رِفقًا بكِبار السِّن

تاريخ النشر: 18/05/20 | 13:14

زهير عزيز دعيم
تناقلت بالامس القريب وسائل الاعلام خبرًا صاعقًا مفاده : أنّ رجلا في الاربعين من عمره جرح أباه الهرِم (90 عامًا) جروحًا خطيرة ، لأنه طلب منه ان يُخفض صوت الموسيقى الصاخبة المنبعثة من غرفته ، وأنّ شابًّا آخر نكّل بأمه ( 83عامًا) لمدة ثلاث سنوات ، وأطفأ السجائر على جسدها !!!
يا سلام ويا الف سلام !
سدوم وعمورة أضحت عندنا ..يا مرحبا يا مرحبا.
كانت أمّي المرحومة تقول – وفي حالات أقلّ قسوة -: “الدّنيا على آخِر وقت”
ويقول الربّ يسوع انه في نهاية الأيام :” لكثرة الإثم تبرد المحبّة ”
أيمكن ان يكون اثمٌ أكثر من هذا؟
وهل يمكن ان يضحيَ الانسان وحشًا يفترس اهل بيته وذويه؟.
الجواب بسيط : نعم.
فها نحن نعيش قبل وبعد الكورونا ” القطيعة” فالاخ لا يحضر عرس اخيه او ابن أخيه، ولا يشارك في جنازة والده. والأبن يُنكّل بأبيه وامّه ..
كلّ هذا والضّمير غافٍ ، صامت، ميت ، في حين يمرّ المجتمع وكل مجتمع مرّ الكرام ، وكأنّ شيئًا لم يحدث.
فما عاد هذا الحدث او ما شابهه خاصًّا ، محصورًا في فئة مارقة وقليلة ، بل أضحى عامًّا، مُتكرّرًا متداولًا بل ومقبولًا.
أترانا وصلنا الى النهاية؟!
لست ادري؟
ولكنني ادري ان الربّ يسوع كان خاضعًا لوالديه.
وعندما كان معلّقًا على الصّليب لم ينس والدته فأوصى تلميذه الحبيب يوحنا بها قائلاً له أن يأخذ امه، فأخذها التلميذ الى خاصته .
وأدري ان الله دعانا في وصاياه قائلا:
1أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِي الرَّبِّ لأَنَّ هذَا حَقٌّ. 2«أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ»، الَّتِي هِيَ أَوَّلُ وَصِيَّةٍ بِوَعْدٍ، 3«لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ». 4وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ، لاَ تُغِيظُوا أَوْلاَدَكُمْ، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ.
أعلم وأدري ويعلمون ويدرون ، ولكن لا حياة لمن تنادي! فالدّين أضحى في هذه الايام عند الكثيرين تقليدًا وقشورًا و…” شوفوني يا ناس !!”
فأنا أصوم امام الناس لا امام الله.
وأصلّي أمام الجميع لكي يقولوا : ما اعظم تقواه !..وفي الدّاخل كما القبور المُكلّسة عظام و…
ضرب اباه…نكّل بأمّه …كلمات جارحة ، قاسية ، ظالمة لا يتحملها الورق ولا الحبر .
الى اين وصل البشر؟
وأين الشهامة في ان “نرمي” أبانا او امنا او جدودنا في ملجأ ولا نزورهم الا في السّنة مرة و” رفع عتَب”؟.
أين الشهامة في ان نحرم جدًّا او جدة من الحفداء والدفء العائليّ، ومن جلسة هانئة بين أفراد العائلة تطرب لها نفس الهرِم وترتاح؟
لست ضدّ الملجأ والملاجىء، ولكنني لست ايضًا من ” المحروقين” عليه كما تقول العامّة.
ففي الملاجىء انسلاخ وحرمان ، رغم ما يقومون به من رعاية واهتمام . وقد رأينا وشاهدنا ذلك في زمن الوبأ فالكثير من الموتى كانوا من ملاجىء العجزة.
نعم حرمان وغربة …فأنت لو سألت صاحب الملجأ ( وليكن على مستوى 7 نجوم) اتريد ان تقضي ايامك وسنواتك الاخيرة في الملجأ لأجابك بالسّلب..
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة :
ماذا سيكون حال شيوخنا ، لو لم تكن في البلاد وفي الكثير من دول العالَم مُخصّصات شهرية تُصرف لهم وتسدّ الرَّمَق؟
أيّ ذُلّ سيصيب هذا الشيخ لو ظلّ تحت رحمة الفُتات المتساقط من مائدة الابن والكَنّة .
أنا لا أعمّم ، ولكن الحاضر والشواهد تُدخل اليأس والاحباط الى النفوس، وتُلوّنها بالأسود الفاحم.
أترانا في آخِر الأيام؟!! …لستّ أدري!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة