كيف تسرّبت السنون من بين أصابعنا؟!

تاريخ النشر: 14/03/15 | 9:45

(كلمة في تكريم صديق العمر خالد عرباسي)
(نحن أبناء حارة واحدة ومواليد نفس السنّة، فنشأنا وترعرعنا وتعلّمنا معًا من الصف الأوّل الابتدائيّ وحتى الصف الثاني عشر!)
بالأمسِ القريب كنّا أطفالا نجري حفاةً في أزقّة بلدتي!
وكم كنّا نجري صوب وادينا في موسم الشتاء الماطر، نسدّ المجرى بالحجارة فترتفع المياه لتشكّل لنا غديرًا نسبحُ فيه بسعادة وفرح!
وأذكر، وكيف أنسى مقاعد الدراسة؛ تلك “البنوك” المهترئة التي جلسنا عليها نتلقّى الدروس
من معلّمينا الأفاضل!
وأذكر دروس المحفوظات وإلقاء القصائد بأصواتنا القويّة الحادّة المرتفعة!
وأذكر، وكيف أنسى المباريات الشعرية الممتعة المثرية التي عرّفتنا بالشعر والقوافي!
وتقدّمت بنا السنون، أنهينا المرحلة الابتدائيّة في بلدتنا العامرة كفر قرع وقرّرنا مواصلة الدراسة خارج القرية في المدرسة الثانوية في الطيرة.
وجاء يوم “الرحيل” إلى طيرة بني صعب، كنّا معًا، وسكنّا معًا سنة كاملة عرفت المدّ والجزر في علاقتنا البريئة!
وواصلنا الرحلة، وتوثّقت عرى المودّة والصداقة أيّام الدراسة الثانويّة.
أذكر كيف كنّا ندرس معًا لامتحانات البجروت، كانت لنا ذاكرة فولاذيّة لم تعرف صدأ السنين ولا عِبءَ تراكم المعلومات!
كم مرّة خرجنا للطبيعة النقيّة الخالية من التلوّث، وهناك بين حقول القمح، أو على بيادر الخير
خزّنّا المعلومات في الرؤوس لنسكبها يوم الامتحان!
والحمدُ لله، حالفنا النجاح، وسار كلّ واحدٍ في طريقه، ولكن لم تكن الطرق متوازية، تقاطعت مساراتنا وتشابكت وتداخلت في أكثرَ من محطّة، وتعمّق بيننا التواصل وتجذّر!
ثمّ بنى كلّ منّا عُشّ الزوجيّة، ووفّقنا الباري بالأسرة المتحابّة والأبناء البارّين، ثمّ بالأحفاد الواعدين!
لكنّك، أيّها الصديق الوفيّ، “تفوّقت” عليّ بأنّ الله رزقك ببنت حانية وأنا رزقت بالأبناء الذكور فقط!!
ومع ذلك، بيننا أكثرُ من قاسمٍ مشترك، لدينا عشقُ الكلمة الجميلة، والحكمة البليغة، وحبُّ العطاء والإبداع، وفي هذا السياق أسمح لنفسي أن أقتبس بعضًا ممّا كتبتُه في تقديم كتابك الأوّل “همسات”:
“أعترف أنّ “همسات” الصديق خالد عرباسي شدّتني لقراءتها لما فيها من صدق العاطفة، وأصالة الفكر، وعمق الحكمة، ونبل الرسالة، ورشاقة الأسلوب الذي يقترب كثيرًا من الشعر الجميل!
تعكس هذه الهمسات النابعةُ من القلب روحًا ملتزمة مؤمنة حائرة تتوق لواقع آخر، وتبحث عن الخلاص؛ فهو، أي الصديق المحتفى به، أحيانًا صاحب رسالة إنسانية يدعو للحريّة والعدل والتآخي والسلام.
وأحيانًا تطغى عليه المشاعر الوطنيّة القوميّة، فيتماهى مع قضايا شعبه وأمّته، ويدعو للتمسك بالجذور والأرض، ويهيم في عشق تراب الوطن الغالي، ويثور على الظلم والخنوع، ويدعو لقيم الإيثار والبذل لتحقيق الحقوق المشروعة العادلة، ويحاول العودة إلى الماضي المجيد ليستلهم منه القوّة والعزيمة على الصمود والانطلاق للتغيير المنشود، ولا ينسى الحكامَ العرب وتقاعسَهم واستبدادَهم وتبعيّتَهم للآخرين!
وأحيانًا يكون ذلك الأبَ والجدّ الحاني على الأسرة والأبناء والأحفاد، فهو يكافح ويضحّي ويحرق شمعة العمر – التي طالما تمنّى أن تظلّ منيرة مشتعلة – ليواصل مشوار العطاء في رعايتهم وإسعادهم!
وأحيانًا هو المعلّم المحبّ لطلابه الذين يبادلونه الحبّ والاحترام، فيقدّم له عصارة فكره، ويزوّدهم بالقيم الحميدة، لتنشأ أجيالُ المستقبل الزاهر المشرق!
لكن لا تخلو هذه الهمسات، أحيانًا، من مشاعر الإحباط واليأس والانكفاء على الذات أمام الواقع المرير المزيّف، فيثور على الأقنعة وعلى فقدان الضمير وعلى الكذب والنفاق والرذيلة، ويدعو للصراحة والصدق والفضيلة!
ورغم مشاعر الغربة والاغتراب التي نلمسها في بعض الهمسات، إلا أنّ الصديق الكاتب مؤمن بحتميّة انتصار الخير والفضيلة وبزوغ فجر جديد مشرق”.
وختمتُ ذلك التقديمَ قائلا:
أبارك هذا الإبداع المميّز، وأهيب بالصديق الكاتب أن يعود لمواصلة هذه الكتابة المشوّقة الممتعة المجدية!”

واليوم، أراك، أيّها الصديقُ الغالي الوفيّ، كما عرفتُك، مؤمنًا صابرًا، محدّثا لبقًا، قاصًّا بارعا، وأبًا وجدّا محبّا للخير والعطاء!
وأقول لك من قلب محبّ:
ما زال قِنديلُك يطفحُ بزيت الصبر والنور!!
لا تبخل بنورك الدافئ على الأهل والأصدقاء وعشاق الكلمة الدالّة الجميلة المؤثّرة!
فنحن، الأهلَ والاصدقاءَ والمحبّين، لا نملكُ إلّا الرجاء، والدعاء الصادق أن يرعاك الباري في علاه،
ويمنحَك الصحةَ والإرادةَ والأملَ لتواصلَ مسيرةَ الإشعاع والعطاء!

والسلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه
د. محمود ابو فنه
كفر قرع – 13.3.2015

01

02

تعليق واحد

  1. كل الاحترام كانت امسيه رائعه ولكن اين كل الفقرات من هذه الامسيه … لماذا ؟؟؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة