ماذا تحقّق لنا الكتابة؟

د.محمود ابو فنه

تاريخ النشر: 04/05/24 | 11:02

مع ظهور الحاسوب وشيوع استخدام الشّبكة العنكبوتيّة، ومع تعدّد وسائط التّواصل الاجتماعيّ، يُقبل النّاس على ارتياد المواقع العديدة، واستخدام وسائط التّواصل، يقرأون ويشاهدون ما يُنشر، ويمارسون كتابة التّعليقات وردود الفعل حول ذلك.
طبعًا، ليس كلُّ من كتب تعليقًا أو ردّ فعل يُصبح كاتبًا أو أديبًا مبدعُا؛ لأنّ الإبداع يحتاج أوّلًا إلى الموهبة الفطريّة، ويحتاج ثانيّا إلى صقل تلك الموهبة بالمطالعة والممارسة والمران …
ومع ذلك، أخذت أعدادٌ متزايدة من النّاس “تُدمن” على الإبحار في الإنترنت، وتمارس كتابة التّعقيبات وردود الفعل حول المقروء والمشاهد!
كذلك، إنّ سهولة استعمال هذه الوسائل الحديثة، وسهولة الطّباعة والنّشر فيها، حفّز الكثيرين على تعاطي الكتابة في الألوان الكتابيّة المتنوّعة، مثل: المقال، الخاطرة، القصّة، القصيدة وغيرها.
ولكن الكثير من تلك النّصوص الأدبيّة المنشورة، مع الأسف، لا يرقى لمستوى الأدب الفنّيّ الجيّد، ونحن بحاجة إلى حركة نقديّة جادّة تميّز بين الغثّ والسّمين، وتشير إلى الجوانب المضيئة النّاجحة في الأعمال الأدبيّة المنشورة، والأهمّ هو تسليط الأضواء على الجوانب المعتمة، وعلى القصور والخلل في تلك النّصوص!
وبما أنّني، في السّنوات الأخيرة، وبعد خروجي للتّقاعد من جهاز التّربية والتّعليم، أصبحتُ ضمن الأشخاص الّذين يُقبلون على الكتابة والقراءة بصورة مكثّفة، رحتُ أتساءل:
ما هي الدّوافع الّتي تحفّزني وتحفّز الآخرين على الكتابة؟
وما هي الغايات والأهداف الّتي تتحقّق من هذا “التّهافت”؟
لاستجلاء الصّورة حاولتُ استقراءَ سيرٍ ذاتيّةٍ كتبها كتّابٌ وأدباء تطرّقوا فيها إلى دوافعهم للكتابة، والغايات الّتي يحقّقونها من ذلك، وفيما يلي بعضها:
تقول الأديبة ليلى العثمان من الكويت في كتابها “المحاكمة”:
” وظلّت الكتابة والقراءة الوسيلةَ المثلى للتّحرّر من عفونات التّفكير. خلاصي أنْ أكتب”. – (المحاكمة، ص 156)
ويحلو لليلى العثمان أنْ تقتبس ما كتبه الأديب ألبيرتو مورافيا الّذي قال:
“الأديب لا يموت؛ إذ أنّ الكتابة نوعٌ من كبحِ الموت!” (م. ن. ص 159)
وتضيف ليلى العثمان حول تجربتها في كتابة الأدب فتقول:
“قرّرتُ أكتُب.. الكتابةُ وحدَها مخرجي من مضائق التّفكير، هي مُنقذي الوحيد من كلّ الضّغوطات الهارسة وقتي وأعصابي. ما مهنةُ الكاتبِ إذنْ إنْ لم يوظّف تجاربَه المؤلمة ويُبدعها أدبًا” – (م. ن. ص 200)
أمّا الأديبة الطّبيبة السّوريّة هيفاء البيطار فتحدّثت – في حوار معها نشر في الإنترنت – عن رأيها في الكتابة وقالت:
“الكتابة عملٌ ثوريٌّ تساهمُ في تغيير المجتمع، فأنا لا أكتبُ الإنشاء، ولا أصفُ الطّبيعةَ، أنا أؤدّي رسالة من خلال كتاباتي…”.
أمّا الكاتبة الطّبيبة المصريّة نوال سعداوي فقد كتبت في سيرتها الذّاتيّة:
“.. الكتابة عندي كانت ضروريّة مثل التّنفّس” – (أوراقي … حياتي، الجزء الأوّل. ص 45)
وفي موقع آخر تُشيد د. نوال السّعداوي بدور الكتابة في حياتها فتقول:
“كانت الكتابةُ منذُ طفولتي هي ملاذي الوحيد؛ أهرب إليها من الأمّ والأب والعريس، وبقيت الكتابة في كهولتي أيضًا الملاذ الوحيد أو الأخير، التّصالح الممتع من خلال الكتابة مع الماضي والحاضر، مع كلّ ما أصابني في الوطن من جراح”. – (م. ن. ص 313)
وتؤكّد نوال السّعداوي على أهميّة الكتابة فتقول:
“.. لا شيء يقهرُ الموتَ مثل الكتابة”. – (أوراقي … حياتي، الجزء الثّاني. ص7)
ومن جديد تُعلي د. نوال السعداوي من قيمة الكتابة فتقول:
“الكتابةُ عندي أعزُّ ما أملك. الماء والهواء والكتابة، ثلاثةُ عناصر ضروريّة للحياة. أنا أكتب إذن أنا موجودة..” – (أوراقي … حياتي، الجزء الثّالث. ص 102)
أمّا الأديب الفلسطينيّ جبرا إبراهيم جبرا فكتب في سيرته الذّاتيّة:
“ما زلتُ أصارعُ تلك الحمّى الرّهيبة، حمّى الكتابة منذ مراهقتي..” – (شارع الأميرات. ص76)
وجبرا، يؤكّد، مثل د. نوال السّعداوي، على أهمّيّة الكتابة ودورها في حياته فيقول:
“وبالنسبة إليّ، كانت الكتابةُ، مع الرّسم أحيانًا، ضروريّة ضرورة الحبّ، ضرورة الصّداقات، ضرورة الماء والخبز” – (م. ن. ص 266)
وتحدّثنا الأديبة الشّاعرة الفلسطينيّة فدوى طوقان في سيرتها الذّاتيّة عن دور القراءة والكتابة في انتشالها من براثن الوحدة والمعاناة فتقول:
“وظلّ عالمُ كتبي وأوراقي وأقلامي يُمدّني بالقوّة، ويساعدني على التّماسك وتثبيت القدمين على الأرض المهزوزة تحتهما” – (رحلة جبليّة رحلة صعبة. ص99)
وهذا الأديب الشّاعر ميخائيل نعيمة الّذي كرّس حياته للكتابة والإبداع – رافضًا فكرة الزّواج – يذكر أكثر من مرّة موقفه من القراءة والكتابة في سيرته الذّاتيّة فيقول:
“.. الكتاب والقلم باتا من زمان ضروريّين في حياتي لا أستطيع العيشَ بدونهما؛ إذ أنّني منهما أطلُّ على عالمٍ أرحب بكثير من ذلك الّذي كنتُ أدور فيه بجسدي، ولولاهما لاختنقتُ” – (سبعون، المرحلة الأولى. ص268)
ويمكن إجمال الدّوافع للكتابة والغايات المنشودة منها كما انعكست في الاقتباسات المذكورة كما يلي:
– الكتابة تمنح أصحابَها ملاذًا ومتنفّسًا للتّحرّر من الإحباط والمعاناة والغبن، وتشحنهم بطاقة للصّمود والثّبات.
– يجد فيها أصحابُها نوعًا من “الخلود” والاستمراريّة بعد انتقالهم للعالم الآخر.
– تؤدّي الكتابة رسالة نبيلة لإحداث تغيير إيجابيّ لدى الأفراد والشّعوب لتحقيق حياة أفضل.
– تُشبعُ الكتابةُ لمتعاطيها حاجات نفسيّة أساسيّة، تمامًا كالحاجات المادّيّة الضّروريّة للحياة.
وأختتم هذه العرض بتوجيه السّؤال للقرّاء المولعين في الكتابة:
ما هي دوافعكم للإقبال على الكتابة؟ وما هي الغايات الّتي ترجُون تحقيقها منها؟!

المصادر/المراجع:
إبراهيم، جبرا – شارع الأميرات. دار الآداب، ط1، بيروت 2009.
إبراهيم، نحمدو – هيفاء البيطار: الكتابة شهادة.. والحياة حقل تجارب، عكاظ، أكتوبر2007.
سعداوي، نوال – أوراقي … حياتي. الجزء الأوّل. مدبولي. ط2، القاهرة 2006.
سعداوي، نوال – أوراقي … حياتي. الجزء الثّاني. دار الآداب، ط7، بيروت 2005.
طوقان، فدوى – رحلة جبليّة رحلة صعبة. الشّروق. عمان، 2005.
العثمان، ليلى – المحاكمة. دار المدى للثّقافة والنّشر. ط1، سوريا 2000.
نعيمة، ميخائيل – سبعون. (ثلاثة أجزاء). دار صادر. ط3، بيروت 1967.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة