حكايتي مع فلسطينيتي… شهادة للتاريخ
الإعلامي أحمـد حـازم
تاريخ النشر: 05/07/25 | 12:25
خلال تجوالي في العالم بجواز سفري الألماني، والذي أحمله منذ أكثر من أربعين عاماً، لم أواجه أي مشكلة سوى في دول عربية، لأن سلطات مطارات غالبية هذه الدول، كانت تصر على معرفة أصلي، رغم أنها قانونيا لا تمتلك الحق في معرفة أصول حامل جواز السفر، بل التعامل معه فقط كحامل جواز دولة أوروبية. في كل مرة كنت أسافر فيها إلى دولة عربية، أحسب ألف حساب، لسؤال قد يوجه لي من شرطة الجوازات حول أصلي، وكنت أفكر ألف مرة إذا كان بالإمكان ألقول إني من أصل فلسطيني، خشية من سماع جملة مشهورة : (فلسطيني؟ وقّف على جنب). والفلسطينيون لهم تجارب سيئة في مطارات الدول العربية، ويتم التعامل معهم في كثير من الأحيان بطريقة خالية من الانسانية، كونهم فلسطينّيون ليس أكثر.
علمنا التاريخ أن الجزائر بلد المليون شهيد، لكن الرئيس الراحل ياسر عرفات غيّر هذه المعلومة التاريخية في كلمته خلال انعقاد الدورة الثامنة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في شهر نوفمبر عام 1988(والتي شاركت فيها) بقوله، إن الجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد، كرد جميل منه للجزائر، التي استضافت دورة المجلس الوطني.
وخلال زيارتي للجزائر عام 1990 حصلت معي واقعة لم أكن أتوقعها. سألني شرطي الجوازات عن أصلي، فتذكرت ما قاله الرئيس الراحل عرفات وتجرأت على الجهار بفلسطينيتي، لكن ذلك كله لم يردع الشرطي من القول لي: ” فلسطيني خليك على جنب” وحجز جواز سفري. وبعد طول انتظار مرّ من أمامي صدفة الملحق الصحفي الألماني، الذي كنت على معرفة سابقة به، فشرحت له ما حدث لي، فانزعج من هذا التصرف غير اللائق معي كمواطن ألماني وكصحفي، فذهب للضابط المسؤول وبدأ بنقاش حاد معه أسفر عن استعادة جواز سفري، ومن وقتها قررت أن لا أجاهر بفلسطينيتي لكي لا أقع في مأزق.
لكن ما حصل معي في العراق، الذي زرته مرات عديدة مختلف تماماً. ففي العام 2004 وبالضبط في الذكرى الأولى للاحتلال الأمريكي للعراق، كنت موجودا في بغداد. وخلال تنقلاتي في العراق كنت ذات يوم في منطقة الأنبار، وقلت لمرافقي أن يوقف السيارة لكي ألتقط بعض الصور، وفجأة شعرت بسلاح موجه لظهري، وأمرني المسلح بالسير لجهة معينة، حيث وصلنا إلى سيارة كان يوجد فيها ثلاثة ملثمين. وعندما سأني المسلح عن أسمي وجنسيتي، تراءى أمامي شريط ما يحدث لي في مطارات عربية لو تجاهرت بفلسطينيتي، وكان علي التفكير بلحظات لأرد على سؤال المسلح،
ولم أعرف لغاية كتابة هذه السطور كيف تجرأت وقلت له: “أنا من إخوانكم الفلسطينيين”. فنظر إليه أحد المسلحين الآخرين وأومأ إليه برأسه كعلامة رضى، ثم أدار المسلح وجهه باتجاهي وعانقني مرحبا بي. وكان هؤلاء المسلحين ولحسن حظي ورحمة الله بي، من مجموعات المقاومين للاحتلال الأمريكي، وكانت هذه المرة الأولى التي أنقذتني بها فلسطينيتي ليس من مأزق فقط، بل من القتل.