مؤسسة غزة الإنسانية قصة الموت وحكاية الذل (4)
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
تاريخ النشر: 04/07/25 | 11:52
شهاداتٌ دوليةٌ وآراءٌ قانونية وانتقادات مهنيةٌ….
يكاد لا يوجد جهة تشيد بعمل “مؤسسة غزة الإنسانية” وتمتدح جهودها سوى الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني، اللذين يصفانها بالمؤسسة “العظيمة”، والهيئة الخيرية الجريئة، التي تعمل في ظل الحرب وتعرض حياة العاملين فيها للخطر، وتجازف بحياتهم وسلامتهم الشخصية، ويرون أنها ذات أهدافٍ نبيلة، وتقوم بمهام إنسانية رائعة، وتقدم خدمات جليلة لسكان قطاع غزة، وتحميهم من تغول حركة حماس عليهم، وسيطرتها على المساعدات، ومصادرتها لمحتويات الشاحنات، وحرمان المحتاجين منها، ويصفان عملها بالمهني ويطالبان المجتمع الدولي باحترامها وتأييد عملها وتقدير جهودها.
لكن المجتمع الدولي كله، بمن فيهم بريطانيا وألمانيا وهما الأقرب للكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرهما من دول القارة الأوروبية وكندا وأستراليا، وعشرات المؤسسات والمنظمات الخيرية والإنسانية، بمن فيها هيئات ومؤسسات الأمم المتحدة، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” وغيرها، يقفون ضد “مؤسسة غزة الإنسانية”، ويجردونها من صفة الإنسانية، ويصفونها بأنها مؤسسة للقتل وتكريس الموت جوعاً، ويوجهون لها وإلى الإدارة الأمريكية انتقاداتٍ قاسية، ويطالبون بإغلاقها ووقف أعمالها، ورفع الحصرية عن العمل الإنساني في قطاع غزة، ومنع احتكار المؤسسة له، وجعله عاماً لكل المؤسسات والهيئات الدولية التي ترغب في العمل وتقديم المساعدات الإنسانية، الصحية والغذائية، للشعب الفلسطيني.
الانتقادات الدولية الموجهة ل”مؤسسة غزة الإنسانية”، متعددة الأشكال والجوانب، وتتناولها من أكثر من زاوية وعنوان، فهي انتقاداتٌ سياسية ترى أن المؤسسة تعمل في غير مجالها، وتقدم خدماتٍ أمنية للإسرائيليين بحجة الخدمات الغذائية التي تقدمها، وأنها تشكلت لأغراضٍ غير بريئة، ولم تشرك الأمم المتحدة والدول المعنية بما يجري في غزة بقرارها، ولا تسمح لها بالتدخل والاعتراض، ولا بالمساهمة والمشاركة، ولا بالعمل والتطوع، وأن المقصود منها ممارسة الضغط على الفلسطينيين للقبول بما يعرض عليهم، هجرةً وترحيلاً، أو تخلياً عن حركة حماس وابتعاداً عنها.
أما على المستوى القانوني، فقد قامت عشرات المؤسسات القانونية وهيئات التحقيق المستقلة، بالمطالبة برفع دعاوى أمام المحاكم الدولية ضد المؤسسة، وأمام الهيئات والمحاكم الوطنية، لنزع الشرعية عنها، وفضح هويتها الأمنية، وكشف أهدافها الحقيقية، ومحاكمتها ومحاسبتها بتهمة ارتكاب مجازر دموية بحق طلبي المساعدات الفلسطينية، حيث تجاوز عدد الشهداء من طالبي المساعدات الغذائية حتى اليوم قرابة 600 شهيداً، وأكثر من 5000 مصاباً، وما زالت رغم الانتقادات التي تتعرض لها عمليات القتل مستمرة وبوتيرة متصاعدة.
وطالبت الهيئات الحقوقية الدولية، ومنها مؤسساتٌ أمريكية وأوروبية المواطنين الفلسطينيين بعدم التعامل مع هذه المؤسسة، ووصفوا عملها بأنه “فخٌ للموت”، وأنها مؤسسة “خبيثة”، وحثوا المواطنين وكل من يملك معلومات وصور ووثائق وأدلة تظهر وتثبت انتهاكات المؤسسة لحقوق الإنسان، وتؤكد الجرائم التي ترتكبها بحق المواطنين، إلى تسليمها إلى الهيئات القانونية الموثوقة، ليصار إلى ضمها إلى الدعاوى والعرائض التي تنظم لرفعها إلى المحاكم الدولية والوطنية المختصة، وخاصةً لدى دولة المقر سويسرا، لتعجل بسحب الاعتراف بها، وإغلاق مقارها، ونزع أي صفة مهنية إنسانية عنها.
وكانت وزارة الداخلية الفلسطينية بغزة قد طلبت من المواطنين الفلسطينيين، رغم حاجتهم وعوزهم، والظروف الصعبة التي يواجهون، والموت اليومي الذي يلاقون، وجريمة التجويع التي تفرض عليهم، نتيجة الحصار ومنع دخول ووصول شاحنات المساعدات الغذائية والمؤن والأدوية المعدة لأهل غزة، والموجودة داخل الأراضي المصرية، الامتناع عن التعامل مع هذه المؤسسة، وعدم الذهاب إلى مراكزها والانتظار على أبوابها، بل وعدم الاقتراب أو الدخول إلى المسارات الطويلة التي شقتها لهم بين أسوارٍ عاليةٍ من الأسلاك الشائكة، حيث أن هذه المسارات التي يصعب على الداخلين إليها التراجع عنها، هي فخاخ الموت المؤكدة، ومصائد القتل المنظمة.
يقف الفلسطينيون أمام عجز المجتمع الدولي وضعفه، حيارى أمام هذه المؤسسة المشبوهة، الشريكة الكاملة في الجريمة والعدوان، والأداة الأمريكية الإسرائيلية الخسيسة لإذلال الشعب الفلسطيني باستخدام سلاح التجويع، فلا هم يستطيعون الاقتراب منها ليقينهم أن الموت يتربص بهم هناك، وينتهز الفرصة يومياً لقنص العشرات منهم، ولا هم يستطيعون العيش دون طعامٍ وشرابٍ، حيث بلغت المجاعة حداً لا يوصف في السوء والتردي، ويكاد لم يسلم أحدٌ من سكان غزة الذين يتجاوزون المليونين، من خطر الموت جوعاً، كما لم يسلم من خطر القتل قصفاً.