قصــــــــّـــةُ أُمٍّ لمْ تكنْ له امًّا

تاريخ النشر: 21/05/12 | 4:04

دخلتْ عليّ في العيادة عجوزٌ في الستينات بصحبة ابنها الثلاثينيّ..

لاحظتُ حرصَه الزائد عليها، فهو يمسك يدها ويُصلح لها عباءتها ويمدُّ لها الأكل والماء..

بعد سؤالي عن المشكلة الصحيّة وطلبِ الفحوصات ..

سألتُه عن حالتها العقليّة لان تصرفاتها لم تكن موزونة ولا ردودها على أسئلتي..

فقال: إنها متخلّفةٌ عقليّا منذ الولادة….

تملّكني الفضولُ فسألته: فمن يرعاها ؟

قال أنا..

قلت: ولكن من يهتم بنظافة ملابسها وبدنها؟

قال: أنا أُدخلُها الحمّام وأحضر ملابسها وانتظرها إلى أن تنتهي، وأصفّف ملابسها في الدولاب، وأضع المتّسخ في الغسيل وأشتري لها الناقص من الملابس!

قلت: ولمَ لا تحضرُ لها خادمةً ؟!

قال: لأن أمّي مسكينةٌ مثل الطفل لا تشتكي وأخاف أن تؤذيها الشغّالة ….

اندهشتُ من كلامه ومقدار برِّه وقلتُ: وهل أنت متزوج؟

قال: نعم الحمدُ لله ولديّ أطفال ..

قلت: إذن زوجتُك ترعى أمَّك؟..

قال: هي ما تقصِّر وهي تطهو الطعام وتقدّمه لها، وقد أحضرتُ لزوجتي خادمةً حتّى تعينها.. ولكن أنا أحرصُ أن آكلَ معها حتّى أطمئنّ على السكّر !….

زاد إعجابي ومسكتُ دمعتي، واختلستُ نظرةً إلى أظافرها فرأيتُها قصيرةً ونظيفة…

قلت: مَن يعتني بأظافرها؟؟

قال: قلتُ لكِ يا دكتورة هي مسكينة ..طبعًا أنا…

نظرتِ الأمُّ له وقالتْ: متى تشتري لي بطاطس ؟؟

قال: أبشري الحين أوديكِ البقالة !

طارتِ الأمُّ من الفرح وقامت تناقز الحين الحين.

التفت الابنُ وقال : والله إني أفرحُ لفرحتِها أكثر من فرحة عيالي الصغار..

سوّيت نفسي أكتب في الملف حتّى ما يبين أنّي متأثرة!

وسألت ما عندها غيرك؟

قال: أنا وحيدُها لانَّ الوالد طلّقها بعد شهر.

قلت: إذن رباك أبوك.

قال: لا جدّتي كانت ترعاني وترعاها وتُوفّيت،الله يرحمها، وعمري عشر سنوات.

قلت: هل رعتك أمُّك في مرضك أو تذكر أنها اهتمت بك؟ أو فرحت لفرحك أو حزنت لحزنك؟؟؟؟؟؟

قال دكتووووورة أمّي مسكييييييييينة طول عمري من عمري عشر سنين وأنا شايل همّها وأخاف عليها وأرعاها.

كتبتُ الوصفة وشرحتُ له الدواء……

مسك يدَ أمِّه وقال: يله الحين البقالة…

قالت: لا نروح مكة …

استغربتُ، قلتُ لها ليه تبغين مكة ؟

قالت: بركب الطيارة !!!

قلت له هي ما عليها حرج لو لم تعتمر ليه توديها وتضيّق على نفسك؟

قال: يمكن الفرحة اللي تفرحها لو وديتها أكثر أجر عند رب العالمين من عُمرتي بدونها.

خرجوا من العيادة وأقفلتُ بابها وقلتُ للممرضة: أحتاج للراحة.

بكيتُ من كل قلبي وقلتُ في نفسي: يفعلُ كلَّ هذا وهي لم تكن له أمًّا..فقط حملتْ وولدتْ، لم تربِّ، لم تسهر الليالي، لم تمرض، لم تدرس، لم تتألم لألمه، لم تبكِ لبكائه، لم يجافِها النومُ خوفًا عليه…لمْ ولم ولم….ومع كلّ ذلك كلّ هذا البِرّ!!

تذكّرتُ أمّي وقارنتُ حالي بحاله ….فكّرتُ بأبنائي ….هل سأجدُ ربعَ هذا البرّ؟؟

مسحتُ دموعي وأكملتُ عيادتي وفي القلب غصّة…

عدت لبيتي وأحببت أن تشاركوني يومي!

” اللهـم ثـبـتـني وأحـسـن خـاتمـتي “

قصّة منقولة

تعليق واحد

  1. ما أروع هذا البرّ بالأمّ الغالية!
    قصّة الابن البارّ جديرة بالاقتداء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة