حب فوق الركام – يصنع في غزة

تاريخ النشر: 16/08/14 | 10:14

تعال – يا حبيبي – اني بانتظارك هنا.. اني قاعدة على على حجارة بيتنا المهدوم.. أشغل نفسي حتى مجيئك..بقراءة كل ما كتبناه من ذكريات،على مدى مشوارنا معا،فهي مسطرة على ركام بيتنا.. لأول مرة – اعرف ان الخراب والدمار، لا يقدر على محو حروف لغة الذكريات.. ولا يقوى ان يشتت نسيج الاحلام.. فهي هنا أمامي..مبعثرة..كما بنيناها..فلم يكن لها نظام كوني..أو تناسق منطقي..!
كل ما بنيناه.. يا حبيبي – بدموع الامل والفرح، تحول الى جزء من الرلكام الذي يحيط بي.. كل اشيائنا التي ” اغتصبناها ” من الزمن القاسي، تزعق من تحت التراب..كل ما سقيناه بدموعنا، واعطيناه الحياة.. من حياتنا يستغيث من تحت الانقاض،ينادي صارخا :” أنا أستحق الحياة..أنا أستحق الحياة..!!”
لماذا لم تحضر حتى ألآن..!؟ ألا تقدر على سماع قصائد الأنفاس الأخيرة..!؟ ألاتقدر ان تتنفس نسمات الوداع المقتول..!؟
ألا تريد ان تستمع الى حكاية بدلة خطبتي اليك..!؟
وسألتني يومها :
– هل هذه البدلة التي اخترناها..!؟ سألتني والدهشة تغزو صحيفة وجهك.
بالطبع يا حبيبي..! أجبتك محاولة أخفاء ” كذبتي ” الصغيرة.
وأخفيت عنك انني رجعت الى المحل واسستبدلتها ببدلة أغلى، لأرحمك من دفع ” فرقية الثمن.! “.
ها هي تطل بوجهها المخنوق من تحت الركام.. انك لا تعرف –يا مهند – اني اعتدت على اخراجها كل
شهر،من بين فساتيني، لتحكي لي للمرة ألألف حكاية خطبتنا. وأولهاعندما دنوت مني لتنبادل خواتم الخطبة،عبقت منك انفاس البارود وأريج الخنادق.. عبثا حاولت ان تمحوها، من مسامات جسمك.. ومن زبد انفاسك..
وتحت الركام، البوم صور حياتي وحياتك..وحياتنا معا،كل صورة فيه ترسم أحاسيسنا بالالوان،وكل صورة تروي قصة محطة من محطات عبرناها..تذكرنا بالذي كان.. وتخفي الذي سيكون.
البومنا – يا حبيبي – يحمل صور كثيرة،ولكن صورة واحدة دائما ترافقني..الصورة التي التقطها لك، وأنت تغني لي، في عيد زواجنا الاول، والذي احتفلنا به لوحدنا، ولم يشاركنا به أحد، والذي وصلت فيه الى قمم من الفرح والسعادة،لم تصلها من قبل، واعترفت يومها انك تهوى الغناء سرا، ولم تسمعه لأحد قبلي..!
.. ان هنا قاعدة وحدي على ركام بيتي.. لا أحد حولي.. لا من ” ونيس ” لي الا أشيائي التي تختنق تحت الركام..هل تكاثر أكوام الهدم والدمار، أصبح أكثر من قدرة المغيثين..!؟ام ان دمار بيتنا ضاع بين انقاض ما هدم من قبله ومن بعده..!؟.. حتى انت – يا حبيبي – ضعت مني بين سراديب الخنادق المعتمة والانفاق التي بلآ نهاية.
لا تسألني – عندما نلتقي – لماذا لم تبك..لم تصرخي..لم تزعقي على انقاض بيتك.. أنك لن تحصل
مني على أجابة تغيث اندهاشك المكسور.. لأني – ببساطة – لا أدري.. لاأدري..!!ربما تعودنا على الصمت،لنستطيع سماع انات المدفونين تحت الأنقاض..!
.. وجعبة رسائلك ألي تستغيث من تحت الركام.. تحمل في رحمها ميلاد حبنا..وكانت رسالتك الأولى ألي :
” لم أعد أقدر ان أخفي مشاعري نحوك،بين طيات جوارحي.. هل من رجع لصداها لديك..!؟ ” أرسلتها مع صديقتي..أختك..!
لم أكن أحلم ان أقع في حب شاب يقضي أيامه، يتنقل من خندق الى خندق.. ومن شفى الموت الى شفى الموت..من نزيف الجرح الى نزيف الجراح..!! ولكني سرعان ما أدمنت حبك..وبنينا حبنا تحت وابل من الانفجارات والقصف والدمار ومرارة الحصار.. ولكن كان “موشى “بلحظات من الانتصارات والفرح المسروق.. وسرقني حبك الى ميادين المقاومة..وتضميد الجراح..!
وكان البيت الذي سيأوينا، عائقا أمام تحقيق زواجنا.. فلم تكن تملك الا سلاحك، وباقة من الاحلام،وحزمة من أغصان الحب الطرية..قترك رفاقق خنادقهم وانفاقهم للحظات، وشمروا عن سواعدهم
السمر، وحولوا قطعة الارض التي ورثتها عن ابيك الشهيد، الى الورشة عمل، ” وصنعوا” منها عشا صغيرا يحتضن زواجنا.
ان انشغالي بنشل جثث الشهداء والجرحى، حال دون تسلل فكرة امكانية،اغتيال بيتنا من قبل قاصفات القنابل..كانت ثوان تفصل بين خروجي منه، متوجهة الى المستشفى الذي أعمل فيه، وبين الدوي الذي صفع أسماعي، وهز كياني، واوقعني أرضا، رفعت جسمي عن الارض، بعد ان ابتعد هدير الطائرة، ووجهت أنظاري المرعوبة صوب بيتي، فوجدته يغوص في بحر من الد خان المتعالي الى أعالي السماء..!!
أني أعرف ماذا ستقول عندما تاتي الى هنا.. الى بيتنا المصلوب على زعقات الخراب.. الى صرخات احلامنا الموءدة من تحت الأنقاض ستناديني قائلا :
” تعالي لننشل ألبوم صور حبنا، ونمسح عنه غبارالهدم، ونضيف اليه صورا جديده.. صورنا ونحن نبنيه من جديد..تعالي لنخرج رسائل حبنا ونقرأها قراءة جديدة.. تعالي لنغسل بدلة فرحنا، لتلبسيه في حفلة اعمارنا لبيتنا..! “.
أعرف أي انسان أنت.. ان رأسك صلب كهذه الصخور المتناثره أمامي.. لاتعرف اليأس او المستحيل..
ودائما بعد كل ” كبوة ” تمسح جراحي وجرح كل من معك، وتستمر بالمسير..!
وعندما تصل سأبشرك – أنهم اتصلوا بي من العيادة ليزفوا لي الخبر ” اني حامل..!! ” اتصلوا بي وأنا هنا
قاعدة على ركام بيتنا المهدوم..!

يوسف جمال – عرعرة

jmal-yosf2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة