سابِقة قضائِيّة بامْتِياز
تاريخ النشر: 02/05/17 | 7:40سابقة قضائية هزّت أروقة المَحاكم الأسبوع المُنصَرم بَعدَ إصدار حُكم المُؤبدين بحَق مُتهم اشتركَ في جَريمَة قتل مُزدوجَة عام 2015, حيثُ اعتبرَهُ القُضاة قاتِل بكلّ ما لِلكلمَة مِن مَعنى رغم كونهُ سائِق مُرافق للمُجرم الأوّل.
عَللَ القُضاة الثلاثة قرارهُم بأنّ المُتهم كانَ واعيًا تمامًا لِما يَفعلهُ وَكانَ بإمكانهِ مَنع وُقوع الجَريمَة النكراء التي حَصَلت في شَوارع مَدينة عَكا وَراحَ ضَحيّتها شابّين, إلا أنهُ واصَلَ المُشاركة بها.
طاقم القضاة لم يَنظر للمُتهم وفقا للأحكام القضائيّة المُتداولة وَالمُعتاد عَليها بأنهُ مُشترك في الجَريمَة فقط, بَل عَلى أنه قاتِل بَحت, وَأُنزِلَ عَليهِ قرار غَير مَسبوق وَنَصَّ القرار عَلى أقصى العُقوبات ألا وَهِيَ: مُؤبدَين و4 سَنوات مَع إلزامِهِ دَفع تَعويضات ماليّة ضَخمَة لِعائلة الضَّحايا.
قرار قَضائِي عادِل نوعًا ما مِن وجهَة نظر عائِلة الفقيدَين, رغم أنهُ لن يُعيد الضّحايا إلى أحضان عائِلتِهم إلا أنّ وَقعهُ كانَ إيجابيًا عَليهم وَلو قليلاً, آملين في القصاص العادِل للمُجرم الآخر.
إصدار هذا الحُكم عَلى المُجرم جاءَ بمَثابَة رسالة فِعليّة وَحقيقيّة واضِحَة لِكلّ مَن تسولهُ نفسهُ للتّخطيط أو المُساعدَة بارتكاب جَريمَة مُستقبليّة في كِلا المُجتمعات وَليسَ اقتصارًا عَلى المُجتمَع العَرَبي فحَسب.
قَرار قَضائِي صائِب بامتياز قد حَوَّل القضِيّة مِن قضِيّة شَخصِيّة إلى قضِيّة رَأي عام حَيثُ أنه كانَ هُناك تأييد واسِع النّطاق لهذهِ العُقوبة المُشدّدَة.
إنّ مِثل هذهِ العقوبات المُشدّدة عَلى الجُناة في قَضايا الإجرام وَالسّلاح سَوفَ تكونُ خطوَة هامّة جدًا مِن قِبل الجهاز القضائي لمُحاوَلة التخفيف مِن ارتكاب الجَرائم وَالتقليل مِن العُنف المُستشري في المُجتمَع العَربي وَاليَهودي عَلى حَد سَواء كما نأمل دائمًا, لأنّ الأحكام الغَير مُنصِفة أو المُخففة إلى حَد ما تفتحُ المَجال لِكلّ مُجرم أن يَفعلَ ما يَحلو لهُ مِن إراقة دِماء دونَ تردّد.
جهاز القضاء مِن خِلال العُقوبات الصّارمَة وَالإجراءات القانونيّة الموجَبَة بحَقّ حَمَلة السّلاح الغَير مُرخّص وَتجّارها وَعَدَم التساهُل في مِثل هذهِ القضايا يَقوم بايصال رسالة لِكلّ مَن يَختار هذا الطريق الشّيطاني الهالِك بأن نهايتهُ واضِحَة لهُ مُنذ البدايَة, وَعِندَما تُصِرُّ نفسهُ عَلى ارتكابِ أيّ جُرم سَوفَ يَكونُ عَلى عِلم مُسبَق أنَّ مَكانهُ هُوَ خلفَ القضبان لا مَحالة دونَ عُقوبَة مُخففة مَفهومَة ضِمنًا.
في المُقابل, لا يُمكننا الإرتكاز فقط عَلى جهاز القضاء وَقوانينهِ وَأحكامهِ للتخفيف مِن حِدّة الجَرائم, بَل إضافة لهذهِ الخطوَة المُهمّة وَالسّابقة القضائيّة التي يَجب أن يَحذو حَذوَها جَميع القُضاة في قَضايا القتل, هُناك العَديد مِن الأطراف التي سَوفَ تُكمِل نَجاعَة هذا الرّادع إذا عَمِلت جَنبًا إلى جَنب مِثل:
**الأهل: مِن خِلال التّربية وَالثقافة البَيتيّة وَالتي هِيَ بمَثابَة حَجَر الأساس وَالمَرجَع الأوّلي لِلتّربيَة الصَّحيحَة.
**التربيَة وَالتعليم: مِن خِلال الإرشاد وَالفعاليّات المَدرسيّة الدائِمَة التي تتمَحوَر عَن نَبذ العُنف وَمُحاولة تَذويت القِيَم الإنسانيّة العُليا كالتّسامُح وَالمَحَبّة وَالأخلاق في أذهان طلابنا وَأبنائنا بشَتّى الطرُق وَالوَسائِل بصورَة سَلسَة, صَحيحَة وَدَقيقة وَعَدَم الإكتفاء بهذا بَل المُطالبة بشكل رَسمي وَقانوني مِن وَزارَة التربيَة وَالتعليم إدْخال حِصَص إرشاديّة أسبوعيّة إلى المَدارس وَإدراجها كحِصَص إجباريّة لا تَقِلُّ أهَميّة عَن الحِصَص الأخرى.
**رجال الأمْن (الشّرطة): مِن خِلال العَمَل الدّؤوب وَالواجب المُجتمَعي الذي يَجب عَلى الشّرطة القِيام بهِ إزاءَ الجَريمَة بكلا المُجتمَعات عَلى حَدّ سَواء وَالحَمَلات المُكثفة لجَمع السّلاح الغير مُرَخّص في كافة المَناطِق تشملُ القرى وَالمُدُن الكبرى التي لا نَر فيها تقريبًا حَمَلات لجَمع السّلاح.
**الصّحافة وَالإعْلام: مِن خِلال نَشَرات التوعيَة الدّائمَة وَتسليط الضّوء المُكثّف ليسَ فقط يَوم وُقوع الجَريمَة بَل عَلى نَتائج قضايا الإجرام عَلّها تَصِل لِكل المُقدِمين عَلى مِثل هذهِ الخَطوات وَتبعَثُ في نُفوسِهم الذّعر مِن احْتِجاز حُرّيتهُم خلفَ القُضبان.
مُجتمَعنا العَرَبي بحاجَة ماسّة لإعادَة صَقل المَفاهيم الأخلاقيّة, بحاجَة ماسَّة إلى الجُرأة لِمُقاطعَة كلّ مَن يَحمِل السّلاح حَتى لو كانَ قريبًا أو جارًا.
نُحنُ طرَف مِن المِعضلة, وَعَلى كلّ طرَف فينا تقعُ مَسؤوليّة مُعيّنة وَيقعُ خطأ يَجبُ تَداركهُ وَحَلّهُ, لذلكَ عَلى الحَل أن يَكونَ شامِلا لِجَميع الأطراف: الأهل, المدرسَة, المُجتمَع, الشّرطة وَدور القضاء.
اتحاد القوى الفِكريّة وَالعَمَليّة مَع بَعضها البَعض وَوقوفها أمامَ الظواهِر السّلبيّة سَيُعَزّز مِن نَشر الوَعي وَإبطال مَفعول العُنف رُوَيدًا رُوَيدًا, مُساندة جَميع الأطراف المُشتركة بَعضَها بَعضًا في أيجاد الحَلّ سَوفَ يُحقق ما نأملهُ كمُجتمع عَرَبي وَكمُواطنين بشَكل عام (الأمان) ألا وَهُوَ الحَق الذي أصبحَ عَلى حافة الإنقِراض.
عِندَما تَتحَدُ الأطراف وَتتَخِذ خَطوات رادعَة صَحيحَة وَتأخذَ مَسارًا دَقيقا لا بُدّ أن تأتِي بنَتائج حَتميّة حَتّى لو كانَت بَطيئة, مَع العِلم وَالتّشديد عَلى أنّنا مُجتمَع يَحِقُّ لهُ أن يَكونَ مُجتمَع مُثقف راق, واع, نَظيف, يَنبذ العُنف بكلّ أشكالهِ.
بقلم: أزهار أبو الخير- شَعبان.عَكّا