأخطائه، واعتذر. وافترقنا على قول السّلام، وتمنيت له السّداد، والنّجاح في تجارته. ولأبناء الجزائر، والعرب، والمسلمين بالنّجاح والتّوفيق. ودوام الفرح، والسرور على الجميع.
مشاركتي فرح الذين لا أعرفهم:
واصلت سيري. إذ بي ألتقي بتلميذ. أسأله عن نجاحه في شهادة التّعليم المتوسط. فيجيب: لست أنا الذي نجحت. إنّما أختي هي التي نجحت. وأنا متّجه للمتوسطة لأرى النتائج.
طلبت منه أن يدلّني على المتوسطة. لأشاركه فرحته. وأنا الذي لا أعرفه ولم أره من قبل.
حين وصلنا للمتوسطة والتي لا أعرفها من قبل. كان الجوّ كلّه فرح، وسرور، وزغاريد. من طرف التّلاميذ، والوالدين، والأقارب، والأحباب.
كانت فرصة لأفرح لفرحهم، وأشاركهم سرورهم، وأطرب لزغاريد النّسوة. وأنا الذي لا أعرف أحدا منهم.
تهنئة الذي لم يكن ينتظر مكالمتي:
في المساء، اتّصلت بصديق لأهنّئه بنجاح ابنته. وهو الذي يعيش حياة مادية بالغة الصّعوبة. وقد فرح فرحا شديدا. لأنّه لم يكن ينتظر مكالمتي.
فرح الأب بمكالمتي وتهنئتي كان أكبر من نجاح ابنه:
اتّصلت بصديق ثانّي. وقدّمت له التّهاني بمناسبة نجاح ابنه. الذي لم يكن من المتفوّقين. وتعمّدت مكالمته. لأنّه لم يكن يعتقد أنّ ابنه سينجح لضعف مستواه. وشعرت من خلال نبرات صوته، وعدم التحكّم في مشاعره. أنّه فرح بمكالمتي التي لم يكن ينتظرها أكثر من نجاح ابنه الذي لم يكن ينتظره.
التّلميذة التي فرحت لمكالمتي، وتهنئتي أكثر من عدم اهتمام أهلها بها:
هاتفت صديق. وبعد تقديم التهاني طلبت منه أن يسمح لابنته بمكالمتي. وهنّأتها بالنّجاح، وتمنيت لها التّوفيق.
المؤكّد أنّها فرحت بمكالمة “عمي معمر” فرحا شديدا لم تكن تتوقعه. وربما أنساها -ولبعض الوقت- الصّمت الذي ساد بيتهم أثناء إعلان النتائج، وعدم اهتمام أهلها بنجاحها.
اجعل خاتمة النّجاح الفرح بالنّجاح:
الفرح، والتهنئة بالنجاح لمن تعرف ومن لا تعرف من المروءة، والأخلاق الفاضلة. ولا تكلّف شيئا. ومردودها يتعدى الأفاق، ويتجاوز الحاضر إلى المستقبل.