كان حجًّا ميسورًا وبعون الله مبرورًا
تاريخ النشر: 14/10/14 | 11:17كان حجًّا ميسورًا وبعون الله مبرورًا
د. محمود أبو فنه
(أهدي هذا النصّ الذي نشرتُه لحجّاج بيت الله بمناسبة عودتهم سالمين من الديار الحجازيّة)
قلوبٌ خافقة، عيونٌ دامعة، نفوسٌ خاشعة!
أكفٌّ ضارعة، شفاهٌ راجفة، جموعٌ حاشدة!
كيف لا، ونحنُ نكحّلُ العينين بمرأى المسجد الحرام؛ المسجد الذي سرى منه نبيُّنا محمّد (ص) إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله!
المسجد الذي يحتضنُ الكعبةَ المشرّفةَ!
المسجد الذي شهد انتصارَ النور والحقّ على جحافل الظلام والشِّرك!
كيف لا، ونحن نصلّي ونتعبّد في رحابِ البيت العتيق منبع الإيمان والفداء!
كيف لا، ونحنُ نطوفُ حول الكعبة المشرّفة رمز الطهارة والصفاء!
كيف لا، وهذه الجموع المؤمنة تجمعّت من كلّ فجٍّ عميق تتضرّعُ للباري عزَّ وجلّ أن يكون حجّهم مبرورا، وسعيهم مشكورا، وذنبهم مغفورا!
ما أروعَ هذا الحشدَ الإنسانيّ المتآخي العابد!
كيف لا، وجميع الحجّاج في لباس الإحرام الموحّد يقفون في عرفة، وألسِنتُهم تنطِق بحبّ الله ورسوله، والكلّ يتفرّغُ للدعاء والذِّكر والقراءة في كتاب الله المُبين!
كيف لا، وضيوفُ الرحمن يغادرون عرفة ويتوجّهون إلى المزدلفة للصلاة، ثمّ ينتقلون لمنى لرمي الجمرات (يوم عيد الأضحى) بقلوب راضية مطمئنّة، مكبّرين باسم الله والله أكبر، وبعد تقديم الهدي يتمُّ الحلقُ أو التقصير، فيكون التحلّلُ الأصغر!
ويأتي طوافُ الإفاضة حول الكعبة المشرّفة، والسعي بين الصفا والمروة تأدية لشعائر الله اقتداءً برسول الله الذي دعانا للأخذ بمناسكه، وبعد طواف الإفاضة يكون التحلّل الأكبر!
وقبل الرحيل عن أمّ القرى نقوم بطواف الوداع في البيت العتيق وقد تزوّدت النفوس بزاد وافرمن التقوى والورع، وتحصّنت القلوب بالإيمان الراسخ لفعل الصالحات والابتعاد عن الطالحات!
ومن مكة البلد المبارك ننطلق للمدينة المنوّرة، بلد الأنصار الذين فتحوا قلوبهم وبيوتهم للرسول الكريم وصحبه من المهاجرين الصابرين، وهناك في رحاب المسجد النبويّ الشريف، والروضة النبوية الطاهرة حيث يرقد خليل الله وصفيُّه، وخاتم الأنبياء والمرسلين، نستنشق عبير الإيمان الصافي، ونرتشف مسيرة الأمجاد الخالدة!
ما أعظمَ هذا الموقفَ الإيمانيَّ الجليل!
ما أشرفَ تلك البقاعَ المباركة المقدّسة!
نسأل الله أن يقبل حجَّنا ودعواتِنا الصادقة!
وأن يمنحنا القوّةَ والثبات على درب التقوى والصلاح!