واصطدم الجحود بالفناء

تاريخ النشر: 25/07/15 | 6:30

والله لست أدري كيف أبدأ سرد قصتي وهي واقعية وليست من نسج الخيال.. مؤلمة مؤثرة لأنها من صلب الواقع خرجت من قلب جسد أدمته جروح العقوق والتنكر من ابن لأم، ربما مرت عليها أيام وأوقات كانت بالكاد توفر له ولأخوته قوت يومهم، تقترض احيانا بعض المؤن من الجيران لترده إليهم حين مقدرتها ولو طال الزمن، ترقع ملابسهم بشتى أنواع القماش مع اختلاف ألوانها موفرة لهم النعال البسيطة ليمشوا مع الزمن إلى توفير الطعام وهو من أصعب امور الحياة لديهم غالبا ما يكون من حبوب اختزنتها في خزانة المؤن من انتاج يديها زرعتها في قطعة صغيرة في أرض البيت تغرس كل ما تحتاجه لطهو طعامهم ثم تجفف الباقي وتخزنه للأيام العجاف فلا تحتاج لابتياع غيره. الفراش من صنع يديها، من أصواف خرافها تنظفه وتجهزه فرشا مريحة، كذا الحال مع الغطاء والوسادة على أحسن ما يكون ليتمتعوا بنوم مريح تراودهم أحلام سعيدة، إلى وسائل إعداد الطبخ التي اكثر ما تكون على نار الحطب أو “بابور الكاز”، هذا إن توفر الوقود!!!
كم قطعت اللقم من فيها لتطعم فلذات أكبادها…
وحين كبر الابن وأتم نصف دينه وأصبح له بيت وعائلة..نسي أمه وتضحيتها المتفانية في سبيل حياته ووضع نصب عينيه زوجته وأولاده ولا أحد غيرهم، وهنا بيت القصيد: على عتبة بيته التقى يوما بأمه تحمل في يديها الهزيلتين حوائج وأنواعا من الطعام تعلم كم يحبها أيام العزوبية، وفرتها له وعزمت صعود بيته لتطعمه مما يحب. أدركها وهي على وشك الدخول وهو يحمل بيديه حوائج مختلفة محاولا قدر الامكان ان لا ترى ما يحمله، لكنه لم يفلح، عيناها وقعت على ما يحمله وتفطر قلبها وتنغصت وتمنت لو لم تر ما يحمله كي تبقى على حال الرضا عنه، وتبقى صورته في قلبها على أتم حال.
نعم على مدخل البيت التقى وفاء الأم وحنانها وإخلاصها مع عقوق الابن ومحاولته قدر المستطاع اخفاء ما يحمله بيديه عن نظر أمه التي لم تر أمامها إلا ما يحمله!!
الله يرضى عليك..نطقت بهذا الدعاء مع تنهيدة طويلة وهي تغمض عينيها تستعرض أيام حمله في أحشائها ومخاض ولادته ورعايته والسهر عليه حتى اصبح شابا يافعا وأصبح له بيت وعائلة…. كل ذلك مر كشريط سينمائي في ذهنها، لم يستغرق سوى ثوان عدة، هذا قلب الأم العظيم، فمع العقوق والجحود رضيت عليه!!
لكن أتراه رضا من صميم وأعماق القلب؟ هل ترى قلبها حقا راضيا عنه، وعن فعلته والتي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، اترى قلبها وذهنها يمسحا مشاعر الأسى والأسف وخيبة الأمل في ابن وضعت فيه الآمال وان يكون العكاز الثابت الصامد لأوقات الضعف والهزل وخريف العمر وأن يطعمها مما يأكل وأن لا يتستر ويخفي عن ناظرها مما تحمل يداه من حوائج .فأي رضا ذلك نصدقه ونسميه ؟ وهل في قاموس لغتنا كلمات يمكن أن تنطبق على المشهد والحدث بل أي عنوان أخطه على حكايتي فإني في حيرة من أمري كيف يستويان: حنان بلا حدود أم عقوق فاق حد الخيال ؟

فاطمة مصطفى عسلي _ كفرقرع

oo

تعليق واحد

  1. ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين ( 15 ) أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ( 16 ) ) .
    ———————————-
    { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا } .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة