أرواحٌ يُـراقِصُها الموتُ فهل من مُغيِـث

تاريخ النشر: 23/10/13 | 21:23

لا تعجبوا في مقالتي هذه من غلظة مفرداتها، وأبداً لا تعجبوا كذلك من قسوة أبجدياتها وحدة سطورها، فهي تحمل صورة واقعية لعملاق العنف الذي يقض مضاجعنا ويتهدد مجتمعنا.

إن ما تشهده قرانا ومدننا العربية من تفاقم جرائم القتل البشعة، وحوادث الطعن وسفك الدماء، لهي وصمة عار فوق جبين ارض الإسراء. وما طول صمتنا وخنوعنا أمام هذه الجرائم العاتية، دون أن يُحرك مشاعرَنا وازعٌ، ويُلهب ضمائرَنا دافعٌ، لهو الخزي بعينه، والذلّ والهوان. لقد علمنا ديننا الحنيف، وشيم قيمنا وأعرافنا، أن نَهَبَ أرواحنا لأغائة المظلومين، ونبذل شجاعتنا وإقدامنا لنصرة الملهوفين. وغَرَسَ أجدادُنا الحكماء في قراره نفوسنا، أن نقف صفاً واحداً مرصوصاً أمام هواجس الشر، والنفوس الجاحدة والحاقدة.

فعن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ".

( رواه ابن ماجه بإسناد حسن، ورواه الأصفهاني).

أيها الناس! أيها الدعاة والمربون ! يا أصحاب المناصب، والسلطة والمسؤولية!

هبوا معاً لنبني ما دمره الأشرار من قلاع حضارتنا الحصينة ، هلم سويةً لنغرس ما اقتلعه الحاقدون من سنديان حرمات أمجادنا ، ورغد سؤددنا وكياننا. "وقفوهم إنهم مسئولون". أنظروا بالله عليكم ! ما اعترى شبابنا قاطبة من تنكر لانتماءاتهم الشريفة، وإعراضٍ عن أواصر المحبة واللُحمة الواحدة. لقد ضربوا بالتعاليم الدينية والتربوية عرض الحائط ، وأداروا ظهورهم لوصايا ذويهم وحكمهم الصائبة، لبسوا من ثياب زيف الحضارة المزركشة، ومزقوا حُلل الشيم وأثواب القيم. ألا آن لهذه النفوس أن تنزع نزواتها الشيطانية، وتتزين بمكارم الأخلاق؟! ألا آن لهذه الأيدي أن تغتسل وتتطهر بماء الرحمة والتعاطف؟!

أرواحٌ تُزهق، دماءٌ تُسفك، حُرماتٌ تُدنس ،ومجتمع بات مرتعاً وملاذاً للأشباح. أهلٌ غافلون، مسؤولون عاجزون، سلطة متقاعسة، مؤسسات غائبة، ومجتمع لأرواح تُذبَح، ودماء تَسْبَح. فمنذ بدء الخليقة ودابة الأرض الشيطانية تأكل من صفاء ونضارة نسيج كياننا وتواجدنا، وكان الصالحون ممن أنار الله قلوبهم بالهدى والتقى يردعون سوء أعمالها، ويحاربونها بعزم وإصرار. لكننا جميعاً عندما ضللنا السبيل القويم، وتخبطنا بين أزقة الأفكار الغربية والمسمومة، ودهاليز حضارتها الزائفة والمظلمة، خرجت دابة الأرض من معقلها وصارت عملاقاً جباراً يقودنا تحت لواء العنف والهلاك. قوموا تحرروا من جواذب الأرض الزائلة وارنوا نحو جواذب السماء السامية! فطوبى لمن نفض عنه سلاسل الشيطان وحطمها، وتمسك بحبل الله المتين.

أتنكرون بالله عليكم أن مجتمعنا فوق شفا جرف هارٍ؟! تقطعت أواصر المحبة والمودة، تفتت شمل التسامح والرحمه ،هتك عرض التراحم والتعاطف، وغدونا حيتانا يصارع بعضنا بعضا.

والله إنني قلق إلى ابعد الحدود على أولادنا وشبابنا الواعدين .. واشهد يومياً من خلال عملي كيف غدا أولادنا كالريشة في مهب عواصف العنف وأعاصير الفساد، وكيف غدت أحلامهم الوردية إلى تطلعات وطموحات سم زعاف! ومؤسساتنا التعليمية والتربوية، المنهجية واللامنهجية (إلا ما رحم ربي) أصبحت ساحات وغى ،وباحات قتال وعراك، تائهة الأهداف وضالة القيّم.

قال احدهم مفاخراً أخاه: "رحم الله والدي، كان يجبر اليد بعد كسرها!" .

فرد عليه صاحبه بكل ثقة وتواضع: "أما أنا فرحم الله أبي، كان يجبر اليد قبل كسرها!" .

نعم .. نحن بحاجة إلى من يردع الشر عنا، ويزرع أواصر الألفة والإيثار بيننا، نحن بأمس الحاجة لسلطة مخلصة يتواصل ليلها بنهارها لأمن مجتمعنا ورغد حياتنا.

لو نظرنا ببصيرة المسلم الحق والمؤمن الصالح، لجميع دواعي ومسببات القتل والفساد.. أوضاع سياسية حارقه ،حالات اقتصادية خانقه، أجواء تربوية واجتماعية باليه ،أنظمة كافرة ، لرأينا بأم أعيننا أنها تخرج من وكر زينه الشيطان وأنصاره من الأشرار الحاقدين. رحمك الله يا عمر! كنت إذا سلكت فجاً سلكت الشياطين فجاً آخر، رهبة وخشية من نور إيمانك المتدفق، وسماحتك ومكارم أخلاقك. أما نحن فأصبحنا نبحث عن أوكار الشياطين لنلتمس سعادتها، ونحتضنها بحب ومودة، وملأت نار البغضاء والشحناء ضيق صدورنا. ربما يقول البعض أن سطوري اجتازت حدود المغالاة في هذا الوصف والخوف الشديد ! وقد ينشغل البعض في الشرح والتنقيب عن أسباب هذه الجرائم النكراء، ويشير إلى المسؤولين والمتهمين عن تفاقم هذه الجرائم الخطيرة، وما آل اليه مجتمعنا من مصائب وفساد. لكنني سألقي بسطوري على غاريها، وليلق كل منا حبال آرائه الواثقة والمتينة علها تنجينا من هذا الطوفان الذي يهدد كياننا ويقض مضاجعنا. فما خاب من استشار.

وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه نظر إلى الكعبة وقال:

"ما أعظمك، وما أشد حرمتك، والذي نفسي بيده، للمؤمن أشد حرمة عند الله منك".

" فهل إلى مردٍ من سبيل؟ ".

(اللهم أصلح ذات بيننا ,وألف بين قلوبنا, واهدنا سبل السلام, ونجنا من الظلمات إلى النور , وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن).

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة