الواقعية الاجتماعية والصدمة الجمالية في قصص سهيل إبراهيم عيساوي

إعداد الباحثة: أ. إيمان مصاروة- الناصرة- الجليل

تاريخ النشر: 20/06/25 | 9:29

الواقعية الاجتماعية والصدمة الجمالية في قصص سهيل إبراهيم عيساوي القصيرة جداً: دراسة نقدية في مجموعة “والي المدينة”

Social Realism and the Aesthetics of Shock in Suhail Ibrahim Issawi’s Flash Fiction: A Critical Study of the “Wāli al-Madīnah” Collection

By the researcher: Iman Masarwa – Nazareth – Galilee
2025

الملخص:
تُعنى هذه الدراسة النقدية بتحليل مجموعة القصص القصيرة جداً “والي المدينة” للكاتب العربي سهيل إبراهيم عيساوي، والتي تضم ثمانية وخمسين قصة تمثل تجربة فنية متميزة في مجال القصة القصيرة جداً ضمن الأدب العربي المعاصر. تهدف الدراسة إلى الكشف عن الخصائص الفنية والأسلوبية لهذه القصص، مع التركيز على تقنية القفل التي تثير الدهشة في نهايات النصوص، ودورها في تحقيق التأثير الجمالي والنفسي على القارئ. كما تسعى إلى استكشاف الموضوعات الاجتماعية والإنسانية التي تعكسها القصص، ومدى ارتباطها بالواقع العربي. لتحقيق هذه الأهداف، اعتمدت الدراسة المنهج النقدي الأدبي التحليلي، الذي يتيح قراءة معمقة لبنية النصوص وعناصرها الفنية والموضوعية، مع الاستناد إلى نظريات نقدية حديثة مثل نظرية الدهشة والقفل والنقد الاجتماعي. شملت أدوات الدراسة التحليل النصي التفصيلي لعناصر السرد كالزمان والمكان والشخصيات والحوار، بالإضافة إلى دراسة الأسلوب اللغوي والرمزية المستخدمة. تكونت عينة الدراسة من جميع القصص التي تضمها المجموعة، مما منح الدراسة شمولية في تغطية تجربة الكاتب في هذا الفن. أظهرت نتائج الدراسة أن سهيل إبراهيم عيساوي يمتلك قدرة فائقة على تحقيق التكثيف والإيجاز في نصوصه، مستخدماً لغة واضحة وبسيطة تحمل في طياتها دلالات فلسفية واجتماعية عميقة. وتبرز تقنية القفل والدهشة في نهايات القصص كأحد أبرز سمات المجموعة، حيث تسهم هذه النهايات المفاجئة في جذب انتباه القارئ وإثارة فضوله، مما يدفعه إلى إعادة قراءة النص والتأمل في معانيه من زوايا متعددة. كما تعكس القصص موضوعات اجتماعية وإنسانية متنوعة، منها العدالة، الهوية، الفقر، الظلم، التغيرات الاجتماعية، وتأثير التكنولوجيا على العلاقات الإنسانية. ويتميز أسلوب الكاتب بالمفارقة الحادة والرمزية المتقنة التي تربط بين التراث العربي والواقع المعاصر، مما يخلق تواصلاً ثقافياً وفنياً عميقاً. كما تقدم القصص نماذج لشخصيات تمثل شرائح اجتماعية مختلفة تعكس التوترات بين الفرد والسلطة، وبين التقليد والحداثة، مما يعكس الصراعات الداخلية والخارجية التي يعيشها المجتمع العربي. تؤكد الدراسة أن تجربة عيساوي في القصة القصيرة جداً تمثل إضافة نوعية للأدب العربي، حيث تمكن من تطوير تقنيات هذا الفن وابتكار أساليب سردية تحقق توازناً بين الإيجاز والعمق، وبين الجمالية والالتزام الاجتماعي.
استناداً إلى هذه النتائج، توصي الدراسة بضرورة تشجيع الباحثين على الاهتمام بدراسة فن القصة القصيرة جداً في الأدب العربي لما له من أهمية فنية وثقافية في التعبير عن قضايا العصر وتحديات الإنسان المعاصر. كما توصي بدعم نشر وتعميم أعمال سهيل إبراهيم عيساوي لتوسيع دائرة القراء والنقاد المهتمين بهذا الفن الأدبي، وإدراج نصوص القصة القصيرة جداً في المناهج الأدبية لتعريف الطلاب بهذا الجنس الأدبي الحديث وتعزيز قدراتهم النقدية. وتشجع الدراسة الكتاب الشباب على استكشاف تقنيات القصة القصيرة جداً وتطويرها بما يخدم التعبير الفني والاجتماعي، كما تدعو إلى إجراء دراسات مقارنة بين تجارب عربية وعالمية في هذا المجال لتعميق الفهم النقدي وتطوير أدوات التحليل الأدبي. في المجمل، تؤكد الدراسة على أن القصة القصيرة جداً ليست مجرد فن أدبي موجز، بل هي أداة فعالة للتعبير عن الواقع والتأثير فيه، وأن تجربة سهيل إبراهيم عيساوي تمثل نموذجاً رائداً لهذا الفن في الأدب العربي المعاصر، يستحق المزيد من البحث والدراسة.
الكلمات المفتاحية: الواقعية الاجتماعية، الصدمة الجمالية، القصة القصيرة جداً، دهشة القفلة، مجموعة والي المدينة، سهيل إبراهيم عيساوي

Abstract
This critical study analyzes the collection of very short stories titled Wali Al-Madina by the Palestinian writer Suhail Ibrahim Issaawi, which comprises fifty-eight stories representing a distinguished artistic experience in the genre of very short stories within contemporary Arabic literature. The study aims to uncover the artistic and stylistic features of these stories, with a particular focus on the technique of the “closure” (qufl) that evokes astonishment at the endings, and its role in achieving aesthetic and psychological impact on the reader. It also seeks to explore the social and human themes reflected in the stories and their connection to the Palestinian and Arab realities. To achieve these objectives, the study adopts a critical literary analytical approach that allows for an in-depth reading of the texts’ structures and their artistic and thematic elements, relying on modern critical theories such as the theory of astonishment, closure, and social criticism. The study’s tools include detailed textual analysis of narrative elements such as time, place, characters, and dialogue, in addition to examining the linguistic style and symbolism used. The sample of the study consists of all the stories included in the collection, granting the study comprehensiveness in covering the writer’s experience in this literary form.
The study’s results reveal that Suhail Ibrahim Issaawi possesses an exceptional ability to achieve condensation and brevity in his texts, employing clear and simple language that carries deep philosophical and social connotations. The technique of closure and astonishment at the story endings emerges as one of the most prominent features of the collection, where these surprising endings contribute to capturing the reader’s attention and arousing their curiosity, prompting them to reread the text and reflect on its meanings from multiple perspectives. The stories also reflect diverse social and human themes, including occupation, justice, identity, poverty, injustice, social changes, and the impact of technology on human relationships. The writer’s style is characterized by sharp irony and sophisticated symbolism that links Palestinian and Arab heritage with contemporary reality, creating profound cultural and artistic communication. Moreover, the stories present models of characters representing various social strata, reflecting tensions between the individual and authority, and between tradition and modernity, mirroring the internal and external conflicts experienced by Palestinian and Arab societies. The study confirms that Issaawi’s experience in very short stories constitutes a qualitative addition to Arabic literature, as he has succeeded in developing the techniques of this genre and innovating narrative methods that balance brevity and depth, as well as aesthetics and social commitment.
Based on these results, the study recommends encouraging researchers to pay greater attention to the study of the very short story genre in Arabic literature due to its artistic and cultural significance in expressing contemporary issues and human challenges. It also calls for supporting the publication and dissemination of Suhail Ibrahim Issaawi’s works to expand the circle of readers and critics interested in this literary form, and for incorporating very short story texts into literary curricula to familiarize students with this modern literary genre and enhance their critical skills. The study encourages young writers to explore and develop the techniques of the very short story to serve artistic and social expression, and advocates conducting comparative studies between Arab and international experiences in this field to deepen critical understanding and develop analytical tools. Overall, the study emphasizes that the very short story is not merely a concise literary form but an effective tool for expressing and influencing reality, and that Suhail Ibrahim Issaawi’s experience represents a pioneering model of this genre in contemporary Arabic literature, deserving further research and study.

Keywords: Social Realism, Aesthetic Shock, Very Short Story, Astonishing Closure, Wali Al-Madina Collection, Suhail Ibrahim Issaawi

قضية الدراسة
تُعد القصة القصيرة جداً من الأجناس الأدبية الحديثة التي برزت بقوة في الأدب العربي خلال العقود الأخيرة، حيث اتخذت شكلًا فنيًا متميزًا يعتمد على التكثيف والإيجاز، ويستخدم أدوات سردية مبتكرة لتحقيق تأثيرات جمالية وفكرية عميقة في مساحة نصية محدودة للغاية. وتتميز القصة القصيرة جداً بقدرتها على التعبير عن رؤى إنسانية واجتماعية وسياسية من خلال لحظة أو فكرة واحدة، مما يجعلها وسيلة فعالة للتواصل مع القارئ في زمن السرعة والتغير. في هذا السياق، تأتي مجموعة “والي المدينة” للكاتب العربي سهيل إبراهيم عيساوي كنموذج بارز لهذا الفن الأدبي، حيث تضم ثمانية وخمسين قصة قصيرة جداً تعكس هموم الإنسان العربي المعاصر، وتتناول موضوعات اجتماعية وإنسانية وسياسية متنوعة.
تنبع أهمية هذه الدراسة من الحاجة إلى فهم آليات بناء النصوص القصيرة جداً عند عيساوي، وتحليل كيفية توظيفه لعناصر السرد وتقنيات القصة القصيرة جداً، خاصة تقنية القفل التي تثير الدهشة، في خدمة الرسائل الاجتماعية والإنسانية التي تحملها هذه النصوص. فالقصة القصيرة جداً، بطبيعتها، تواجه تحديات كبيرة في تحقيق توازن دقيق بين الإيجاز والعمق، وبين البساطة والتعقيد، وبين القفلة المفاجئة والرسالة الواضحة. وهذا ما يجعل دراسة مجموعة “والي المدينة” فرصة مهمة لفهم كيف يمكن للكاتب أن يحقق هذا التوازن، ويقدم نصوصًا ذات قيمة فنية وإنسانية عالية في آن واحد. تتميز قصص عيساوي القصيرة جداً بقدرتها على الجمع بين البساطة الظاهرية والعمق الدلالي، حيث تحمل كل قصة في طياتها رؤية نقدية للواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي العربي. وتظهر في هذه القصص موضوعات اجتماعية متنوعة مثل العدالة والظلم، الفقر والثراء، الهوية والانتماء، الصراع السياسي، والتغيرات الاجتماعية، إضافة إلى قضايا إنسانية تتعلق بالحب، الموت، الحلم، والضياع. كما يبرز في هذه النصوص عنصر الدهشة في نهايات القصص، الذي لا يقتصر على المفاجأة فحسب، بل يتعدى ذلك إلى إعادة تشكيل معنى النص بأكمله، مما يدفع القارئ إلى إعادة القراءة والتأمل.
تتداخل في هذه الدراسة قضايا أدبية وفلسفية واجتماعية، إذ تعكس القصص تجارب إنسانية متنوعة، من الصراع السياسي إلى القضايا الاجتماعية اليومية، ومن الهوية إلى العدالة، ومن الحب إلى الموت. كما أن دراسة هذه القصص تتيح فرصة لاستكشاف دور الأدب في التعبير عن واقع مضطرب، وفي بناء الوعي الجمعي، وفي تقديم نقد اجتماعي وسياسي من خلال فن مكثف وقوي.
من جهة أخرى، تبرز قضية الدهشة في قفل القصة كعنصر أساسي في تحقيق التأثير النفسي والجمالي، حيث لا تقتصر النهاية على الإغلاق البسيط، بل تتحول إلى لحظة صدمة أو كشف مفاجئ يدفع القارئ إلى إعادة النظر في النص كاملاً. وهذا ما يجعل من القصة القصيرة جداً فناً يتطلب مهارات سردية عالية، وقدرة على التوظيف الذكي للغة والرموز. بالإضافة إلى ذلك، تعكس قصص عيساوي التزامًا واضحًا بالقضايا الوطنية ، حيث تتناول موضوعات الهوية والانتماء، وتوثق معاناة الإنسان ، مما يجعل النصوص ليست فقط أعمالاً فنية، بل وثائق ثقافية تعبر عن تجربة شعب بأكمله. وتُظهر هذه القصص كيف يمكن للأدب أن يكون أداة مقاومة وصياغة للذاكرة الجماعية. تتجلى قضية الدراسة إذًا في تحليل كيفية توظيف سهيل إبراهيم عيساوي لعناصر القصة القصيرة جداً، خصوصاً تقنية القفل والدهشة، في بناء نصوص تحمل رسائل اجتماعية وإنسانية عميقة، وكيف تعكس هذه النصوص الواقع العربي، وتساهم في تطوير هذا الفن الأدبي في السياق العربي المعاصر. كما تسعى الدراسة إلى فهم العلاقة بين الشكل الفني والمضمون الاجتماعي في هذه القصص، وكيف ينجح الكاتب في توظيف أدواته السردية لخلق نصوص مكثفة ذات تأثير قوي ومستدام.
في الختام، تمثل هذه الدراسة محاولة نقدية لفهم تجربة أدبية متميزة في مجال القصة القصيرة جداً، تسلط الضوء على أهمية هذا الفن في التعبير عن الواقع المعاصر، وتكشف عن قدرات الكاتب في توظيف تقنيات سردية متقدمة لتحقيق أهداف فنية وإنسانية. كما تسعى إلى إثراء المكتبة النقدية العربية بدراسة معمقة تفتح آفاقًا جديدة للبحث في هذا الجنس الأدبي الحديث، وتدعم جهود تطويره ونشره بين القراء والنقاد.
أسئلة الدراسة
1. كيف يستخدم سهيل إبراهيم عيساوي تقنية القفل والدهشة في نهاية قصصه القصيرة جداً لتحقيق التأثير الفني والجمالي؟
2. ما هي الموضوعات الاجتماعية التي تعالجها قصص مجموعة “والي المدينة”؟ وكيف يعكس الكاتب من خلالها الواقع العربي؟
3. ما هي الخصائص الفنية والأسلوبية التي تميز قصص عيساوي القصيرة جداً، وكيف تساهم في إيصال الرسائل الاجتماعية والإنسانية؟
4. كيف تتفاعل عناصر السرد (الشخصيات، الزمان، المكان، الحوار) مع تقنية القفل والدهشة في بناء النص القصصي؟
5. ما هو الدور الذي تلعبه الرمزية والصورة الفنية في تعزيز معاني القصص وتحقيق عمق دلالي؟
6. كيف تساهم قصص عيساوي في تطوير فن القصة القصيرة جداً في الأدب العربي المعاصر؟

منهج الدراسة
تتبنى هذه الدراسة المنهج النقدي الأدبي التحليلي، الذي يهدف إلى دراسة النصوص الأدبية في ضوء عناصرها الفنية والموضوعية، مع التركيز على تحليل البنية السردية والأسلوبية، وفهم الرسائل الاجتماعية والإنسانية التي تحملها. ويعتمد المنهج على قراءة متأنية لمجموعة “والي المدينة” لسهيل إبراهيم عيساوي، مع تحليل تفصيلي لمكوناتها الفنية وتقنياتها السردية.
خطوات المنهج:
1. جمع المادة الأدبية
تم اختيار مجموعة “والي المدينة” كنص أساسي للدراسة، نظراً لأهميتها في مجال القصة القصيرة جداً، ولما تمثله من تجربة فنية متميزة في الأدب العربي المعاصر.
2. التحليل النصي
يتم تحليل كل قصة من القصص المختارة ضمن المجموعة، مع التركيز على عناصر السرد الأساسية: الشخصيات، الزمان، المكان، الحبكة، الحوار، والأسلوب. كما يتم دراسة تقنية القفل والدهشة في نهايات القصص، وكيف تؤثر على فهم القارئ للنص.
3. التحليل الموضوعي
دراسة الموضوعات الاجتماعية التي تتناولها القصص، وربطها بالسياق الاجتماعي والسياسي المحلي والعربي. كما يتم التعرف على القضايا الإنسانية التي تعكسها النصوص.
4. التحليل الأسلوبي واللغوي
دراسة اللغة والأسلوب المستخدمين في النصوص، مع التركيز على التكثيف، الرمزية، الصور الفنية، والاقتصاد اللغوي.
5. المقارنة والنقد
مقارنة تجربة عيساوي مع تجارب أخرى في مجال القصة القصيرة جداً، لتحديد الخصائص المميزة له، وتقييم مدى نجاحه في توظيف تقنيات القصة القصيرة جداً.
6. استخدام النظريات النقدية
الاستعانة بنظريات النقد الأدبي الحديثة المتعلقة بالقصة القصيرة جداً، مثل نظرية الدهشة، نظرية القفل، والنقد الاجتماعي، لتعميق التحليل وتوسيع أفق الدراسة.
مبررات اختيار المنهج:
• المنهج النقدي الأدبي التحليلي هو الأنسب لفهم النصوص الأدبية في عمقها الفني والموضوعي، خاصة في فن القصة القصيرة جداً حيث تتداخل العناصر الفنية مع الرسائل الاجتماعية.
أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف العلمية والفنية التي تسهم في إثراء المعرفة النقدية حول فن القصة القصيرة جداً في الأدب العربي، وتحديداً في تجربة الكاتب سهيل إبراهيم عيساوي، ومن أبرز هذه الأهداف:
1. تحليل تقنية القفل والدهشة
الكشف عن كيفية توظيف عيساوي لتقنية القفل والدهشة في نهايات قصصه القصيرة جداً، ودراسة أثرها في تحقيق التأثير الفني والجمالي، وكيف تساهم في جذب انتباه القارئ وإثارة فضوله.
2. استكشاف الموضوعات الاجتماعية
التعرف على الموضوعات الاجتماعية التي تعالجها قصص المجموعة، وتحليل كيف تعكس هذه الموضوعات الواقع العربي، وما هي القضايا الإنسانية التي تتناولها.
3. دراسة الخصائص الفنية والأسلوبية
تحديد الخصائص الفنية التي تميز أسلوب عيساوي في القصة القصيرة جداً، مثل التكثيف، الاقتصاد اللغوي، الرمزية، والصورة الفنية، وكيف تساهم هذه الخصائص في بناء نصوص ذات قيمة أدبية عالية.
4. فهم العلاقة بين عناصر السرد والرسائل
دراسة كيفية تفاعل عناصر السرد المختلفة مع تقنية القفل والدهشة في بناء النصوص، وكيف تخدم هذه العلاقة إيصال الرسائل الاجتماعية والإنسانية.
5. تقييم مساهمة عيساوي في تطوير القصة القصيرة جداً
تحليل مدى إسهام تجربة عيساوي في إثراء وتطوير فن القصة القصيرة جداً في الأدب العربي، وتحديد موقعه بين رواد هذا الفن.
6. إثراء المكتبة النقدية
إضافة دراسة نقدية متعمقة إلى المكتبة العربية في مجال القصة القصيرة جداً، تسهم في تعزيز البحث العلمي والدراسات الأدبية في هذا المجال.
أهمية الدراسة
تكتسب هذه الدراسة أهميتها من عدة جوانب أكاديمية وفنية واجتماعية:
1. الإسهام في تطوير النقد الأدبي العربي
تركز الدراسة على فن القصة القصيرة جداً، وهو جنس أدبي حديث نسبياً في الأدب العربي، ما يجعلها إضافة مهمة للمكتبة النقدية، وتفتح آفاقاً جديدة للبحث والدراسة.
2. تسليط الضوء على تجربة متميزة
تسلط الدراسة الضوء على تجربة الكاتب سهيل إبراهيم عيساوي، الذي يمثل صوتاً أدبياً مهماً يعكس الواقع العربي، مما يثري الفهم الثقافي والسياسي من خلال الأدب.
3. تعزيز فهم القصة القصيرة جداً
تساعد الدراسة القراء والنقاد على فهم طبيعة هذا الفن الأدبي، وتقنياته، وكيفية تحقيق التوازن بين الإيجاز والعمق، مما يساهم في رفع مستوى التقدير لهذا النوع من الأدب.
4. دعم التعليم الأدبي والثقافي
يمكن أن تستخدم نتائج الدراسة في المناهج الأكاديمية لتعليم الأدب الحديث، وتعريف الطلاب بخصائص القصة القصيرة جداً، وتحليل نصوصها بعمق.
5. المساهمة في الوعي الاجتماعي
عبر تحليل الموضوعات الاجتماعية في القصص، تساعد الدراسة في إبراز دور الأدب في التعبير عن قضايا المجتمع، وتعزيز الوعي بالقضايا الإنسانية والاجتماعية.
6. تطوير أدوات نقدية جديدة
تقدم الدراسة نموذجاً نقدياً متكاملاً يمكن أن يستفيد منه الباحثون في دراسات أخرى، مما يثري أدوات النقد الأدبي ويطورها.
7. تشجيع الإبداع الأدبي
من خلال إبراز أهمية القصة القصيرة جداً، تشجع الدراسة الكتاب الشباب على استكشاف هذا الفن، وتطوير مهاراتهم في الكتابة المكثفة والفعالة.

المقدمة
تشكل القصة القصيرة جداً ظاهرة أدبية حديثة تستجيب لمتطلبات العصر الراهن، وتلبي حاجة القارئ المعاصر إلى نصوص مكثفة تحمل رؤى عميقة في قوالب موجزة1. وقد فرض هذا الفن الأدبي الجديد حضوره بقوة على الساحة العربية، مستفيداً من التطورات التقنية والثقافية التي شهدها العالم في العقود الأخيرة2. في هذا السياق، تبرز مجموعة “والي المدينة” للكاتب سهيل إبراهيم عيساوي كنموذج متميز يجسد خصائص هذا الفن ويطوره بأسلوب يجمع بين الأصالة والمعاصرة3.
يعد سهيل إبراهيم عيساوي من الكتاب البارزين الذين ساهموا في إثراء المشهد الأدبي العربي بكتاباته المتنوعة التي تشمل الشعر والقصة والبحث التاريخي4. وقد صدرت له أكثر من خمسة وعشرين كتاباً توزعت على مختلف الأجناس الأدبية، مما يشهد على غزارة إنتاجه وتنوع اهتماماته الثقافية5. وتأتي مجموعة “والي المدينة” لتؤكد قدرة الكاتب على التعامل مع فن القصة القصيرة جداً بحرفية عالية ووعي فني متقدم.
تضم المجموعة ثمانية وخمسين نصاً قصصياً قصيراً جداً، تتراوح بين بضعة أسطر وصفحة واحدة، وتتناول موضوعات متنوعة تعكس هموم الإنسان العربي المعاصر وتحدياته اليومية 6 . وما يميز هذه النصوص هو قدرتها على الجمع بين البساطة الظاهرية والعمق الدلالي، حيث تحمل كل قصة في طياتها رؤية نقدية للواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي12.
تسعى هذه الدراسة إلى تقديم قراءة نقدية شاملة لمجموعة “والي المدينة”، مركزة على تحليل البنية الفنية للنصوص، واستكشاف الموضوعات الاجتماعية التي تطرحها، ودراسة تقنية الدهشة في نهايات القصص78. كما تهدف إلى الكشف عن خصائص أسلوب عيساوي في التعامل مع هذا الفن الأدبي الجديد، وبيان مدى نجاحه في توظيف تقنياته لخدمة رؤيته الفنية والفكرية.
التمهيد: القصة القصيرة جداً والكاتب
نشأة وتطور القصة القصيرة جداً
يُعد آرنست همنجواي أول من أطلق مصطلح “القصة القصيرة جداً” على إحدى قصصه عام 1925، إذ كتب قصة تتألف من ست كلمات فقط: “للبيع، حذاء طفل، لم يرتدِه أحد”19. هذا النص المتناهي في الإيجاز يحمل في طياته مأساة إنسانية كاملة، ويجسد قدرة هذا الفن على التكثيف والإيحاء. ومنذ ذلك الحين، تطور هذا الفن الأدبي ليصبح جنساً أدبياً معترفاً به، له قواعده وتقنياته الخاصة2.
في الأدب العربي، بدأت القصة القصيرة جداً تظهر بوضوح منذ ستينيات القرن العشرين، خصوصاً في كتابات محمد زفزاف المغربي، وزكريا تامر السوري، وعبد الرحمن مجيد الربيعي العراقي2. وقد شهدت العقود الأخيرة ازدهاراً ملحوظاً في هذا الفن، حيث برز عدد كبير من الكتاب العرب الذين أبدعوا في هذا المجال وطوروا تقنياته.
تتميز القصة القصيرة جداً بعدة خصائص أساسية تميزها عن الأجناس الأدبية الأخرى18. فهي تعتمد على التكثيف الشديد في اللغة والحدث، والاقتصاد في استخدام الألفاظ، والتركيز على لحظة واحدة أو موقف محدد. كما تتطلب وجود عنصر المفارقة والإدهاش، خاصة في النهاية التي يجب أن تفاجئ القارئ وقد تصدمه1.

سهيل إبراهيم عيساوي:
السيرة والمسيرة الأدبية
ولد سهيل إبراهيم عيساوي عام 1973 في قرية كفرمندا بالجليل 34. تلقى تعليمه في مدارس قريته، ثم التحق عام 1993 بجامعة بن غوريون في بئر السبع، حيث حصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ العام والعلوم السياسية عام 1996. وفي عام 2000، حصل على شهادة الماجستير في تاريخ الشعب اليهودي من الجامعة نفسها5.
عمل عيساوي معلماً لمادتي التاريخ والمدنيات في النقب لمدة تسعة أعوام، قبل أن يتولى إدارة مدرسة ابن سينا الابتدائية في كفرمندا عام 20044. وقد ساهم نشاطه التربوي في تشكيل رؤيته الأدبية، حيث نجد في كتاباته اهتماماً واضحاً بالقضايا التعليمية والتربوية والاجتماعية.
بدأت رحلة عيساوي الأدبية مبكراً، حيث أصدر أول مجموعة شعرية “وتعود الأطيار إلى أوكارها” عام 199435. ومنذ ذلك الحين، توالت إصداراته الأدبية التي تنوعت بين الشعر والنثر والبحث التاريخي وأدب الأطفال. وقد صدر له أكثر من خمسة وعشرين كتاباً، مما يشهد على غزارة إنتاجه وتنوع اهتماماته الثقافية.
ساهم عيساوي في تأسيس رابطة أقلام الجنوب وانتُخب رئيساً لها، كما حرر عدة مجلات أدبية منها “الفانوس” و”الينبوع الثقافي” و”الرازي”4. وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والرومانية والبولندية، مما يشهد على تميز إنتاجه الأدبي وقيمته الفنية5.

خصائص الأدب المعاصر
ينتمي سهيل عيساوي إلى جيل من الكتاب الذين عاشوا وواجهوا تحديات الهوية والانتماء10. فالأدب المعاصر يتميز بارتباطه الوثيق بالقضية الوطنية وبسعيه لتأكيد الهوية في مواجهة محاولات الطمس والتشويه1011. وقد ساهم هذا الأدب في تنظيم الوعي الجمعي للأمة والارتقاء به، كما عمل على رسم الهوية الحضارية وبيان قيمتها أمام الأجيال المتعاقبة10.
وتتجلى أعمال عيساوي في خصائص الأدب المعاصر، من حيث التركيز على قضايا الهوية والانتماء، ومن حيث تصوير معاناة الإنسان 1211. كما نجد في نصوصه اهتماماً بالقضايا الاجتماعية والسياسية التي تهم المجتمع ، مثل الفقر والظلم الاجتماعي والفساد السياسي.

الفصل الأول: البنية الفنية والتقنيات السردية
البنية العامة للمجموعة
تضم مجموعة “والي المدينة” ثمانية وخمسين نصاً قصصياً قصيراً جداً، تتراوح أطوالها بين عدة أسطر وصفحة واحدة6. وقد رتب الكاتب هذه النصوص بطريقة تحقق التنوع في الموضوعات والأساليب، مما يخلق إيقاعاً متدرجاً يحافظ على اهتمام القارئ ويدفعه لمتابعة القراءة.
تبدأ المجموعة بقصة “صفعة” التي تصور مشهداً من الصراع السياسي، وتنتهي بقصة “وردة ولسعة” التي تقدم صورة رمزية لعلاقة الإنسان بالجمال والألم6. وبين البداية والنهاية، تتوزع القصص على محاور موضوعية متنوعة تشمل السياسة والمجتمع والحب والحياة اليومية.
يمكن تقسيم قصص المجموعة إلى عدة مجموعات موضوعية: القصص السياسية مثل “صفعة” و”صندوق الانتخابات” و”والي المدينة”، والقصص الاجتماعية مثل “في المطعم” و”طوشة” و”عرس”، والقصص الرومانسية مثل “حب من الدرجة العاشرة” و”وردة حمراء” و”العيون العسلية”، والقصص الفلسفية مثل “نصيب” و”ضمير” و”أعمى”6.
التقنيات السردية
الراوي والرؤية السردية
يعتمد عيساوي في معظم قصصه على راوٍ عليم بالغيب يقدم الأحداث من منظور خارجي8. هذا الراوي لا يكتفي بوصف الأحداث الظاهرة، بل يكشف عن الدوافع النفسية للشخصيات وخلفياتها الاجتماعية. ففي قصة “ضمير”، يصف الراوي رحلة الشخصية الداخلية نحو التخلص من ضميرها: “أخيراً قرر أن يزور عيادة، استأصل ضميره بمشرط، لفه بمنديل ملون، وشيعه إلى مثواه الأخير”6.
في بعض القصص، يستخدم الكاتب تقنية الراوي المتكلم، مما يخلق علاقة مباشرة بين الشخصية والقارئ. ففي قصة “والي المدينة”، يحكي الراوي عن حلمه بأنه والٍ للمدينة: “رأيت فيما يرى النائم أنني والٍ لمدينة، أصدرت أمراً بقطع يد السارق”6. هذا الاستخدام المتنوع لتقنيات السرد يثري النصوص ويمنحها أبعاداً متعددة.
الشخصيات
تتميز شخصيات قصص عيساوي بكونها نماذج إنسانية تمثل فئات اجتماعية مختلفة8. فهي ليست شخصيات فردية معزولة، بل رموز لأنماط بشرية موجودة في الواقع. الحاكم الجائر في “صفعة”، والمثقف المنافق في “بطل من دخان”، والمواطن البسيط في “متسول”، كلها شخصيات تمثل شرائح واسعة من المجتمع”6.
يعتمد الكاتب على الاقتصاد في رسم الشخصيات، حيث يكتفي بإبراز الجوانب الأساسية التي تخدم فكرة القصة1. فالشخصية في القصة القصيرة جداً لا تحتاج إلى تفصيل كامل، بل إلى إضاءة سريعة تكشف عن جوهرها. في قصة “الحلاق الثرثار”، نتعرف على الشخصية من خلال حركاتها وكلماتها: “يحرك مقصه، يعمل سريعاً، بلا كلل وال ملل، تتدفق قصص البيوت والرجال والنساء والسياسة، يهز رأسه، ينفض الشعر الأسود والأبيض ويبتسم”6.
الزمان والمكان
يتعامل عيساوي مع عنصري الزمان والمكان بطريقة مكثفة تتناسب مع طبيعة القصة القصيرة جداً13. فالأحداث تقع عادة في زمن محدود، قد يكون لحظة واحدة أو يوماً أو فترة قصيرة. المكان أيضاً محدود ومحصور، مما يخلق تركيزاً يخدم وحدة التأثير.
في قصة “في المطعم”، يقتصر المكان على المطعم المطل على البحر، والزمن على وجبة طعام واحدة6. هذا التحديد الدقيق للزمان والمكان يساعد على تركيز الانتباه على الحدث الأساسي وهو انشغال أفراد الأسرة بهواتفهم الذكية عن تناول الطعام وعن بعضهم البعض.
التقنيات اللغوية والأسلوبية
اللغة والأسلوب
يتميز أسلوب عيساوي بالبساطة والوضوح، بعيداً عن التعقيد اللغوي أو الزخرفة البلاغية المفرطة14. يستخدم لغة قريبة من لغة الحياة اليومية، مما يجعل نصوصه في متناول القارئ العادي دون أن تفقد عمقها الفني أو قيمتها الأدبية.
تتضح بساطة اللغة في قصص مثل “عرس” حيث يصف الكاتب استعدادات والد العريس: “جلس والد العريس القرفصاء وبدأ يرص أخماساً بأسداس؛ كيف سيجهز لعرس ابنه البكر؟ طبع ألف مكتوب، استلف دفتر جاره، وعنون دعوات لجميع الأسماء التي وردت فيه، حتى التي فارقت الحياة بلا وداع!” 6. هذه اللغة البسيطة تحمل في طياتها نقداً اجتماعياً لاذعاً للمبالغة في حفلات الزفاف.
الصورة الفنية والرمز
يوظف عيساوي الصورة الفنية والرمز بطريقة ذكية تخدم المعنى العام للقصة82. فالورود في قصصه ليست مجرد عناصر طبيعية، بل رموز للجمال والحب والحياة. في قصة “وردة”، تصبح الوردة رمزاً للجمال المهدد: “فجأة! اشتد نور الشمس، فتحول الرجلان لدودتين صغيرتين”6.
الرمزية في قصص عيساوي تتجاوز الوصف المباشر لتصل إلى مستويات أعمق من المعنى. في قصة “زيتونة”، تصبح شجرة الزيتون رمزاً للهوية والانتماء والصمود: “عندما غابت الشمس، وانتشر الضباب، تسلل عصابة لصوص متخفين ومقنعين بحلول الظلام، ومعهم آلات ثقيلة، واقتلعوا الزيتونة بينما كان أصحابها نياماً”6. هذا المشهد يرمز إلى سرقة الأرض والهوية تحت جنح الظلام.
الحوار
رغم قصر النصوص، يستطيع عيساوي توظيف الحوار بفعالية لكشف طبائع الشخصيات وتطوير الحدث8. الحوار في قصصه مقتضب ومكثف، كل كلمة فيه لها وظيفة محددة. في قصة “لأنك عربي”، يكشف الحوار عن العنصرية بطريقة مباشرة: قال السائق: “أنت تحمل ملامح شرقية؛ ولهجتك تشي بأنك عربي”. رد العربي: “نعم أنا عربي ابن الأرض وأعيها”6.
تحليل العناصر السرد، السياق، والأسلوب وربطها بأمثلة
التحليل النصي: العناصر السردية
أ. الحوار كأداة تفجير دلالي
يُوظف عيساوي الحوار المكثف كسلاح سردي يُفجّر الصراع الخفي. في قصة “لأنّكَ عَرَبِيٌّ”، يحوّل حوار السائق (“أنت ذو ملامح شرقية”) والطالب (“نعم أنا عربي ابن الأرض”) المواجهةَ العابرة إلى استعارةٍ للتمييز العنصري. هنا يصبح الحوارُ مطرقةً تدقّ على وَتَرِ الهوية الجريح، حيث تُختزل إجابة الطالب في جملةٍ واحدةٍ تحمل تاريخًا من المقاومة الثقافية.
ب. تشريح الشخصيات: من الرمز إلى الواقع
تتحول الشخصيات إلى رموزٍ ناطقةٍ بأزمات المجتمع. في “صَفعَةٌ”، يقدم “الحاكم” كتجسيدٍ للسلطة المستبدة، بينما “الرجل المصفوع” يُمثّل صرخة المقهورين. لكن المفارقة تكمن في تحوّل البطل إلى ضحيةٍ عندما تتحول صفعته البطولية إلى كابوس (“سمع الباب يُقرع… المخابرات العسكرية”). هذه الثنائية تُظهر كيف يُحيل عيساوي الشخصياتِ إلى أدواتٍ لفك شيفرة العلاقة بين الفرد والسلطة.
ج. الحبكة: هندسة الانهيار المفاجئ
تبني القصص حبكاتٍ مُصمتةً تنهار فجأةً بفعل “قفلة الدهشة”. في “طوشة”، تبدأ الحبكة بنظرة (“حدَّق به بنظرة حادّة”) وتنتهي بحرب شوارع (“أطلقوها بالهواء إعلانا بانطلاق الحرب”)، لكن المفاجأة تكمن في سبب الصراع: “داس على خيالي ولم يعتذر!”. هذه القفزة الحبكية تكشف هشاشة العلاقات الاجتماعية في عصر الوسائط الرقمية.
٢. التحليل الموضوعي: الربط بالسياق
أ. السلطة والرقابة: مرآة الأنظمة العربية
ترتبط قصة “صندوق الانتخابات” بالسياق السياسي العربي عبر تفكيكها لآليات الهيمنة المبطنة. فرض “منع التجول” و”ضبط بطاقات الانتخاب” يُحاكي آليات القمع في الأنظمة الشمولية، بينما النهاية الساخرة (“وجدوا لكل ناخب صوتًا، وسوطًا!”) تكشف ثنائية الديمقراطية الشكلية. هذا التشريح يربط النصَّ بواقع الانتخابات الصورية في المجتمعات العربية.
ب. العنف الرقمي: تشظي المجتمعات الافتراضية
تقدم “طوشة” تحليلاً ثاقباً لتحول الوسائط الرقمية إلى أدوات عنف. استدعاء “مجموعة الصقور الجارحة” عبر الرسائل يُجسّد كيف تُولّد المنصاتُ الرقميةُ ثقافةَ القطيع (“أطلقوها بالهواء إعلانا بانطلاق الحرب”). هذه الرؤية تُعلق على ظاهرة “التنمر الرقمي” في العالم العربي، حيث تتحول الخلافات التافهة إلى حروب افتراضية تنزف إلى الواقع.
التحليل الأسلوبي: أمثلة تطبيقية
أ. التكثيف اللغوي: اقتصاد الكلمات
يصل التكثيف إلى ذروته في قصة “ضمير”:
استأصل ضميره بمشرط عتيق، لفه بمنديل ملوّن، وشيّعه إلى مثواه الأخير”
هنا تُختزل أزمةُ الضمير الجمعي في ١١ كلمةً فقط، حيث تحوّل الجملةُ الاستئصالَ الجراحي إلى طقس جنائزي ساخر.
ب. الرمزية المتعددة الطبقات
في “شجرة زيتون معمرة”، تتحول الزيتونة المسروقة إلى رموزٍ متداخلة:
• الرمز التاريخي: عمرها “أكثر من ألفي سنة” يشير إلى جذور الهوية.
• الرمز السياسي: “طلوا جذورها بلون أزرق” يُماثل محاولات طمس الهوية.
• المفارقة: إثمارها زيتونًا رغم التشويه يسخر من فشل محو الذاكرة الجمعية.
ج. الصور الفنية: الانزياح والتحويل
يبتكر عيساوي صوراً غير مألوفة كما في “في المطعم”:
تناول كل واحد منهم هاتفه الذكي، وزّعوا اللّايكات وجمعوا مثلها”
تحويل “اللايكات” إلى بديل للطعام (“شعروا بعصافير البطن تعزف على أوتار الجوع”) يصوّر اغتراب الإنسان في العصر الرقمي عبر الانزياح بالمجاز.

الفصل الثاني: الموضوعات الاجتماعية
النقد السياسي والفساد
تحتل القضايا السياسية حيزاً مهماً في قصص عيساوي، حيث يسلط الضوء على مظاهر الفساد السياسي والاستبداد والديمقراطية المزيفة15. في قصة “صفعة”، يصور الكاتب مشهداً يجسد العلاقة المتوترة بين الحاكم والمحكوم: “ابتسم الحاكم بوجهه، ابتسامة صفراء يابسة وصفعه على خده الأيسر”6. هذه الصورة تكثف في لحظة واحدة طبيعة النظام السياسي القائم على القمع والاستبداد.
في قصة “صندوق الانتخابات”، يقدم الكاتب صورة ساخرة للديمقراطية المزيفة: “استعداداً للعرس الديمقراطي، تم فرض منع التجوال على المواطنين، منع الناخب والمرشح من الخروج ليلاً على رؤوس أصابعهم”6. هذا التناقض بين الديمقراطية والقمع يكشف عن زيف الشعارات السياسية.
قصة “الواعظ” تسلط الضوء على النفاق السياسي والديني: “ضموه إلى كل لجان الصلح، يقف خطيباً بين المتخاصمين، يحثهم على الصلح سيد الأحكام والأنام… وعندما يلبس الليل عباءته السوداء، يشعل نار الفتنة بحطب العائلية والطائفية بعود ثقاب الأنا”6. هذا التناقض بين الظاهر والباطن يكشف عن آفة النفاق المجتمعي.
القضايا الاجتماعية والطبقية
يتناول عيساوي في قصصه قضايا اجتماعية متنوعة تعكس همोم المجتمع العربي المعاصر1516. قضية الفقر والثراء تظهر بوضوح في قصة “ثروة مع وقف التنفيذ”: “عندما طرق ملك الموت بابه على حين غرة، وجده يقبض على بضع قروش، يحاورها، ويستجوبها ثم يحتضنها”6. هذه الصورة تجسد علاقة الإنسان المتأصلة بالمال حتى لحظة الموت.
قصة “متسول” تعرض مفارقة اجتماعية مؤلمة: “نزل من سيارته الفارهة، التفت يميناً ويساراً، يبحث عن عيون تلاحقه! أخذ عكازه العتيق، وضع نظارة سوداء على عينيه، وكمامة بالية على وجهه… نزل مسرعاً، لكنه تذكر شيئاً، فمشى بتثاقل، يتأرجح بخطوات صغيرة”6. هذا النص يكشف عن ظاهرة التسول المهني والاستغلال العاطفي للناس.

التكنولوجيا والاغتراب الحديث
تتناول عدة قصص في المجموعة تأثير التكنولوجيا على العلاقات الإنسانية15. في قصة “في المطعم”، يصور الكاتب كيف أصبحت الأجهزة الذكية حاجزاً بين أفراد الأسرة الواحدة: “استل كل واحد منهم هاتفه الذكي، وزعوا اللايكات وجمعوا مثلها، أخذ النادل الأطباق كما وضعها! قفلوا راجعين، وبعد لحظات شعروا بعصافير البطن تعزف على أوتار الجوع”6.
قصة “تواصل” تسخر من مفهوم التواصل الافتراضي: عندما بحثوا في هاتفه ورسائله عن رسالة لعشيقة، لم يجدوا. قيل له: “كيف تتواصل معها؟” قال: “للقلب شيفرة لا يعرفها إلا العاشق”6. هذا النص يؤكد على أن التواصل الحقيقي يتجاوز الوسائل التقنية ليصل إلى مستوى أعمق من التفاهم الإنساني.
العدالة الاجتماعية والظلم
تحضر قضية العدالة الاجتماعية بقوة في قصص المجموعة16. في قصة “شكوى”، يستخدم الكاتب الرمز الحيواني لتصوير الظلم: “قدمت الأرانب شكواها إلى الأسد ملك الغابة. وقف الأسد على صخرة عملاقة قرب عرينه المنيع، حاول أن يزأر، لكن صوته كان مخنوقاً! تقلص ظله، وعندما عطس؛ خرجت قطعة جزر من حنجرته”6. هذا المشهد يكشف عن فساد القضاء وتواطؤه مع الظالمين.
قصة “عيد العمال” تسلط الضوء على معاناة الطبقة العاملة: “احتفل الجميع بعيد العمال، إلا العمال الذين أيقظوا الشمس من نعاسها، جهزوا زادهم المغموس بالعرق والدم، وقفوا تحت أشعة الشمس طويلاً، تلسع جلودهم”6. هذا التناقض بين الاحتفال الرسمي ومعاناة العمال الحقيقية يكشف عن النفاق الاجتماعي.
قضايا الهوية والانتماء
تبرز قضايا الهوية والانتماء كموضوع أساسي في قصص عيساوي، خاصة في ظل الوضع القائم 1011. قصة “لأنك عربي” تجسد تجربة التمييز العنصري: “استقل حافلة تنقله من يافا إلى حيفا. حدق به السائق يكاد يفرسه بنظراته، استوقفه، طلب منه دون سائر الركاب بطاقة هويته، وفتش حقيبته وكتبه حول الديمقراطية وتقبل الآخر”6.
قصة “زيتونة” تتناول موضوع سلب الأرض والهوية برمزية عالية: “عندما غابت الشمس، وانتشر الضباب، تسلل عصابة لصوص متخفين ومقنعين بحلول الظلام، ومعهم آلات ثقيلة، واقتلعوا الزيتونة بينما كان أصحابها نياماً”6. شجرة الزيتون هنا رمز للهوية والانتماء للأرض.

الفصل الثالث: عنصر الدهشة وتقنية القفل
مفهوم الدهشة في الأدب
تُعرف الدهشة بأنها انفعال ناجم عن حدث أو واقعة تدفع إلى طرح أسئلة بسبب طبيعتها غير المعتادة أو غير المتوقعة أو الغريبة أو الصعبة التفسير17. في الأدب، تعتبر الدهشة عنصراً أساسياً في تحقيق التأثير الجمالي، خاصة في القصة القصيرة جداً التي تعتمد على المفاجأة في نهايتها1318.
تختلف الدهشة عن المفاجأة في كونها تقتضي وجود وعي إنساني عميق17. فبينما المفاجأة قد تكون مجرد حدث خارجي غير متوقع، فإن الدهشة تنطوي على إعادة تقييم للفهم السابق وتغيير في المنظور. وهذا ما نجده في قصص عيساوي، حيث تؤدي النهايات المفاجئة إلى إعادة قراءة النص بمنظور جديد.
تقنية القفل في القصة القصيرة جداً
تُعرف القفلة بأنها النهاية أو الخاتمة التي تربك المتلقي بإيجازها وإضمارها وتكثيفها، وتخيب أفق انتظاره بجملها الصادمة18. ولا تقتصر القفلة على العبارة أو الجملة الأخيرة من القصة، بل قد تكون عبارة عن نقط حذف أو علامة ترقيم أو مقطع أو فقرة18.
في مجموعة “والي المدينة”، نجد أنواعاً مختلفة من القفلات التي تحقق عنصر الدهشة:
القفلة المفارقة
تعتمد هذه القفلة على المفارقة الحادة بين ما يُتوقع وما يحدث فعلاً. في قصة “ماراتون”، تأتي القفلة لتكشف عن مفارقة مذهلة: “فاز شاب مغمور، ذهل الإعلام والحكام والرياضيون! لم يشاهدوه يلتهم عشرة دجاجات يومياً، ولا يتدرب في صالات الرياضة. أجروا له فحص دم، فكان دمه أحمر قاني، لم يتناول العقاقير، لكنه مجبوب بعينه في قصيدة”6. هذه النهاية تقلب كل التوقعات حول أسباب الفوز في المسابقات الرياضية.
القفلة الصادمة
تهدف هذه القفلة إلى صدم القارئ وزعزعة يقينياته. في قصة “يملك قلبين”، تصل القفلة إلى ذروة الصدمة العاطفية: “وعندما توقف قلبه يوماً، تحسسوا صدره، سمعوا نبض قلب آخر ما زال ينبض بالحب والخير”6. هذه النهاية تكشف عن البعد الإنساني العميق للشخصية وتحول النص من مجرد وصف إلى تجربة روحية.
القفلة الرمزية
تستخدم هذه القفلة الرمز لتكثيف المعنى وتوسيع دلالة النص. في قصة “طائر العنقاء”، تأتي القفلة محملة بالرمزية: “الأساطير تتحطم على معابد الحقيقة وشوك الواقع، ومن حطامها خرج طائر العنقاء يلتهب ناراً بلون الدم، رفرف بجناحيه العملاقين عالياً وسط ذهول الناس، بين المصدق والمكذب، حتى أحرقت ألسنة النار عيونهم الذابلة”6.
الدهشة والتأويل
تخلق عناصر الدهشة في قصص عيساوي فضاءً واسعاً للتأويل والتفسير18. فالنهايات المفاجئة تجبر القارئ على إعادة قراءة النص والبحث عن العلاقات الخفية بين عناصره. في قصة “أعمى”، تكشف القفلة عن سبب العمى الحقيقي: “فجأة لم يعد يرى! أجرى جميع الفحوصات الطبية. عيونه سليمة! اتضح أنه بحاجة إلى نظارة لقلبه الأسود”6. هذه النهاية تحول النص من الحرفي إلى المجازي، ومن الطبي إلى الأخلاقي.
وظائف الدهشة في النص
تؤدي الدهشة في قصص عيساوي عدة وظائف مهمة:
الوظيفة الجمالية
تحقق الدهشة متعة جمالية خاصة تميز القصة القصيرة جداً عن غيرها من الأجناس الأدبية13. هذه المتعة تنبع من مفاجأة التوقعات وكسر أفق الانتظار. في قصة “حلم”، تخلق القفلة دهشة جمالية: “ذهب على رؤوس أصابعه لإيقاظ حلمه، لمسه بأطراف أصابعه، شعر أن حلمه ابتلعه خلسة… أحس بالبرد والجوع والغضب والندم في أحشائه”6.
الوظيفة النقدية
تستخدم الدهشة كأداة نقدية لفضح التناقضات الاجتماعية والسياسية15. في قصة “مظاهرة”، تخلق القفلة دهشة تفضح زيف الممارسة الديمقراطية: “في الليل الحالك اجتمع واحد وخمسون متظاهراً، يلتفون بأقنعة لا تظهر غير عيونهم اللامعة، حتى لا يشي بهم أحد، رفعوا شعارات ضد العنصرية، والفساد، وغسيل الأموال، وتهريب المخدرات والأسلحة. طلب منهم المحقق أن يسجل كل واحد منهم اسم أحد المشاركين. فسجل كل واحد منهم اسمه”6.
الوظيفة الفلسفية
تطرح الدهشة أسئلة فلسفية عميقة حول طبيعة الوجود والحقيقة17. في قصة “وردة”، تخلق القفلة دهشة فلسفية حول طبيعة الواقع والوهم: “اختطف وردة! اتفق أنني كنت أمر بالقرب من المكان، جريت خلفه، دخل غابة كثيفة الأشجار، وحاول التضليل… رحت أدقق النظر لأتعرف على تفاصيل وجهيهما… فجأة! اشتد نور الشمس، فتحول الرجلان لدودتين صغيرتين”6.
الفصل الرابع: التحليل النقدي التطبيقي
نماذج تطبيقية للتحليل
تحليل قصة “والي المدينة”
تُعتبر قصة “والي المدينة” التي تحمل المجموعة اسمها نموذجاً متميزاً لفن القصة القصيرة جداً عند عيساوي6. تبدأ القصة بوصف حالة نفسية: “بعد يوم من العمل الشاق؛ جلست أراقب قرص الشمس الذهبي، كيف يغيب خلف البحار رويداً رويداً… تسلل النعاس إلى عيوني، ثقل جسمي، ورحت أغط في سبات عميق”6.
يستخدم الكاتب هنا تقنية الانتقال من الواقع إلى الحلم بطريقة طبيعية، مما يهيئ القارئ لتقبل ما سيأتي. الحلم في هذا السياق ليس مجرد عنصر فني، بل آلية لكشف الرغبات المكبوتة والمخاوف الداخلية للشخصية.
تأتي ذروة القصة في الحلم: “ورأيت فيما يرى النائم أنني والٍ لمدينة، أصدرت أمراً بقطع يد السارق”6. هذا المشهد يكشف عن الرغبة في العدالة والسلطة، لكنه في الوقت نفسه يطرح سؤالاً عن طبيعة العدالة وحدودها.
القفلة تأتي محملة بالدهشة والمفارقة: “وعندما استيقظت، تذكرت أن علي زيارة السوق القديم، لأتبضع التوابل، بحثت عن يد أصافحها، فلم أجد كفاً!” 6. هذه النهاية تقلب المعنى تماماً، حيث يكتشف الحالم أن قرار قطع يد السارق قد طاله هو نفسه، مما يطرح أسئلة عميقة عن العدالة والضمير والذنب الجماعي.

تحليل قصة “زيتونة”
تمثل قصة “زيتونة” نموذجاً بارزاً لتوظيف الرمز في القصة القصيرة جداً6. تبدأ القصة بوصف شاعري لشجرة الزيتون: “أفاقت شهرة الزيتونة الآفاق، رفرف ظلها، زيتها له مذاق معتق، تظل حلاوته بدء الدهر تحت اللسان، زيتونها يتألأل تحت ضوء القمر، عمرها أكثر من ألف سنة”6.
هذا الوصف يحمل دلالات رمزية واضحة، فشجرة الزيتون في الثقافة والعربية رمز للصمود والأصالة والانتماء للأرض. العمر الطويل للشجرة (ألف سنة) يشير إلى عمق الجذور التاريخية والحضارية.
تأتي العقدة مع حلول الظلام: “عندما غابت الشمس، وانتشر الضباب، تسلل عصابة لصوص متخفين ومقنعين بحلول الظلام، ومعهم آلات ثقيلة، واقتلعوا الزيتونة بينما كان أصحابها نياماً”6. هذا المشهد يرمز بوضوح إلى عمليات سلب الأرض والاستيطان التي تحدث تحت جنح الظلام.
ردة فعل الأصحاب تكشف عن عمق الصدمة: “مع طلوع الفجر، عندما جاء أصحاب الزيتونة للصلاة تحتها، لم يجدوا الزيتونة. بحثوا عنها في كل مكان، ذرفوا العبرات السخية، مزقوا ثيابهم وحفروا على صخرة كبيرة بجانب مكان الزيتونة: كانت لنا زيتونة”6.
القفلة تأتي محملة بالمفارقة المريرة: “أما اللصوص؛ فقاموا بطلي جذور الزيتونة بلون أزرق، وتغيير جيناتها الوراثية، وانتظروا أن تثمر فاكهة جديدة، ومع موسم قطف الزيتون أثمرت الزيتونة زيتوناً، فصدم اللصوص!” 6. هذه النهاية تحمل رسالة عميقة حول استحالة تغيير الطبيعة الأصيلة للأشياء، مهما حاول المغتصبون تشويهها أو تزييفها.
تحليل قصة “صفعة”
تفتتح مجموعة “والي المدينة” بقصة “صفعة” التي تضع القارئ مباشرة في أجواء الصراع السياسي6. تبدأ القصة بمشهد احتفالي: “استجمع قواه المنهارة، وشق الجماهير الغفيرة التي ترقص فرحاً وطرباً، واقترب من الحاكم”6.
هذا المشهد يصور الأجواء المصطنعة التي تحيط بالحكام، حيث الجماهير ترقص فرحاً، لكن وصف القوى بـ”المنهارة” يشير إلى حالة داخلية مختلفة تماماً عن الظاهر.
المواجهة تحدث بشكل مفاجئ: “ابتسم الحاكم بوجهه، ابتسامة صفراء يابسة وصفعه على خده الأيسر”6. هذا التناقض بين الابتسامة والصفعة يكشف عن طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، حيث القمع يختبئ خلف قناع الود المزيف.
ردة فعل الحاكم تظهر مدى الاستبداد: “تسمر الحاكم في مكانه، وسمع صدى الصفعة عن بعد أمتار بعيدة، وسط ذهول الجماهير”6. هذا المشهد يصور صدمة الحاكم من جرأة أحد المحكومين على تحديه.
القفلة تحمل تهديداً مبطناً: “وعندما دغدغت الشمس جبهته السمراء سمع الباب يصرخ؛ يكاد يقتلع من موضعه، نهض مذعوراً مرعوباً، وقال: من الطارق؟ جاء الصوت من خلف الباب، المخابرات العسكرية”6. هذه النهاية تكشف عن دورة العنف التي يعيشها المجتمع، حيث يتحول الضحية إلى مطارد.
المنهج النقدي المتبع
في تحليل قصص عيساوي، نعتمد على منهج نقدي متكامل يجمع بين عدة مقاربات192021:
المقاربة الاجتماعية
تركز هذه المقاربة على دراسة النصوص في ضوء سياقها الاجتماعي والثقافي2021. قصص عيساوي تعكس هموم المجتمع العربي المعاصر، من الفقر والظلم الاجتماعي إلى الفساد السياسي والقمع. هذه المقاربة تساعد على فهم الأبعاد الاجتماعية للنصوص وربطها بالواقع المعيش.
المقاربة الفنية
تهتم بدراسة البنية الداخلية للنصوص وتقنياتها السردية819. في قصص عيساوي، نجد توظيفاً متقناً لتقنيات القصة القصيرة جداً، من التكثيف والإيجاز إلى المفارقة والدهشة. هذه المقاربة تكشف عن مستوى الحرفية الفنية عند الكاتب.
المقاربة الرمزية
تركز على دراسة الرموز والدلالات في النصوص2. عيساوي يوظف رموزاً متنوعة من الطبيعة والحياة اليومية لتحميل نصوصه معاني أعمق. شجرة الزيتون والوردة والطيور والحيوانات، كلها رموز تحمل دلالات ثقافية واجتماعية وسياسية.
خصائص أسلوب عيساوي
من خلال التحليل التطبيقي، يمكن تحديد خصائص أسلوب عيساوي في القصة القصيرة جداً:

البساطة المخادعة
يتميز أسلوب عيساوي بالبساطة الظاهرية التي تخفي عمقاً دلالياً كبيراً14. لغته قريبة من لغة الحياة اليومية، لكنها محملة بمعان فلسفية واجتماعية عميقة.
التكثيف الشديد
يحقق الكاتب أقصى درجات التكثيف، حيث كل كلمة لها وظيفة محددة في بناء المعنى1. لا توجد كلمات زائدة أو حشو في نصوصه، مما يجعل كل عنصر في النص ضرورياً ومهماً.
المفارقة الحادة
تعتمد معظم قصص عيساوي على المفارقة كأداة أساسية لتحقيق التأثير13. هذه المفارقة قد تكون اجتماعية أو سياسية أو وجودية، لكنها دائماً تخدم الرؤية النقدية للكاتب.
الرمزية المتقنة
يوظف الكاتب الرموز بطريقة ذكية ومتقنة، حيث تكون واضحة بما يكفي ليفهمها القارئ، وغامضة بما يكفي لتحتمل تأويلات متعددة2.

نتائج الدراسة
1. كيف يستخدم سهيل إبراهيم عيساوي تقنية القفل والدهشة في نهاية قصصه القصيرة جداً لتحقيق التأثير الفني والجمالي؟
أظهرت الدراسة أن تقنية القفل والدهشة تمثل العمود الفقري في بناء تأثير القصص القصيرة جداً لدى سهيل إبراهيم عيساوي. فقد استخدم الكاتب هذه التقنية بمهارة عالية ليحول النهاية إلى لحظة صدمة أو كشف مفاجئ يغير من فهم القارئ للنص كاملاً. القفل لا يقتصر على مجرد إنهاء الحدث، بل يخلق حالة من التوتر الفكري والعاطفي، تدفع القارئ إلى إعادة قراءة القصة والتأمل في معانيها من زوايا مختلفة. تتنوع أشكال القفل بين المفارقة الحادة التي تقلب التوقعات، والتحولات الدرامية التي تكشف عن حقائق خفية، والنهايات الرمزية التي تفتح أفقاً واسعاً للتأويل. في قصة “أعمى”، مثلاً، تأتي النهاية لتكشف أن العمى الحقيقي ليس في العين، بل في “نظارة القلب الأسود”، مما يضيف بعداً أخلاقياً وفلسفياً للنص. هذه التقنية تعزز من جمالية النص وتجعل القصة تترك أثراً نفسياً عميقاً في القارئ، وتحقق متعة الدهشة التي تميز القصة القصيرة جداً عن غيرها من الأجناس الأدبية.
2. ما هي الموضوعات الاجتماعية التي تعالجها قصص مجموعة “والي المدينة”؟ وكيف يعكس الكاتب من خلالها الواقع العربي؟
تناولت قصص المجموعة موضوعات اجتماعية وإنسانية متعددة تعكس واقع الإنسان العربي المعاصر بكل تناقضاته. أبرز هذه الموضوعات كان العدالة الاجتماعية، حيث تظهر القصص معاناة الإنسان ، وصراعه من أجل الحفاظ على الهوية والانتماء. كما عالج الكاتب قضايا الفقر والظلم الاجتماعي، والتفاوت الطبقي، والتغيرات الاجتماعية الناتجة عن الحداثة والتكنولوجيا. في قصة “زيتونة”، مثلاً، ترمز شجرة الزيتون إلى الهوية والصمود، وتصور القصة اقتلاعها كرمز للاغتصاب والتهجير. كما تناولت القصص موضوعات مثل الصراعات السياسية، التمييز العنصري، وأثر التكنولوجيا على العلاقات الإنسانية، مما يجعل النصوص ليست مجرد سرد بل نقد اجتماعي يحمل رسائل توعوية وإنسانية. وقد نجح عيساوي في تقديم هذه الموضوعات بأسلوب يجمع بين الحدة والرمزية، مما يعكس وعيه العميق بالواقع ويعبر عنه بأسلوب فني راقٍ.
3. ما هي الخصائص الفنية والأسلوبية التي تميز قصص عيساوي القصيرة جداً، وكيف تساهم في إيصال الرسائل الاجتماعية والإنسانية؟
تميزت قصص عيساوي بأسلوب لغوي بسيط وواضح، لكنه غني بالرموز والدلالات التي تعزز من عمق النصوص. استخدم الكاتب لغة قريبة من الحياة اليومية، ما يجعل النصوص في متناول القارئ العادي، لكنه أرفقها بصور فنية ورموز ثقافية مستمدة من التراث العربي. هذه الرمزية المتقنة أضافت بعداً ثقافياً وأدبياً للنصوص، وجعلتها قابلة للتأويل على مستويات متعددة. كما اتسم أسلوبه بالمفارقة الحادة التي تضفي على النصوص بعداً نقدياً لاذعاً، حيث يكشف التناقضات الاجتماعية والسياسية بأسلوب مكثف وفعال. من جهة أخرى، اعتمد عيساوي على تقنيات سردية متنوعة مثل الراوي العليم والراوي المتكلم، والحوار المكثف، مما أتاح له تقديم شخصيات تمثل نماذج اجتماعية متعددة تعكس التوترات الداخلية والخارجية في المجتمع. هذه الخصائص الفنية ساعدت في إيصال الرسائل الاجتماعية والإنسانية بفعالية، وجعلت النصوص أكثر تأثيراً ودواماً في ذاكرة القارئ.
4. كيف تتفاعل عناصر السرد (الشخصيات، الزمان، المكان، الحوار) مع تقنية القفل والدهشة في بناء النص القصصي؟
تبين أن عناصر السرد الأساسية في قصص عيساوي تتكامل بشكل متقن مع تقنية القفل والدهشة لتشكيل نصوص متماسكة ومؤثرة. فالشخصيات في قصصه ليست مجرد أفراد، بل تمثل أنماطاً اجتماعية ورموزاً تعكس الصراعات المجتمعية، مما يزيد من عمق القصة ويجعل نهاياتها أكثر وقعاً. أما الزمان والمكان فغالباً ما يكونان محدودين ومكثفين، حيث تقتصر الأحداث على لحظة أو موقف معين في مكان محدد، ما يخلق تركيزاً درامياً يخدم وحدة النص ويهيئ القارئ لصدمة النهاية. الحوار في النصوص مكثف ومباشر، ويستخدم لتطوير الشخصيات وإظهار التوترات التي تؤدي إلى القفل المفاجئ. في قصة “والي المدينة”، مثلاً، تتفاعل هذه العناصر لتخلق حلمًا يبدو بسيطًا لكنه ينتهي بنهاية صادمة تكشف عن تناقضات السلطة والعدالة. هذه التفاعلات بين عناصر السرد وتقنية القفل تحقق وحدة جمالية وتدفع القارئ إلى التفاعل العميق مع النص.
5. ما هو الدور الذي تلعبه الرمزية والصورة الفنية في تعزيز معاني القصص وتحقيق عمق دلالي؟
تلعب الرمزية والصورة الفنية دوراً محورياً في نصوص عيساوي، حيث يستخدم الرموز المستمدة من التراث العربي مثل الزيتونة، الوردة، الطيور، والحيوانات، لتجسيد قضايا معاصرة بطريقة فنية راقية. هذه الرموز لا تقتصر على كونها زخارف بل تحمل دلالات عميقة تعزز من المعنى العام للنص وتفتح أمام القارئ آفاقاً متعددة للتأويل. الصورة الفنية عند عيساوي تتميز بالبساطة والوضوح، لكنها مشحونة بالعواطف والتوترات، مما يجعلها قادرة على التعبير عن الواقع الاجتماعي والسياسي بفعالية. كما تساهم الرمزية في خلق تواصل بين الماضي والحاضر، بين التراث والتجربة المعاصرة، مما يضيف بعداً ثقافياً وأدبياً للنصوص. في قصة “زيتونة”، مثلاً، تصبح شجرة الزيتون رمزاً للصمود والهوية، واقتلاعها رمزاً للاغتصاب والتهجير، مما يجعل النص يحمل رسائل سياسية وإنسانية في آن واحد. هذه الوظائف الرمزية والفنية تعمق من تأثير القصص وتثري التجربة القرائية.
تفتح هذه الدراسة آفاقاً جديدة للبحث في القصة القصيرة جداً، وتدعو إلى مزيد من الاهتمام بهذا الفن الذي يملك القدرة على التعبير المكثف والفعّال عن قضايا الإنسان المعاصر في زمن السرعة والتغير. ويظل سهيل إبراهيم عيساوي نموذجاً رائداً في هذا المجال، يستحق المزيد من الدراسة والاحتفاء، لما يقدمه من إسهامات فنية وإنسانية تثري الأدب العربي وتدعم دوره الثقافي والاجتماعي. تتناول هذه الدراسة النقدية مجموعة “والي المدينة” للكاتب سهيل إبراهيم عيساوي، والتي تمثل تجربة بارزة في فن القصة القصيرة جداً ضمن الأدب العربي المعاصر. تهدف الدراسة إلى تحليل البناء الفني لهذه القصص، مع التركيز على تقنية القفل التي تثير الدهشة في نهايات النصوص، ودورها في تحقيق التأثير الجمالي والنفسي على القارئ. كما تسعى إلى استكشاف الموضوعات الاجتماعية والإنسانية التي تعكسها القصص، ومدى ارتباطها بالواقع العربي المعاصر. اعتمدت الدراسة المنهج النقدي الأدبي التحليلي، حيث تم تحليل ثمانية وخمسين قصة قصيرة جداً من المجموعة، مع التركيز على العناصر السردية الأساسية مثل الشخصيات، الزمان، المكان، الحوار، والأسلوب. كما تناولت الدراسة الجانب الموضوعي من خلال تحليل الموضوعات الاجتماعية التي تعالجها القصص، والتي تتنوع بين قضايا العدالة الاجتماعية، الفقر، الظلم، الهوية الوطنية، الانتماء، الصراع السياسي، وتأثير التكنولوجيا على العلاقات الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، تم دراسة الرمزية والصور الفنية التي يستخدمها الكاتب لتعميق المعاني وإثراء النص.
أظهرت نتائج الدراسة أن سهيل إبراهيم عيساوي يتميز بقدرة فائقة على تحقيق التكثيف والإيجاز في نصوصه، حيث يستخدم لغة بسيطة وواضحة تحمل في طياتها دلالات فلسفية واجتماعية عميقة. كما أن تقنية القفل والدهشة في نهايات القصص تلعب دوراً محورياً في جذب انتباه القارئ، وإثارة فضوله، ودفعه إلى إعادة قراءة النص والتأمل في معانيه من زوايا متعددة. هذه النهايات المفاجئة لا تكتفي بإغلاق النص، بل تفتح أفقاً واسعاً للتأويل والتفسير، مما يثري التجربة القرائية ويجعل النصوص أكثر تأثيراً ودواماً في الذاكرة. من الناحية الموضوعية، تعكس قصص المجموعة هموم الإنسان العربي، حيث تتناول قضايا الهوية، الانتماء، والعدالة، بالإضافة إلى قضايا اجتماعية مثل الفقر، الظلم، التمييز، والتغيرات الاجتماعية الناتجة عن الحداثة والتكنولوجيا. وتبرز القصص كأدوات نقدية تعبر عن الواقع المضطرب، وتدعو إلى الوعي الاجتماعي والسياسي، مما يجعلها ليست فقط أعمالاً فنية بل وثائق ثقافية تعكس تجربة شعب بأكمله. كما كشفت الدراسة أن أسلوب عيساوي يتسم بالمفارقة الحادة والرمزية المتقنة، حيث يستخدم الصور الفنية والرموز المستمدة من التراث والثقافة العربية ليعبر عن قضايا معاصرة، مما يخلق تواصلاً بين الماضي والحاضر ويعزز من عمق النصوص. ويظهر الكاتب مهارة عالية في توظيف الحوار والراوي لتقديم شخصيات تمثل نماذج اجتماعية مختلفة، تعكس التوترات والصراعات الداخلية والخارجية التي يعيشها المجتمع.
تؤكد الدراسة أن تجربة سهيل إبراهيم عيساوي في القصة القصيرة جداً تمثل إضافة نوعية للأدب العربي، حيث تمكن من تطوير تقنيات هذا الفن، وابتكار أساليب سردية جديدة تحقق توازناً بين الإيجاز والعمق، وبين الجمالية والالتزام الاجتماعي. كما تبرز الدراسة أهمية القصة القصيرة جداً كأداة فنية فعالة في التعبير عن قضايا الإنسان المعاصر، خصوصاً في السياقات التي تعاني من الاضطراب السياسي والاجتماعي. اتبعت الدراسة المنهج النقدي الأدبي التحليلي، الذي يُعد الأنسب لدراسة النصوص الأدبية عموماً والقصة القصيرة جداً خصوصاً، لما يتيح من قراءة معمقة لبنية النصوص وعناصرها الفنية والموضوعية. اعتمدت الدراسة على تحليل نصوص مجموعة “والي المدينة” لسهيل إبراهيم عيساوي، حيث تم اختيار ثمانية وخمسين قصة قصيرة جداً تمثل عينة تمثيلية لتجربة الكاتب في هذا الفن.
شمل التحليل دراسة متأنية لعناصر السرد الأساسية (الشخصيات، الزمان، المكان، الحوار)، مع التركيز الخاص على تقنية القفل في نهايات القصص ودورها في إثارة الدهشة والتأثير في القارئ. كما تم تحليل الأسلوب اللغوي، والرمزية، والصورة الفنية، وكيفية توظيفها لخدمة المعنى والرسالة.
بالإضافة إلى ذلك، تناول المنهج الجانب الموضوعي من خلال دراسة الموضوعات الاجتماعية والإنسانية التي تعالجها القصص، وربطها بالسياق الاجتماعي والسياسي العربي. وقد استند التحليل إلى نظريات نقدية حديثة في القصة القصيرة جداً، مثل نظرية الدهشة، ونظرية القفل، والنقد الاجتماعي، مما أتاح إطاراً نظرياً متكاملاً لفهم النصوص من زوايا متعددة.

التوصيات
استنادًا إلى نتائج الدراسة التي كشفت عن أهمية تقنية القفل والدهشة في بناء تأثير القصص القصيرة جداً لسهل إبراهيم عيساوي، ودورها في إيصال رسائل اجتماعية وإنسانية عميقة، توصي الدراسة بعدة نقاط تهدف إلى تعزيز البحث الأدبي وتطوير فن القصة القصيرة جداً في الأدب العربي:
1. تشجيع البحث العلمي في فن القصة القصيرة جداً
ينبغي على المؤسسات الأكاديمية والبحثية دعم الدراسات النقدية التي تركز على القصة القصيرة جداً، باعتبارها فناً أدبياً حديثاً يحمل إمكانيات كبيرة للتعبير عن قضايا الإنسان المعاصر. ويجب توفير الموارد والمصادر اللازمة للباحثين لتوسيع دائرة المعرفة بهذا الجنس الأدبي.
2. دعم نشر وتعميم أعمال سهيل إبراهيم عيساوي
توصي الدراسة بضرورة دعم نشر أعمال عيساوي وتعميمها بين القراء والنقاد، سواء من خلال طبعات جديدة أو ترجمات إلى لغات أخرى، لتعزيز حضور هذا الصوت الأدبي المهم في الساحة العربية والدولية.
3. إدراج نصوص القصة القصيرة جداً في المناهج التعليمية
ينبغي إدراج نصوص القصة القصيرة جداً، وخصوصاً أعمال عيساوي، في المناهج الأدبية في المدارس والجامعات، لتعريف الطلاب بهذا الجنس الأدبي، وتعزيز قدراتهم النقدية والقرائية، وتنمية وعيهم بالقضايا الاجتماعية والثقافية.

4. تشجيع الكتاب الشباب على استكشاف هذا الفن
يجب تشجيع الكتّاب الشباب على استكشاف تقنيات القصة القصيرة جداً وتطويرها، من خلال ورش عمل وندوات وفعاليات أدبية، مما يساهم في إثراء المشهد الأدبي العربي وتجديده.
5. إجراء دراسات مقارنة
تدعو الدراسة إلى إجراء بحوث مقارنة بين تجارب عربية وعالمية في القصة القصيرة جداً، لتعميق الفهم النقدي، وتطوير أدوات التحليل، والاستفادة من التجارب المختلفة في تطوير هذا الفن.

الخاتمة
في الختام، تؤكد هذه الدراسة أن تجربة سهيل إبراهيم عيساوي في مجموعة “والي المدينة” تمثل إضافة نوعية ومهمة لفن القصة القصيرة جداً في الأدب العربي المعاصر. فقد نجح الكاتب في توظيف تقنيات سردية متقدمة، لا سيما تقنية القفل والدهشة، لتحقيق تأثير جمالي ونفسي قوي في نصوص مكثفة الإيجاز، تحمل رسائل اجتماعية وإنسانية عميقة تعكس واقع الإنسان العربي بكل تناقضاته وتحدياته. كما برزت في نصوصه قدرة فائقة على المزج بين البساطة والعمق، وبين الجمالية والالتزام الاجتماعي، مما يجعل قصصه ليست مجرد أعمال أدبية فحسب، بل أدوات نقدية وثقافية تعبر عن هموم المجتمع وتدعو إلى الوعي والتغيير.
أظهرت الدراسة أن سهيل إبراهيم عيساوي يتمتع بمهارة عالية في توظيف تقنيات القصة القصيرة جداً، حيث يحقق توازناً دقيقاً بين التكثيف والإيحاء، وبين البساطة والعمق. اللغة التي يستخدمها واضحة ومباشرة، لكنها تحمل دلالات فلسفية واجتماعية عميقة، مما يجعل النصوص قابلة للقراءة على مستويات متعددة.
كانت تقنية القفل والدهشة في نهايات القصص من أبرز سمات المجموعة، حيث تساهم هذه النهايات المفاجئة في جذب انتباه القارئ وإثارة فضوله، ودفعه إلى إعادة قراءة النص والتأمل في معانيه. هذه القفلات لا تكتفي بإغلاق النص، بل تفتح أفقاً واسعاً للتأويل والتفسير، مما يثري التجربة القرائية ويجعل النصوص أكثر تأثيراً ودواماً في الذاكرة.
موضوعياً، تناولت القصص قضايا اجتماعية وإنسانية متنوعة تعكس واقع الإنسان العربي، مثل العدالة، الهوية، الفقر، الظلم، التغيرات الاجتماعية، وتأثير التكنولوجيا على العلاقات الإنسانية. وقد نجح الكاتب في تقديم هذه الموضوعات بأسلوب نقدي ذكي، يجمع بين الحدة والرمزية، ويعبر عن هموم المجتمع بطريقة فنية راقية.
كما كشفت الدراسة أن أسلوب عيساوي يتسم بالمفارقة الحادة والرمزية المتقنة، حيث يستخدم صوراً فنية ورموزاً ثقافية تعزز من عمق النصوص وتربطها بالتراث العربي. ويظهر الكاتب قدرة على تقديم شخصيات تمثل نماذج اجتماعية متعددة، تعكس التوترات والصراعات الداخلية والخارجية التي يعيشها المجتمع.
في المجمل، تؤكد النتائج أن تجربة سهيل إبراهيم عيساوي في القصة القصيرة جداً تمثل إضافة نوعية للأدب العربي، حيث تمكن من تطوير تقنيات هذا الفن، وابتكار أساليب سردية جديدة تحقق توازناً بين الإيجاز والعمق، وبين الجمالية والالتزام الاجتماعي. كما تبرز أهمية القصة القصيرة جداً كأداة فنية فعالة في التعبير عن قضايا الإنسان المعاصر، خصوصاً في السياقات التي تعاني من الاضطراب السياسي والاجتماعي. تشكل مجموعة “والي المدينة” لسهيل إبراهيم عيساوي إضافة نوعية مهمة للقصة القصيرة جداً في الأدب العربي المعاصر. فقد نجح الكاتب في توظيف تقنيات هذا الفن الأدبي الجديد بحرفية عالية ووعي فني متقدم، مقدماً نصوصاً تجمع بين الجودة الفنية والعمق الفكري12.
من خلال التحليل النقدي للمجموعة، تبين أن عيساوي يمتلك قدرة متميزة على التكثيف والإيجاز، حيث يستطيع أن يحشد في بضعة أسطر رؤية شاملة للواقع الاجتماعي والسياسي. كما يبرز تمكنه من توظيف عنصر الدهشة والمفارقة لتحقيق أقصى تأثير ممكن على القارئ1318.
تتنوع الموضوعات التي تتناولها قصص المجموعة لتشمل همومالإنسان العربي المعاصر وتحدياته1510. من القضايا السياسية كالاستبداد والفساد، إلى القضايا الاجتماعية كالفقر والظلم، إلى القضايا الوجودية كالحب والموت والحلم. هذا التنوع يعكس سعة أفق الكاتب وقدرته على رصد مختلف جوانب الحياة الإنسانية. تقنية الدهشة في نهايات القصص تمثل أحد أبرز إنجازات عيساوي في هذا الفن1718. فالقفلات في قصصه لا تكتفي بمفاجأة القارئ، بل تدفعه إلى إعادة قراءة النص وإعادة تأويله في ضوء النهاية المفاجئة. هذا ما يحقق للنصوص ثراءً دلالياً وقابلية للتأويل المتعدد. البعد الاجتماعي في قصص عيساوي يكشف عن التزام الكاتب بقضايا مجتمعه وأمته1610. فهو لا يكتب للمتعة الأدبية فحسب، بل يسعى لتقديم رؤية نقدية للواقع والمساهمة في إيقاظ الوعي الاجتماعي. هذا ما يجعل نصوصه تتجاوز حدود الفن إلى مجال التأثير الاجتماعي والثقافي.
من الناحية الفنية، تظهر قصص المجموعة تطوراً ملحوظاً في تقنيات القصة القصيرة جداً العربية119. فعيساوي لا يكتفي بتطبيق القواعد المعروفة لهذا الفن، بل يطورها ويضيف إليها لمسات شخصية تميز أسلوبه. هذا ما يضعه في مقدمة كتاب هذا الفن في الأدب العربي المعاصر. اللغة في قصص عيساوي تحقق معادلة صعبة بين البساطة والعمق14. فهي بسيطة بما يكفي ليفهمها القارئ العادي، وعميقة بما يكفي لتحمل دلالات فلسفية واجتماعية مهمة. هذا ما يجعل نصوصه قابلة للقراءة على مستويات متعددة، من القراءة السطحية للاستمتاع إلى القراءة العميقة للتأمل والتفكير. الرمزية في قصص المجموعة تعكس وعي الكاتب بأهمية التراث الثقافي العربي 211. فشجرة الزيتون والوردة والطيور وغيرها من الرموز تحمل دلالات متجذرة في الثقافة العربية، مما يجعل النصوص تتحاور مع التراث وتطوره في الوقت نفسه.
تقدم الدراسة نموذجاً نقدياً متكاملاً يمكن الاستفادة منه في دراسة نصوص القصة القصيرة جداً الأخرى، كما تدعو إلى مزيد من الاهتمام بهذا الفن الأدبي الذي يجمع بين الإيجاز والعمق، ويعكس قدرة الأدب على التعبير عن الواقع والتأثير فيه. وتؤكد على أهمية استمرار البحث والدراسة في هذا المجال لتطوير الأدب العربي المعاصر وتعزيز دوره الثقافي والاجتماعي. في الختام، يمكن القول إن مجموعة “والي المدينة” تمثل نموذجاً متميزاً للقصة القصيرة جداً التي تجمع بين الجودة الفنية والالتزام الاجتماعي. وهي تؤكد أن هذا الفن الأدبي الجديد قادر على حمل رؤى عميقة وتحقيق تأثير كبير، شريطة أن يتولاه كتاب يمتلكون الحرفية الفنية والوعي الثقافي اللازمين. سهيل إبراهيم عيساوي بهذه المجموعة يضع نفسه في مقدمة هؤلاء الكتاب، ويساهم في تطوير هذا الفن وإثراء الأدب العربي المعاصر.

المراجع والمصادر
المصادر الأولية
6 عيساوي، سهيل إبراهيم. والي المدينة: قصص قصيرة جداً. الطبعة الثانية، دار سهيل عيساوي للطباعة والنشر، كفرمندا، 2025.
المراجع النقدية والدراسات
6عيساوي، سهيل. (2025). والي المدينة. إصدار: دار سهيل عيساوي للطباعة والنشر.
7 هشام، صالح. “دراسة نقدية في القصة القصيرة (في حضرة الموت)”. مدونة دراسات، 2015.
6عيساوي، سهيل. (2025). والي المدينة. إصدار: دار سهيل عيساوي للطباعة والنشر.
1 “القصة القصيرة جداً في ضوء النقد”. صحفي، 13 أغسطس 2010.
8 “ما هي أسس النقد الأدبي للقصة القصيرة”. إجابة، 13 أبريل 2023.
2 “المجموعة القصصية وجه أزرق بين التكثيف والإيحاء الرمزي”. ينابيع العراق.
9 أبو بكر، وليد. “القصة القصيرة جداً من التبعية نحو الاستقلال”. مجلة القافلة، 11 أغسطس 2013.
19 “مناهج نقد القصة القصيرة جدا عند الباحث الأكاديمي المغربي جميل حمداوي”. بيان اليوم، 17 أغسطس 2018.
13 “عناصر القصة القصيرة”. arab2.daz، 26 أبريل 2012.
المراجع المنهجية والنظرية
20 “النقد الأدبي في العصر الحديث”. أكاديمية جو، 1 يناير 2025.
22 “الفرق بين النقد الأدبي في العصر القديم والعصر الحديث”. نبض العرب، 20 فبراير 2025.
21 العوفي، نجيب. “منهجية تحليل نص نقدي المنهج الاجتماعي مقاربة الواقع في القصة القصيرة المغربية”. Scribd، 17 يونيو 2025.
15 “دور القصص القصيرة في نقل الرسائل الاجتماعية وتمرير الخطابات”. الحدث لإفريقيا، 13 ديسمبر 2023.
17 “الدهشة”. ويكيبيديا، 10 سبتمبر 2024.
16 “عيوب المنهج الاجتماعي”. موضوع.
مراجع حول الكاتب والأدب
3 “سهيل إبراهيم عيساوي”. الحوار المتمدن، 1 يناير 2018.
4 “سهيل عيساوي”. منتدى الكتاب العربي، 1 مايو 2025.
5 “سهيل إبراهيم عيساوي”. Ektab، 1 يناير 2008.
10 “الأدب الفلسطيني: رمز الهوية والمقاومة”. المداد، 27 أبريل 2024.
18 “القفلة في القصة القصيرة جدا”. شبكة الألوكة.
14 “أنواع وخصائص القصة القصيرة”. منصة دورات لبيب، 9 سبتمبر 2024.
12 عيساوي، سهيل. “الوطن والمرأة في كتاب ‘رسائل من القدس وإليها'”. بانيت، 17 يونيو 2025.
11 “الأدب الفلسطيني المعاصر”. جامعة بيرزيت.

تمّ بحمد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة