رسالة أكثر من رائعة!
تاريخ النشر: 17/05/18 | 13:24هذه رسالة أكثر من رائعة في مجتمعنا الحديث.
يبدو أننا فقدنا قدرتنا على معرفة الاتجاه السليم.
أراد أحد المتفوّقين أكاديميًّا من الشباب أن يتقدّم لمنصب إداريّ في شركة كبرى. وقد نجح في أوّل مقابلة شخصيّة له، حيث قام مدير الشركة الذي يُجري المقابلات بالانتهاء من آخر مقابلة واتّخاذ آخر قرار.
وجد مدير الشركة من خلال الاطّلاع على السيرة الذاتيّة للشابّ أنّه متفوّق أكاديميًّا بشكل كامل. منذ أن كان في الثانويّة العامّة وحتّى التخرّج من الجامعة، لم يخفق أبدًا!
سال المدير هذا الشابّ المتفوّق: “هل حصلت على أيّة منحة دراسيّة أثناء تعليمك؟” أجاب الشابّ “أبدا”.
فسأله المدير: “هل كان أبوك هو الذي يدفع كل رسوم دراستك؟” فأجاب الشابّ:”أبي تُوفّي عندما كنت في السنة الأولى من عمري، إنّها أمّي التي تكفّلت بكلّ مصاريف دراستي”. فسأله المدير:” وأين عملت أمُّك؟” فأجاب الشاب:
” أمّي كانت تغسل الثياب للناس”.
حينها طلب منه المدير أن يريه كفّيه، فأراه إيّاهما، فإذا هما كفّان ناعمتان ورقيقتان. فسأله المدير:”هل ساعدت والدتك في غسيل الملابس؟”
أجاب الشاب:” أبدا، أمّي كانت دائما تريدني أن أذاكر وأقرأ المزيد من الكتب، بالإضافة إلى أنّها تغسل أسرع منّي بكثير على أيّة حال!”
فقال له المدير:” لي عندك طلب صغير.. وهو أن تغسل يدَي والدتك حالما تذهب إليها، ثم عد للقائي غدا صباحا”.
حينها شعر الشاب أن فرصته لنيل الوظيفة أصبحت وشيكة.
وبالفعل عندما ذهب للمنزل طلب من والدته أن تدعه يغسل يديها وأظهر لها تفاؤله بنيل الوظيفة، شعرت الأمّ بالسعادة لهذا الخبر، لكنها أحسّت بالغرابة والمشاعر المختلطة لطلبه، ومع ذلك سلّمته يدَيها.
بدأ الشابّ بغسل يدَي والدته ببطء، وكانت دموعه تتساقط لمنظرهما.
كانت المرّة الأولى التي يلاحظ فيها كم كانت يداها مجعّدتين، كما أنّه لاحظ فيهما بعض الكدمات التي كانت تجعل الأمّ تنتفض حين يلامسها الماء!
كانت هذه المرّة الأولى التي يدرك فيها الشابّ أنّ هاتين الكفّين هما اللتان كانتا تغسلان الثياب كلّ يوم ليتمكّن هو من دفع رسوم دراسته، وأنّ الكدمات في يديها هي الثمن الذي دفعته لتخرّجه وتفوّقه العلميّ ومستقبله.
بعد انتهائه من غسل يدي والدته، قام الشاب بهدوء بغسل كلّ ما تبقّى من ملابس عنها.
تلك الليلة قضاها الشابّ مع أمّه في حديث طويل.
وفي الصباح التالي توجّه الشابّ لمكتب مدير الشركة والدموع تملأ عينيه، فسأله المدير:
“هل لك أن تخبرني ماذا فعلت وماذا تعلّمت البارحة في المنزل؟”
فأجاب الشاب: “لقد غسلت يدَي والدتي وقمت أيضا بغسيل كلّ الثياب المتبقّية عنها”
فسأله المدير عن شعوره بصدق وأمانه، فأجاب الشاب:
” أولا: أدركت معنى العرفان بالجميل، فلولا أمّي وتضحيتُها لم أكن ما أنا عليه الآن من التفوّق.
ثانيا: بالقيام بنفس العمل الذي كانت تقوم به، أدركت كم هو شاقٌّ ومُجهِد القيام ببعض الأعمال.
ثالثا: أدركت أهميّة وقيمة العائلة.”
عندها قال المدير:
“هذا ما كنت أبحث عنه في المدير الذي سأمنحه هذه الوظيفة، أن يكون شخصا يقدّر مساعدة الآخرين والذي لا يجعل المال هدفه الوحيد من عمله… لقد تمّ توظيفُك يا بنيّ”.
فيما بعد، قام هذا الشابّ بالعمل بجدٍّ ونشاط وحظي باحترام جميع مساعديه.
كلّ الموظّفين عملوا بتفانٍ كفريق، وحقّقت الشركة نجاحا باهرا.
العبرة المستفادة:
الطفل الذي تتمّ حمايته وتدليله وتعويده على الحصول على كلّ ما يريد، ينشأ على (عقليّة الاستحقاق) ويضع نفسه ورغباته قبل كلّ شيء.
سينشأ جاهلا بجهد أبويه، وحين ينخرط في قطاع العمل والوظيفة فإنه يتوقّع من الجميع أن يستمع إليه. وحين يتولّى الإدارة فإنّه لن يشعر بمعاناة موظّفيه ويعتاد على لوم الآخرين لأيّ فشل يواجهه.
هذا النوع من الناس رغم أنّه يكون متفوّقًا أكاديميًّا ويحقّق نجاحات لا بأس بها، إلا أنه يفتقد الإحساس بالإنجاز، بل تراه متذمّرا ومليئا بالكراهية ويقاتل من أجل المزيد من النجاحات.
إذا كان هذا النوع من الأولاد نربّي، فماذا نقصد؟ هل نحن نحميهم أم ندمّرهم؟
من الممكن أن تجعل ابنك يعيش في بيت كبير، يأكل طعاما فاخرا، يتعلّم البيانو، يشاهد البرامج التلفزيونيّة من خلال شاشة عرض كبيرة. ولكن عندما تقوم بقصّ الزرع، رجاءً دعْه يجرّب ذلك أيضا.
عندما ينتهي من الأكل، دعه يغسل طبَقَه مع إخوته، ليس لأنّك لا تستطيع دفع تكاليف خادمة، ولكن لأنك تريد أن تحبّ أولادك بطريقة صحيحة. لأنك تريدهم أن يدركوا أنّهم – بالرغم من ثروة آبائهم – سيأتي عليهم اليوم الذي تشيب فيه شعورهم تماما كما حدث لأمّ ذلك الشاب. والأهمّ من ذلك أن يتعلّم أبناؤك العرفان بالجميل, ويجرّبوا صعوبة العمل، ويدركوا أهميّة العمل مع الآخرين حتّى يستمتع الجميع بالإنجاز.
د. محمود ابوفنة
(المادّة منقولة ومقتبسة من المواقع!)