من ديوان إلى أخر مروان مخول شاعر يحلّق أعلى مما توقّعنا

تاريخ النشر: 05/02/14 | 5:57

النقلة النوعية بارزة جدًا وبقوة في إنجاز الشاعر مروان مخول منذ أن أصدر ديوانه الثاني "ارض الباسفلورا الحزينة" (2011) وحتى صدور ديوانه الجديد "أبيات نسيتها القصائد معي"(2013).

كأنه يقول في عنوان ديوانه إنها بقايا قصائد أو مقاطع من قصائد نسيتها هي معي. عنوان رمزي يستشف منه بُعد شاعري إيحائي يُدخل القارئ فورًا الى ما يشبه نوسطالجيا عن منسياته أيضا.

ماذا نسي الشاعر؟ وهل يُنسى ما يدعي أنه نسيه؟

سؤال وجيه يفرض نفسه على المتلقي.. لكن المفاجأة، وقد أحسن مروان مخول في اختيارها، هي القصيدة الأولى (المنسية الأولى) هنا تقع المفارقة الكبيرة في ذهن القارئ – المتلقي، هل يمكن لمثل هذه القصيدة الجميلة، المتدفقة بالمشاعر والمعاني أن تكون أبيات نسيتها القصائد معه؟!

(الباب الأوّل- الحبيبة):

أعترف بأني قرأتها بلذة شديدة تزايدت مع كل قراءة أكثر من مرة.. وما زلت كلّما لمحت الديون في مكتبتي أقرأها من جديد وكأنها المرة الأولى.

هنا سر الشعر الجيد وقوته. فمثلاً يقول في مطلعها:

"مساؤك ليل محلى

ايا من كقطر الندى،

من على شجر الرند نزّت علي،

لأصحو مع الفجر انفضه،

قبل ان يفتح الصبح عينيه او يتلوّى"

هذا العشق يطفح بمشاعر انسانية، وهنا تكمن قوة الشعر. القوة الايجابية التي تأسر القارئ.. وهل يمكن أن تكون مثل هذه القصيدة أبيات منسية فعلاً؟! أو حالة تنسى مثلاً؟!

أريد أن أقول كلمة قد يعتبرها البعض تجاوزًا للمتعارف عليه في الكتابة الثقافية أو النقدية، وهو أننا أمام شاعر أنجز تحليقه الشعري عاليًا عاليًا بقوة وتواصل المثابر العنيد الذي لا يكلّ ولا يملّ فنرى في النتيجة قفزات سريعة واضحة لم تكن!

ليس مهمًا الآن أن الشاعر في بداياته الأولى تأثر بشاعر أو أكثر، ومن منا دخل عالم الأدب دون أن يتأثر بمن سبقه ؟ بل إن التأثّر هو شرط الابداع الأساسي، فلا أحد منّا اخترع عملاً ابداعيًا من لا شيء قد سبقه، إنما الحقيقة أننا نتابع ما ابتدأه أسلافنا فنطوّره لنضفي عليه جمالية أخرى، وهذا ما يدعى في الأدب بمصطلح "نصٌ على نص"..

في هذا الديوان لمروان مخول، أقول وبلا أي تردد إنني ألمس ولادة شاعر خاص مختلف وقصائده ذات طعم منفرد مستقلة وغريبة من صناعة عصرية تعود إلى مروان مخول الشاعر المحدث! ولا أعني أن لمروان مخول مدرسة شعرية فحسب، ولكنه في الطريق لإنجاز ذلك فعلاً.. فأرى أنه وضع قدميه أخيرًا على الطريق الصحيح انطلاقًا من ديوانه السابق "ارض الباسفلورا الحزينة" وحتى الان.

التنوية الأهم في الديوان برايي يجب أن يكون إلى مجموعة القصائد العشقية، ولا اقول الغزلية، إذ ترأست اولى صفحات الديوان، فأطلق الشاعر عليه عنوانًا فرعيًا: "من جعبة الحب". تُشكل تلك القصائد حالة جمالية غنائية في وحدة واحدة، تفتح أمام بعضنا نافذة الحنين (نوسطالجيا) إلى أيام مضت، بل وتعطي لبعضنا درسا في أصول العشق الخالص في معانيه وفي آفاقه الانسانية الرحبة. فمثلاً يقول شاعرنا في قصيدة "عنك":

"أجمل ما فيكَ

هو ان تكتشف نفسَك خارجها

وأن تختصرَ كل ما فيكَ

من تُحبها"

لو اقتصرت القصيدة على هذا المقطع فقط، لكانت بدون شك قصيدة كاملة دون أي شائبة. مخول متنبه هنا لقضية هامة ألا وهي أن قوة الشعر ليس بكثرة الكلام وليس بتجريب العضلات اللغوية والاطالة بها، بل هي في قوة المعنى وجمالية التعبير وجزالة الفكرة. هذه القصيدة نفسها مكونة من ثلاث مقاطع قصيرة.. تذكرني بقصيدة سالم جبران( كما تحب الأم طفلها/ المشوه احبها حبيبتي بلادي) طبعًا مع الاختلاف في الموضوع وطريقة التعبير والصورة الشعرية.

قصيدة "من جعبة الحب" التي حملت قصائد العشق أسمها هي أيضا لوحة فنية بالغة الجمال.. فكأنه لا يكتبها بالكلام إنما يمسك ريشة رسام فيداعب الوانه ليظهر عمق مشاعره بعد أن عجز الكلام عن التعبير:

"ها حُبّنا حَبٌّ

نُبعثرُهُ على تَلْم الشّعورِ

لكي يصيرَ كَعسكَرِ الأشتالِ

او شجرًا..

ويثمرَ في عجَل"

"في الحبِّ أتركُ نهدها

يلتفُّ حولَ الشِّعرِ حتّى تُعقدَ الكلماتُ

سلسلةً، على صدرِ الجميلةِ

كي تَهِلّ"

أمسكتني رغبة قوية في أن انشرها كاملة، لأنها تشكل وحدة فنية كاملة، وربما أرتكب جريمة بحق القصيدة بأن أفصل راسها عن جسدها.

يواصل مخول "عشقه" المميز بقصيدة "غزلية" فيقول:

"يا من يحاصرها سؤالي

عن مكانتها الرفيعة في اعالي الحسن

لا انت القليل

ولا انا عندي الجواب.

كفي جمالا

وامنحيني لحظة التشبه حتى

استطيع القول قبل تهافت الشعراء."

وهل تكف الجميلة عن الجمال؟!! أنت في ورطة إذًا يا مخول.. اذا كنت تظن أنها ستمنحك لحظة قبل تهافت الشعراء فألا تعلم أنهم في المرصاد؟

إن ما يجعل للغزل رونقه في العشق المخوليّ هو اللوعة اولًا، التمني ثانيًا وثالثها بالتأكيد هو الحب الذي يبدو افلاطونيًا بامتياز!

أما في قصيدة "القليل من الحب" فنجد مقطعين قصيرين، يبدأها بتطرّف في الايجاز الساحر فيقول:

"يا التي كلما ابتعدتِ اقتربتِ

وينهي بما لا يقلّ قوه فيقول:

لأني اذا مت أحيا

في القصيدة"

عندما قرات عنوان القصيدة العشقية الأخيرة

E.K.G

واسمها هذا عبارة عن إختصار باللغة الانجليزية لفحص تخطيط قلب الانسانأيقنت أن الشاعر يعيش ليس في قصيدة حب واحدة متواصلة فقط، إنما في حالة توتّر عاطفي وحنين جارف إلى تجربة حياتية حان الوقت للتتمرد على نسيانها بين "قصائده" وبين أوراق حياته.

بعد الغزل الناعم مثل شتاء الربيع، وهو أشبه بالرهام.. الذي يثير الشوق لمطر حقيقي لا يأتي.. استصعبت الدخول إلى قصائده السياسية أو الوطنية التي تميّزه عادةً.. فتركت الديوان وأخذت استراحة قبل الدخول إلى عالمه الصاخب هذا.

(علاقة القصيدة بالمكانة الجماهيرية للشاعر):

بداية أود بأن أنوّه إلى مسالة هامة برز فيها الشاعر، أعني إلقاء قصائده أمام جمهور واسع يصل أحيانًا إلى الاف الأشخاص! وهذا الأمر ليس مفروغًا منه في ظلّ سطوة عالم الميديا على الذائقة الشعبية، أي أنه يحتاج الى ثقة كبيرة جدًا بالنفس وبالنصّ كي يتحدّى تلك الذائقة ويسيطر عليها كما نراه في أمسياته، لهذه الميزة انعكاس هام على تطوير الشاعر لأدواته الشعرية لا لتسويق نفسه، فوحدها القصيدة القوية هي التي تسوّق الشاعر. ولولا قوّة القصيدة وبريقها لما صمد هذا الشاعر أو ذاك في ذائقة المتلقّي أو السّامع!

حضرت ندوات شعرية كثيرة في حياتي، فأستطيع أن أستنتج بأن النص السيء يثير بالمستمع رغبة إلى صفع الشاعر أحيانًا!! ولكن الأمر كان مختلفًا في أمسيات مخول الشعرية، إذ يحتشد المئات من جمهوره المولع به وبقصيدته مرة تلو الأخرى وبحماس وحب شديدين يشاركون الشاعر النجم قراءاته، حتى أصبح جزء من جمهوره يحفظ قصائده أكثر من الشاعر نفسه! من هنا نستطيع استنتاج حقيقة أن قصيدة مخّول الغنيّة بكل مقوّمات الابداع إلى جانب عاطفته الجليّة وكاريزما حضوره على خشبة المسرح كل هذه العوامل شكّلت ظاهرة ما يدعى اليوم في فلسطين بــــــ: مروان مخول!

هذا هو الفرق بين الشعر الجيد الذي يخاطب وعي الناس وهمومهم فيتفاعل مع قضاياهم وبالتالي يتفاعلون هم معه بحماس وحب لا يمكن لأحد أن يأخذه من رصيد الشاعر مهما حاول منافسوه أن يحيكوا له في العلن أو الخفاء! وكم نحن بحاجة إلى نماذج شعرية كهذه تعيد للشعر قوته وجماهيريته التي كانت في السبعينيات من القرن الماضي!

لا بد أيضًا من تنويه آخر هو أنني شعرت، وأقول شعرت لأن الشعور الذي تثيره القصيدة أكثر بلاغة من التحليل والتأويل.. بأن القصائد الغزلية هي أشبه بما يُعرّفه الأدب بتعبير "بالاد"* وهو تعبير يعني الحكاية الغنائية الراقصة، بل وأجزم بأن قصائد مخول العشقية تصلح كلها لأن تكون أغاني حب فيروزية من الطراز الأول.

هذه القصائد تجمعها روح واحدة وصور متقاربة ونسق حكائي متواصل من لوحة(قصيدة) الى أخرى.. اوحى لي منذ الكلمات الأولى بأني أمام تجربة جدية متينة وصلبة لا يمكن الاستهانة بها.

الملاحظة الاولي التي تبادرت الى ذهني هي أنه وفي القصائد السياسية أو الوطنية يبدع الشاعر صوره الخاصة فيطرح رؤيته الذاتية المستقلة بعيدًا عن الشعارات الرنّانة والطنانة، أي أن قصائده مخول تحمل في جوهرها شعور الوطنيّ الحقيقي والموضوعي الباحث عن حل فعلاً، قصائد هادئة لشاعر وطني عايش هموم شعبه.

وهذا بالذات هو ما يكسب قصائده تميزها الخاص والقريب كل القرب من الناس وتحديدًا من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، الذين تحاكي قصائد مخول قضاياهم الحارقة ومسألة هويتهم والصعوبات التي تواجهها تلك الهوية، ليس من الشرط أن أقارن قصائد مخول بمجمل أشعارنا الوطنية، فلكل شاعر تجربته ورؤيته الفكرية التي هي وليدة الزمان والمكان لا محال. ولكن لصالح شاعرنا أقول بأنه يكتب في زمن يكثر فيه شعراء بلا تجربة أو فكر. فالقصيدة السياسية لا تُعنى بالشعارات فتبحر في ترعة الخليل بن أحمد الفراهيدي من باب المهرجانية الموسيقية أو تتسابق على التعابير الفخمة وثقيلة الوزن القومي التي تثقل على كاهل الوطن والمتلقّي على حد سواء.

ما اهتممت به هو أن أجد في القصائد رائحة مروان مخول لا رائحة الآخرين من شعراء لعبوا دورًا هامًا في مسيرتنا الشعرية الوطنية فغذّوها وغذوا مخول الذي كما نراه يتابع بكل جد ونشاط ما شقّه السلف الشعري الصالح من طريق حداثية.

هنا يأتي مخول ليؤكد بأنه لا يمكن لنا أن نبقى في الربع الشعري الخالي تحت ظلال تاريخ شعري قد مضى..! تاريخ له أهميته، له وزنه الفكري والثقافي، تاريخ تبعه تقليد أعمى، وكتابة هشّة على نسق بات معادًا، مكررًا لدرجة الملل من الشعراء والشعر، وهذا هو تمامًا ما ترك ترسّبات ليست صحية في مسريتنا الشعرية بعد السبعينيات، كانت رؤيتي أن ثقافتنا الشعرية في أزمة، هذه الرؤية لا تتلاشى، إنما يمكن الحديث اليوم عن نطفة جديدة يشارك فيها وبكل جدارة مروان مخول الشاعر النجم الى جانب أسماء شعرية أخرى شابة واعدة ولامعة.

(الباب الثاني- القصيدة السياسية الاجتماعية):

وعودةً إلى الباب الثاني من ديوان "أبيات نسيتها القصائد معي"وهو الباب السياسي في الديوان، لاحظوا هنا الخروج عن النمطية في المقطع الأول من قصيدته الشهيرة "عاش البلد مات البلد":

"أؤيد دولة يهودية

من زيمبابوية الى جزر الماعز

أسيادها من نسلٍ سماويٍّ

تعالى على الأعراق بألفِ حجةٍ كُتبت

على ورق الخريف"

هكذا يفتتح مروان مخول القسم الثاني، القسم السياسي والاجتماعي من قصائد الديوان التي تحمل عنوان القصيدة ذاتها.

نجح الشاعر هنا بإنجاز مفاجأة للقارئ ألا وهي أننا أمام شاعر فذّ يبدع رؤيته الخاصة وصوره الغريبة، يبدع جمالًا شعريًا ايرونيًا ودراميًا وبعيدة عن النمطية السائدة.

هكذا يدفع شاعرنا بالقارئ الى التهام الكلمات بنهم واكتشاف الدولة اليهودية التي "سنؤيدها" كما يقول ساخرًا:

أؤيد دولة يهوديّة

أصلّي على النبيِّ محمّدٍ فيها

أصلّي كما شئت لكن

بصوتٍ قليل العلوِّ

أصلّي.. وأدعو لهم بالخير من كل قلبي المكّسر

كلما ضجّ السكوت

في شرقِ نهرٍ مات ماؤُه

كلام أبلغ من كل الخطابات السياسية التي نسمعها..! وبذلك ينجز مخول رؤيته لـــــــ"دولته اليهودية" العتيدة!

في قصيدة "أبيات نسيتها القصائد معي" يطرح شاعرنا تساؤلات لا رابط بينها سوى كونها أسئلة كونية انسانية مترفّعة عن أي فئوية كانت. تساؤلات وجدانية أخلاقية حينًا، ووطنية من منطلق انساني يدمج الهمّ الفلسطيني بأبعاده الانسانية في باقي الأحيان.

أجل! إنها حقا أبيات أو أوراق، لكنها ليست منسية كما يقول، بل هي في جذور ذاكرة الفلسطيني وفي جذور همومه اليومية.. هي ليست قصيدة حول موضوع متواصل متداخل بل منثورات حول هموم وملاحظات وانطباعات ومواقف عالية الحسّ. انتبهوا مثلاً إلى الصور الشعرية غير النمطية…فهذه مقاطع اخترتها عشوائيا للتأكيد على وحدة المستوى في الديوان كله:

"كلّما ضرب الفلاحُ أرضَه بالفأس

تفرح النباتات،

أمّا السماء فتتعاطف مع أختها

وتبكي

****

في صفّورية

وخلف حرش الصّنوبر

لا يزال التّين مثمرًا

يا صاحبه، الذي في النّاصرة

***

الشعب المُولَع بالأغاني الحزينة

هو شعب ذو حضارة

في خبر كان.

***

صوت الحاكم مبحوح

كونه يخاطبني بصوت صاخب

لا أفهمها

***

نعم هتلر..

تراك لاعب دومينو ضعيف؛

فقد أسقطّتَ اليهودي عليّ

ولم أسقط.

***

لأنّك جليلٌ يا الجليل الأعلى

استوطنتُ في معالوت

***

عذرًا إليك نيوتن

ليست الجاذبية من أسقط التفاحة

بل هي الأرض من تحنُّ

إلى صغارها!"

وأعجبتني أيضًا قصيدته "سميح القاسم" حيث يخاطبه بقوّة الشاعر الواثق بنفسه وقدراته إلى الشاعر الرّمز فيقول:

"زودني!

فهذا الحمض في شعري وراثيٌ

يفتش عن أصالته"

إنه قانون التواصل بين الشعراء الكبار يا مروان..! جذورنا الشعرية الطيبة لا بد أن تنعكس على مسيرتنا الشعرية فتمتد إلى شجرتك النابتة..! وأنت لها فعلاً:نموذجًا شعريًا وانسانيًا رائعًا، عرفت كيف تقبض على منجل الشعر فتحصد هذا الكم في عيون الناس والنقّاد على حد سواء، إذ أسّست لذلك على أرض شعرية خصبة دون أن تتعالى على الجيل السابق من الشعراء الذين مهدوا لأمثالك طريقًا إلى القصيدة القويّة.

أمّا عن المقطوعات النثرية في الديوان، فسأتجاهلها رغم القدرات الشعرية الكبيرة التي فيها أستثنيها لأني لا ارى ضرورة إلى حشرها بين القصائد.

وعن قصيدتيّ "ابيات يتيمة 1" و "أبيات يتيمة 2" فهي تكاد تكون استمرارًا طبيعيًا لقصيدة "لأبيات نسيتها القصائد معي" التي ذكرناها.

قصيدة "عربي في مطار بن غوريون" وهي إحدى أشهر قصائد مخول فهي تسجيل مثير وجذاب بل هي توثيق ذكي لحالة كل مواطن عربي يغادر البلاد عبر مطار بن غوريون فيمر بمسلسل من الاهانات التي لا تنتهي، ابتداءً من التحقيق الغبيّ معه وحتى الاستفزاز لحظة التفتيش الجسدي المهين، لم يعجبني مخول فقط لاختياره هذه الفكرة الجديدة التي كان هو أوّل من التفت اليها من بين الأدباء بل أعجبني أيضًا لقدرته الكبيرة على اطاعة الجمال الشعري والصوري إلى جانب الموسيقى والايقاع لصالح تلك الفكرة فيكتب القصيدة نثريةً تحمل فيها موسيقى لا تقلّ صخبًا وجمالاً عمّا هي عليه في القصائد الموزونة، وهذا ما يحسب للشاعر لا عليه!

انظروا مثلاً إلى قوة الشاعر والقصيدة في مطلعها حين يقول:

"أنا عربي!

صحت في باب المطار

فاختصرتُ لجنديّةِ الأمنِ الطّريقَ إليّ!

ذهبتُ إليها وقلتُ: استجوبيني

ولكن!

سريعًا لو سمحتِ، لأنّي لا أريد التّأخّرَ

عن موعد الطّائرة.

الى ان يقول :

قالت: من أين أنت؟

من غساسنةِ الجَولان أصلُ فروسيّتي – قلتُ

جارُ مومِسٍ من أريحا؛

تلك الّتي وشَتْ إلى يهوذا بالطّريقِ إلى الضِّفّة الغربيّة

يوم احتلّها فاحتلّها التّاريخُ من بعدهِ

في الصّفحةِ الأولى!

بل وبجرأة يسخر بما يسمونه "أمن المطار" فيقول:

سألتني: ومن رتَّبَ الحقيبةَ لك؟

قلتُ: أسامة بنُ لادن،

ولكن!

رويدكِ، فهذا مُزاحُ الجراحِ المتاحْ،

نكتةٌ يحترفُها الواقعيّونَ مثلي ها هنا

في الكفاحْ،

أناضلُ منذ ستّينَ عامًا بالكلام عن السّلام،

لا أسطو على المستوطنة،

ولستُ أملِكُ مثلَكُم دبّابةً كالّتي

على متنها، دغدغَ الجنديُّ غزّة!

لم أرمِ قنبلةً من الأباتشي في سِجلّيَ الشّخصيّْ

لا لنقصٍ فيّ

بل لأنّي أرى في الأفقِ المدى صدى السّأمِ

من ثورةِ السِّلميِّ في غير موضعها

ومن حُسن السّلوك."

شكرا مروان، تمتعت بقراءة ديوانك، وهذا هو المطلوب منّي كقارئ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة