أسرى غزة بعد 7 أكتوبر [*]
حسن عبادي (بروكسل/ حيفا)
تاريخ النشر: 17/06/24 | 12:45بدايةً؛ الرحمة والسكينة لعشرات آلاف الشهداء الأبرياء إثر العدوان الغاشم على غزة، وخاصة شهداء الحركة الأسيرة وآخرهم شهيد سديه تيمان، محمد نافذ الكحلوت.
منذ بدء حرب الإبادة المستمرة في غزة، تم اعتقال الآلاف من غزة، وأهم ما ميّز تلك الاعتقالات عشوائيّتها، فتم الاعتقال عن “باب وجِه” إن صحّ التعبير، دون أن يكون المعتقل مستهدفاً أبداً، ودون معلومات استخباريّة أو أدلّة، بل وسيلة انتقاميّة وأخرى من باب التصيّد (fishing) لمحاولة الوصول لمعلومات أمنيّة وغيرها، كما رأينا الحال في اعتقال مئات الأسيرات التي تم تحرّرهن دون توجيه أيّة تهمة لهن أو محاكمتهن، وكذلك الحال مع المئات من المعتقلين الغزيين.
طبّقت سلطات الاحتلال على هؤلاء المعتقلين صفة المقاتلين غير الشرعيين لحرمانهم من الحقوق الأساسية التي تنصّ عليها القوانين والأعراف الدوليّة. بعد أن قامت باعتقالهم/ أو الأصح اختطافهم من الشوارع والبيوت والمستشفيات، وإخضاعهم لتحقيق ميدانيّ مُهين، وتعريتهم، وتعصيب العينين، وضربهم وقرفصتهم، ومن ثم اقتيادهم إلى معسكر (سديه تيمان) (غوانتانامو الإسرائيلي) كمحطة أولى، واحتجاز المئات منهم في كلّ بَرَكس مؤقت أُقيم للتوّ (حوالي 15 بركساً) في العراء دون أيّة مقوّمات معيشيّة أساسيّة؛ أشبه بحظائر الحيوانات، دون أسرّة أو أية مقوّمات معيشيّة، وبعد عشرات الأيام، تفرج عنهم أو تنقلهم إلى معسكر عناتوت أو سجن عوفر أو النقب وغيرها.
مورست ضدّهم شتى وسائل التعذيب الوحشيّة؛ التقييد في الأصفاد بشكل دائم، 24 ساعة متواصلة، وتقييدهم بالأيدي والأرجل والأصفاد المدمّجة لأيام معدودة مما أدى لبترها، وإجبارهم على الجلوس المنتظم دون حراك، معصوبو الأعين كلّ الوقت، وكذلك الضرب المبرِح بالأيدي والركل بالأرجل وبأعقاب البنادق في كلّ أجزاء الجسم، استعمال الكلاب البوليسية كوسيلة تعذيب، والصدمات الكهربائية حتى فقدان الوعي أحياناً، الرش بغاز الفلفل وغيره، ناهيك عن التجويع، والتعطيش، والتبريد، وحرمانهم من الملابس الداخلية أو الغيارات، إذ يبقى الأسير بملابسه نفسها لأسابيع عديدة، وكذلك حرمانهم من الحمام؛ مما اضطر العديد منهم للتبوّل في ملابسه، وإجبارهم على لبس الحفّاظات ساعة التحقيق فقط، وحرمانهم من النوم.
وكذلك الأمر بالنسبة للإهمال الطبي المتعمّد ومنع العلاج للأسرى المرضى وحرمانهم من أيّة أدوية، وخاصة مرضى السكّري والضغط، وباتت حبّة الأكامول الدواء الوحيد لكلّ الأمراض، وإجراء عمليّات جراحيّة دون تخدير؛ (واليوم شاهدنا عبر شاشات التلفزيون عشرات الأسرى الذين أُطلق سراحهم وأوضاعهم الصحيّة متدهورة، ناهيك عن أوضاعهم النفسيّة، حدّث ولا حرج).
وكسر الأيدي والأرجل وبترها أحياناً، والاعتداءات الجنسيّة المتكرّرة وروى بعض المعتقلين تفاصيل لاعتداءات جنسية بشعة تعرضوا لها في مركز التعذيب، وكذلك الشتائم كلّ الوقت، شخصيّة وللذات الإلهيّة عدا التهديد بالموت.
وسيلة تعذيبيّة أخرى هي إجبار الأسرى على إنشاد أناشيد عبريّة تمجّد الاحتلال ومنها “هتِكفا” و”عم يسرائيل حاي”، وإجبارهم على شتم الذات الإلهية والمقاومة وقادتها وبالأخص “الموت للسنوار”. فالتعذيب جسدي ونفسي في آن واحد.
ومن الناحية الأخرى، يقف الجنود للمراقبة عبر السياج والاهتمام بمنعهم من الوقوف والحركة والنوم ويمنعونهم من التحدث بصوت عال، وتعمّد الاحتلال إبقاء المعتقلين من غزة رهن الإخفاء القسري، دون أيّة معلومة حول الأسرى، وحتى حجب أمر اعتقالهم أو مكان الاعتقال، ورفض السماح للصليب الأحمر والجمعيات الحقوقية للاطلاع على أوضاعهم. ناهيك عن منع الزيارات والتواصل مع الأهالي، ومنع لقاء المحامين، وحرمانهم من التواصل مع العالم الخارجي.
ومن جهة أخرى شاعت ظاهرة جديدة وهي نشر الجنود الذين خدموا في معسكر سديه تيمان وغيره لآلاف الأفلام التي يتفاخرون فيها بضرب المحتجزين وتعذيبهم والتنكيل بهم، أو تصويرهم ينشدون الأناشيد العبريّة التي تمجّد الاحتلال و/أو يشتمون الذات الإلهيّة و/أو المقاومة وقادتها.
وفي التماس قدّمته جمعيات حقوقية إسرائيلية للمحكمة العليا الإسرائيلية للمطالبة بإغلاق فوري لمعسكر سديه تيمان، بسبب ما يتعرض له الأسرى من “تعذيب وحشي ممنهج”، جاء فيه “أن المعتقلين يتعرضون للصعق الكهربائي والتهديد بالكلاب والضرب وتقييد الأطراف بصورة دائمة ومتواصلة والحرمان من قضاء الحاجة”، إضافة إلى أن “هناك أدلة بشأن إجراء عمليات جراحية في المعتقل من دون تخدير، واحتجاز المعتقلين لأيام في أوضاع قاسية وتكبيل أطرافهم بصورة أدت إلى بتر الأعضاء”.
الحريّة لأسرى الحريّة.
[*] مشاركتي في ندوة اللجنة القانونية للتحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين بعنوان “إضاءات حول قرارات المحاكم الدولية-موقع أسرى غزة” يوم الأربعاء 12.06.2024.