عندما تتشنج الروح: صرخة صامتة في وجه الحياة
بقلم: رانية مرجية
تاريخ النشر: 10/07/25 | 13:57
في لحظة التشنّج، لا تتشنّج العضلات وحدها، بل تتلوّى الأرواح على ناصية الحياة، تصرخ دون صوت، وتنازع دون شهود. هناك، في تلك اللحظة الفاصلة بين أن تكون وأن لا تكون، يُطرح السؤال الأبدي: ماذا أردت أن تقول… ولم تقل؟ وهل الصمت كان خيارك، أم قدرك؟
حين كنت تطلق الروح، عزيزي، لم تصرخ، لم تحتج، لم تلعن الألم، كأنك اقتنعت أن ما يحدث ليس نتيجة اختيارك، بل نتيجة تضليل مستمر بدأ منذ لحظة الميلاد. هل الحياة كما هي، خدعة طويلة؟ هل الألم قدر مفروض علينا، أم نتيجة اختيارات الآخرين الذين أحاطونا بقصصهم الملوثة بالخوف والعار؟
نحن لا نرى الله في صلواتنا بقدر ما نراه عندما نفوز باليانصيب، أو في لحظة نشوة بعد هدف في مباراة، أو حين نفقد كل شيء وننزف بلا توقف. لقد تم تشييء الإله وتحويله إلى مكافأة، إلى نتيجة، لا إلى معنى. هل نفهم الله فقط عندما يدمرنا المرض، أو عندما ينتهي الرجل في وجعه إلى اللاشيء؟
كل إنسان يحمل كأسًا من الحياة. بعض الكؤوس ملأى بالعذوبة، وبعضها ممتلئ بالهذيان. وحدهم من ذاقوا طعم الألم الحقيقي يعرفون أن الحياة لا تعطى، بل تُنتزع. الحياة لا تُهدى، بل تُجرَّع كما يجرّع المريض كأس العلاج المُر. ومع ذلك، وحتى في لحظات التشنج، يبقى هناك هامش ضيق للحقيقة، للحب، للغفران.
ربما لم تقل كل ما أردت قوله، عزيزي، عندما تشنجت، لكنك عشت، اختبرت، لم تكن حياديًا تجاه العالم. ربما لم تكن قديسًا، لكنك لم تكن محايدًا. لأن الحياد خيانة للحياة. أنت، مثلي ومثل الكثيرين، حاولت أن تفهم كيف تستفيد من حياتك، كيف تجعل منها معنى، رغم أن العالم من حولك لا يرحم، وأن الجسد قد يتآكل بسرطانات الصفراء والكلى والكبد، وأن كل ذلك يحصل في صمت، أمامهم، ونحن محرجون من ضعفنا ومن ألمنا، ومن حاجتنا للرحمة.
نعم، لم تصرخ، لكن صمتك كان ناطقًا. لم تكتب وصيتك، لكنك تركت لنا تشنجك الأخير كقصيدة. كتبت بجسدك على جدار الحياة: لقد حاولت، لقد تألمت، لقد فهمت، وغفرت. هذا الصمت وحده، الذي غلفك في النهاية، كان أوضح من كل الكلمات.
وفي النهاية، إذا كنت، في لحظة الرحيل، راجعت حساباتك مع الله، وسامحت نفسك على ما كنت عليه وما لم تكن، فإنك حقًا أغلقت الصفحة بسلام. وهذا هو النصر في زمن الهزيمة، أن تمضي دون ضجيج، بعدما حاولت أن تكون، أن تحب، أن تحيا رغم كل شيء.