القيمة وأهميتها الإقتصادية عند ماركس!

د. ادم عربي

تاريخ النشر: 17/09/23 | 22:24

في كتابه رأس المال حلل ماركس بعلمية وعمق النظام الاقتصادي الرأسمالي وآلية عمله، وإنْ تحدث باختصار عن الصنمية السلعية وبين منطقها الاقتصادي المتداعي والمتهافت، إلّا أنه استرسل في ظاهرة الوثنية السلعية، ولعلَّ ما حمله على ذلك سوء فهم الناس للذهب ، فهذا المعدن الغالي الثمن، وبجزء قليل منه تشتري سلع كثيرة كان ينظر إليه أنه يستمد قيمته من صفاته الطبيعية، فهو غالي لأنه ذهب .

قديماً تفتقتْ لدى أحد الكيميائين فكرة طموحة ، فقد اعتقد أنه بطريقة ما يمكن أنْ يُحولَ الرصاص إلى ذهب ، ولا أعرف لماذا اختار الرصاص ولم يختر الحديد ، فقد توهم أنَّ النجاح في سعيه هذا سيجلب له ثراءاً قارونياً ، لكنَّه سرعان ما اكتشف الحماقة في فكرته الذكية هذه ، فتسائل أحد الحكماء ضد فكرته قائلاً ” فهل الذهب يبقى ذهباً إذا حولنا كل ما لدينا من رصاص إلى ذهب؟” .

لقد تصوروا الذهب الأصفر والذي لا يتغير لونه مهما طال به الزمن ، لقد تخيلوه أنه يستمد قيمته من نفسه ، فالذهب صنم يستمد قيمته من كونه ذهبا ، جاهلين أنَّ الذهب لا يختلف عن سائر المعادن إلاَّ في اشتماله على مقدار أكبر من العمل ، فالذهب يحتاج وقت عمل كبير لاستخراجه ولذلك قيمته التبادلية عالية مقارنة بغيره من المعادن .

ومع خروج الذهب كعملة من السوق ليحل محله الأوراق النقدية ، تعززت ظاهرة الصنمية الاقتصادية وهبطتْ معه عقلية الاستثمار وغرقتْ في الخرافة والوهم ، فالأصنام المصنوعة من ذهب حلَّ محلها نوع آخر من الأصنام وهي الأصنام المصنوعة من ورق ، واستبدتْ في عقول المستثمرين فكرة أنَّ المال يلد مالاً من جنسه ، ولو سألت أي مستثمر عن كيفية الاستثمار لأجابك بكلِّ بساطة ، إنة كومة من الاوراق أشتري بها أوراق أخرى حسب قانون العرض والطلب وأحقق أرباحاً من الفرق بين سعري الشراء والبيع ، وتنمو ثروتي وتتراكم فالمال يلد مالاً من خلال لعبة الاستثمار في أسواق المال .

لقد ارتدَّ المستثمرون عن الاقتصاد الحقيقي خالق الثروة وهو العمل ، ولا شيء غير العمل خالق للثروة ، واستبدلوه بدين جديد أشبه ما يكون للشعوذة والسحر ، فهذا المال يلد مالاً ويتكاثر كما يتكاثر البشر .

لكن لنحلل الاستثمار في الأوراق المالية الديانة الجديدة للاستثمار ، ولنفرض أنَّ مستثمراً استثمر في نشاطه هذا مليون دولار وربح في نهاية المطاف نصف مليون دولار ، فأصبح يملك مليون ونصف المليون من الدولارات ، لكن هناك في الطرف الآخر مستثمر آخر لا بدَّ أنه خسر نصف مليون ، فما ربحه المستثمر الأول هو مقدار خسارة المستثمر الثاني ، بهذا المعنى يمكننا الحديث عن الأرباح في الأسواق المالية ولننظر بعيوم لا يغشاها الوهم لحجم الاستثمار في مثالنا هذا وقد كان مليونين اثنين من الدولارات ، هذا المبلغ الاستثماري! هل أضاف للثروة الوطنية مليما واحداً؟ كلا لم يضف شيئاً بل بقي كما هو مليونان اثنان من الدولارات ، لكن لو جئنا بهذا المبلغ والذي كان في مثالنا مليونان اثنان من الدولارات ، واشترينا أدوات وآلات وفتحنا مصنعاً ووظفنا فيه عدد من العمال ، فإنَّ هذا المبلغ لن يبقى مليونان اثنان من الدولارات ، بل سيصبح ثلاثة ملايين من الدولارات ، وبهذه الطريقة وحسب يصبح ممكناً جَعْل المال وسيلةً لتنمية الثروة الحقيقية للمجتمع، إنَّ الاقتصاد المنتج للسلع هو وحده الاقتصاد الحقيقي ومن خلاله تتحول الثروة الورقية إلى ثروة حقيقية .

وما نعيشه اليوم هو تعاظم انفصال الاقتصاد الورقي عن الاقتصاد الصحيح والحقيقي ، فجميع الأنشطة الاقتصادية والأموال تُضخ في الأسواق المالية والأسهم والسندات ، والنتيجة الحتمية لذلك مزيداً من أسباب الهلاك للمجتمع ، فلا ينجو من أزمة مالية إلّا ليقع بأشد منها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة