وما الذي يفرقنا؟
تاريخ النشر: 25/01/15 | 13:51هناك سببين رئيسيين لتفّرقنا ومنهما تنبع أسباب وعوامل فرعية تُساهم في فُرقتنا:
السبب الأول هو خارجي ويضمّ كل ما يُضمر لنا من نوايا خبيثة ويُحاك لنا من مؤامرات ويُطبّق علينا من مُخطّطات استعمارية بوعينا أو بعدمه.
السبب الآخر هو داخلي ويضمّ كل تعاون مع المُستعمِر وكل ما يجعل منا أرضا خصبة للنوايا الخبيثة وللمؤامرات وللمخطّطات الاستعمارية. هذا ما سمّاه مالك بن نبي “القابلية للاستعمار”.
وكل محاولة لعرض واحد من السببين دون الآخر هي محاولة لتشويه الصورة ولترسيخ الفهم القاصر.
وباختصار شديد، هما عاملان: الاستعمار والقابلية للاستعمار. وهما مُتعلّقان ببعضهما تعلّقا شديدا، فلو لم تكن عندنا قابلية للاستعمار لما أصابنا الاستعمار، ولو لم يكن هناك استعمار لما تأثّرنا من قابليتنا للاستعمار. يمكننا أن نُشبّه الاستعمار بالمرض الذي يُصيب الجسد، فلو لم يكن الجسد مكانا خصبا للفيروسات وللميكروبات لما أصابه المرض، ولو لم يكن هناك مرض أصلا (يستحيل) لما أُصيب الجسد كذلك. بمعنى آخر، لو كان الجسد في كامل قواه وصحته لما أصابه ما أصابه، ولما لم يكن بالإمكان منع المرض (وكذلك الاستعمار) بالمطلق، فإن غالبية الجهود يجب أن تتجّه الى معالجة القابلية للاستعمار. وهذا التوجّه يجب أن يتمّ لأن صلاح أنفسنا في متناول يدنا، فنحن يمكننا أن نُحسّن من حالنا ان أردنا، ولكن ما يُحاك في الخارج لا يمكن منعه، وأقصى ما يمكن أن نعمله في سبيل مواجهته هو أن نُبقي عينا يقظة مُطّلعة على ما يحدث حولنا.
لذلك فإن مسؤوليتنا كبيرة تجاه أنفسنا وشعوبنا، فليس كل ما يحصل لنا هو مؤامرة خارجية ولكن الصورة أوسع من ذلك كما أسلفنا. ولا نحتاج الى بحث كبير كي نكتشف أن داخلنا هشّ ضعيف وأن حال أمتنا العربية يُرثى له، فالإنتاج عندنا شبه معدوم وحضارتنا الحاضرة بائسة وثقافتنا الحاضرة ضعيفة. ومن ثم فهل نستغرب أن يُصيب الاستعمار جسد هذه الأمة الضعيفة؟!
الا أننا يجب أن نستمّر في رؤيتنا الواسعة عند معالجتنا الواقع، فمن جهة أولى لا ينبغي علينا أن نضع كل اللوم على أنفسنا وأن نشعر شعورا مُبالغا به بالذنب والدونية ولا يجب علينا أن نطلق عبارات مثل: “العرب عمرهم ما بطّورا ولا بصيرو”، وكأن في جيناتنا أننا متأخّرون عن العالم (فذلك ما يريد أن يُفهمنا اياه هذا الاستعمار)، ولكن علينا أن نعي وجود من يُساهم في هواننا ومن يُشوّه صورتنا ومن ينهب ثرواتنا ومن يجعلنا سوقا استهلاكيا لا غير، وأن نفهم أن هذا الحال الصعب الذي نعيشه هو ناتج اجتماعي ليس أكثر (ليست جينات العرب شاذة عن سائر البشر كما يُحاول أن يُفهمنا الاستعمار).
ومن جهة ثانية لا ينبغي أن نُحمّل الاستعمار والمؤامرات كل ما يحصل لنا، فعند ذلك لن نتغيّر وسنبقى نتفرّج على العالم (والعالم يضحك على حالنا) دون أن نُحرّك ساكنا، ولكن أن نعلم أن التغيير يبدأ من الداخل واذا ما أردنا أن ننهض فلن يمنعنا استعمار ولا غيره. بالتأكيد ستكون هناك مُعوّقات كثيرة من آثار الاستعمار وربما ستمر سنون حتى تتحرّر أمتنا، ذلك أن استئصال براثن الاستعمار يحتاج الى وقت والى جهد.
بهذا المنطق، فإنه لا يجب علينا أن نتوانى عن اصلاح أنفسنا من خلال احياء شروط النهضة (من مثل العلم والثقافة) والإجهاز على معيقاتها (من مثل الأفكار الخيالية والعادات البائسة). انها بمثابة مراجعة منهجية للموروث وفيها يتمّ ابقاء كل صالح والقاء كل فاسد، مع قراءة الواقع الذي نعيشه واستحضار المستقبل الذي نرنو اليه (وكأننا نراه أمام أعيننا).
محمود صابر زيد
ماجستير في علم النفس