مدى دستورية إلزام العاملين بالدول العربية بتحويل ربع مرتباتهم

تاريخ النشر: 04/09/16 | 7:41

إن الدور الدستوري والعملي لجهاز الخدمة العامة أو الإدارات في مجال تقديم الخدمات هو ببساطة مساعدة حكومة مقامة بطريقة شرعية وصحيحة على صياغة السياسات وتنفيذ القرارات وعلى إدارة الخدمة العامة التي هي مسئولة عنها ومن ثم أصبحت سياسات الدول وما يصاحبها من تغيرات سواء نتيجة لتداول الحكم أو لتأثير ناجم عن عوامل إقليمية أو دولية من أهم العوامل المؤثرة على توفر هذه الخدمات الرئيسية>

فعلى سبيل المثال تأثرت هذه الخدمات بتزايد الطابع العولمى للاقتصاد الدولي وما يرافقـه من تأثيرات عميقة على التشريعات والسياسات الوطنية حيث أخذت “العولمـة ” تطرح إشكاليات جديدة على المعنيين بتحسين الأدوار الإنتاجية للدولة في ظل الميل نحو الخصخصـة أو بيع المشروعات العامـة والاتجاه أيضا لتقليص الضرائب المباشرة لحفز الاستثمارات ، انخفضت موارد الدول التي كانت تمول من خلالها الخدمات الرئيسية ، وباتت موازنات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي عرضـه لتقلص فعلي مع ارتفاع الأسعار ونسب التضخم .
أن “العمال بالخارج بدأوا في الامتناع عن تحويلات مدخراتهم الدولارية لمصر بعد وضع حدٍ أقصى للسحب بـ 10 آلاف دولار، مما أصبح معه صعوبة ادخار المصريين أموالهم بالداخل وعند احتياجهم لها لا تسمح الدولة بخروجها، ونفس الوضع بالنسبة للمستثمر القادم من الخارج بأموال يرغب في استثمارها بمصر، وعند حاجته لشراء خامات أو معدات من الخارج تمنعه الدولة”.
أن البحث عن محفزات جديدة تدفع المصريين للعودة لتحويل مدخراتهم من العملة الصعبة خارج مصر، عبر المصارف الرسمية يقتضى تدخل عاجل من البنك المركزي، لاتخاذ قرار في هذا الشأن حتى ننقذ قرابة 15 مليار دولار كان يتم تحويلها من الخارج عبر البنوك والمنافذ الرسمية، وهذا المبلغ يضيع على الدولة.
وبلغت تحويلات المصريين في السعودية عام 2011 ثمانية مليارات دولار، وهو ما يشكل 60% من إجمالي تحويلات المصريين بالخارج، ويتجاوز هذا الرقم إيرادات كل من قناة السويس وقطاع السياحة التي تصل خمسة مليارات دولار لكل منهما.

مما يوضح أنه على صانع القرار المصري الوضع في الاعتبار أهمية هذا العامل خلال صياغة السياسة الخارجية لمصر تجاه دول الخليج وخاصة السعودية، وضرورة التعامل بشكل جدي وعاجل مع أزمات العمال المصريين بالخارج ليس فقط لكونهم مواطنين مصريين بالدرجة الأولى ولكن أيضا كونهم مصدرا هاما من مصادر العملة الصعبة وقاربا لنجاة الاقتصاد المصري من أزماته الحالية
ولذا فإن القوانين التي تصدرها السعودية في محاولة منها لتحجيم العمالة الأجنبية وأيضا مشروع بقرار تحديد حد أقصى لما يمكن تحويله من مبالغ مالية من العمالة الأجنبية للخارج، قد يسبب خسارة كبيرة للجانب المصري مما يعنى انه على مصر محاولة تفادى هذه القوانين بالتفاوض مع السلطات السعودية حتى لا تتضرر العمالة المصرية هناك وتحويلاتهم، وعلى صانع القرار المصري خاصة في الظروف التي تمر بها البلاد حاليا أن يعي أنه أمام قضية اقتصادية ذات أهيمه ويجب وضعها في الاعتبار عند اتخاذ موقف تجاه أي قضية دولية أو بالأخص خليجية لأن هذا سينعكس بالضرورة على مصدر هام من مصادر العملة الصعبة والذي يعد من أهم بنود ميزان المدفوعات، وهو ما ساند الاقتصاد المصري في أعقاب اندلاع ثورة 25 يناير.
لكن إذا ما نظرنا إلى السياسة الخارجية المصرية وتحالفاتها الإقليمية سنجد أن هذا العامل لا يوضع في الاعتبار بالدرجة الذي لابد أن يتمتع بها، فإذا ما نظرنا للعلاقات المصرية إلى سياسة مصر الخارجية سنجد أنها تنبع من اعتبارات أخرى ولا يوضع هذا الاعتبار في أذهان صانع القرار، ففي فترة ما بعد الثورة ووجود المجلس العسكري في سدة الحكم نجد أن مصر لم تتضح معالم سياستها الخارجية بالضبط إلا أن التقارب مع المملكة العربية السعودية والإمارات كان موجود كما كان حادث في السابق
وهذا لا يمكن إرجاعه لاهتمامنا بتحويلات العمالة المصرية ولكن اعتبارات المنح والقروض الميسرة كان هو الغالب ورغبة المملكة العربية السعودية في تعافي الاقتصاد المصري ومساندة مصر لما لها من دور إقليمي في المنطقة وللمحافظة على نفوذها والحرص على وجود نظام يراعي مصالحها المختلفة في مصر الدولة ذات الأهمية الإستراتيجية عربيا وما لديها من وسائل التأثير على المستوى الإقليمي. أما في فترة حكم محمد مرسى فقد كان التقارب المصري أكثر مع دول قطر وتركيا وليبيا وقد كان هذا نظرا لاعتبارات المنح والقروض الميسرة التي نفذت هذه الدول -وعلى رأسها قطر- بعض منها ووعدت بالآخر ولكن لم يكن للتحويلات دور كبير.

أما بعد 30 يونيو سنجد انه تم العودة مرة أخرى للتقارب مع المملكة العربية السعودية والإمارات وأيضا هذا كان لاعتبارات المنح والمساعدات ولتعويض الدور القطري الذي انحسر بعد ما تحفظت الأخيرة على طريقة إزاحة محمد مرسى من الحكم، أي أننا إذا نظرنا بشكل سريع لطريقة صنع السياسة الخارجية المصرية خلال الفترة الماضية منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 سنجد أنها لا تأخذ في اعتبارها هذا العامل الهام، بل تضع اعتبارات أخرى لا تتعلق أغلبها بالشق الاقتصادي وأهميته على مستوى العلاقات الخارجية وخاصة العلاقات المصرية الخليجية.
طرق زيادة تحويلات العاملين بالخارج وتعظيم الاستفادة منها
تعتبر تحويلات المصريين بالخارج احد مصادر النقد الأجنبي وأحد أسباب تحسن ميزان المدفوعات في عدة فترات، وهى أحد الدعائم الرئيسية خلال الفترة السابقة والتي عوضت إلى حد كبير انخفاض عائدات السياحة ونزوح الاستثمارات الأجنبية.
لكن على مصر العمل على عدة نقاط حتى يتسنى لها تعظيم الاستفادة من تحويلات العاملين بالخارج وزيادتها:
– منح الإعفاءات الضريبية والامتيازات والمعاملة التفضيلية لتحويلات العاملين بالخارج وهذا عكس ما انتشر في الآونة الأخيرة من رغبة المسئولين في فرض ضرائب على العاملين بالخارج والذي قد يؤثر بالسلب على تحويلاتهم.
– توحيد وتحرير أسعار الصرف وتحرير الخدمات المصرفية وبذل جهود في اتجاه السماح لفروع البنوك المحلية بالتواجد في الدول التي بها أعداد كبيرة من العمالة وهي توصية لصندوق النقد العربي لم يتم تفعيلها بعد بالقدر الكافي.
– على الحكومة الإسراع بالاستفادة من هذه التحويلات في عمل مشروعات إنتاجية مدروسة وألا يتم توجيه هذه الأموال للاستهلاك حتى لا تزيد الأسعار أو استخدامها في مضاربات بالبورصة.
– نشر ثقافة زيادة التحويلات النقدية بدلا من العينية.

أنه لا يوجد أي إخلال بالمبدأ الدستوري الذي ينص على تكافؤ الفرص بين المصريين في الداخل والخارج على أنه لا يوجد أى عوار قانوني حيث يعتبر اكتتاباً شعبياً باعتباره أحد المصادر الأساسية للنقد الأجنبي ،فكلما اختلفت المراكز القانونية كلما اختلفت المساواة بمعنى أن المصريين في الخارج هم مصدر للنقد الأجنبي بينما المصريين فى الداخل أحد مصادر النقد المحلى.
بينما تكمن المشكلة الأساسية في أن الدولة تراهن على مصادر النقد الأجنبي ،ولكن بعد تراجع أسعار النفط العالمية وتأثيرها على دخل قناة السويس وتحويلات المصريين فى الخارج والسياحة أصبح هناك تآكل مستمر للاحتياطي النقدي بسبب الاعتماد بنسبة 70% على الاستيراد من الخارج، مما جعل إصدار هذه الشهادات ضرورة وليست اختيار.
أن الدولة معتمدة كلياً على العائدات المتوقعة من قناة السويس الجديدة بمشروعاتها الاستثمارية في المنطقة المحيطة بها وانتظار دورتها المالية وعائداتها التي قد تستغرق 5 سنوات لتستطيع الدولة جني ثمارها ،ولكنهم في الوقت نفسه تناسوا أن قناة السويس ذاتها هي مورد متوقف على حجم التجارة العالمية.

الدكتور عادل عامر

3adel3amer

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة