بداية القضية…
تاريخ النشر: 11/05/13 | 8:52لقاء وزيري الخارجية الروسي سيرغي والأمريكي كيري، له مدلولات لا تمس تصريحاتهما المعلنة فحسب، لأن الاتفاق بينهما كان مبدئي عند بداية الأزمة السورية، ولم تكن صدفة أن الأمل بانتهاء المعاناة الإنسانية السورية إنما يشير ببوصلة الغرب إلى بداية المعاناة القومية لمصير سوريا الإنسان والوطن، لأن اللقاء العالمي هذا جاء لتحويل الصراع الدولي على سوريا إلى اتفاق محاصصة وتقاسم وتبديل للعب الأوراق بشكل يكشف حقيقة الصراع بأن الابتعاد عن البوصلة الثورية الشعبية من قبل المذهبيين واليسار سواء في وحدة الأهداف كان يصب في سياسات بديلة لسياسة الله في عباده المستضعفين، لذا فكان من صلب اتفاقهم قبل وبعد مؤتمرهم تقسيم سوريا استعماريا وليس كما ظن معاتيه المذهبية أو اليسار المحرف تاريخيا، ولتحقيق هذا الهدف الروسي الأمريكي كان لا بد من نضوج الطبخة ليس من أجل استساغتها، بل من أجل حرقها أكثر وأكثر على نار المؤامرة العالمية والتي يعد بشار الأسد الأداة المركزية في هذه المؤامرة، وإلا فكيف نفسر بقاءه إلى الآن مع بقاء مفهوم المؤامرة السطحي الذي يتبناه اليسار المبتذل، مع غياب الشعب وضياع سوريا وطنا وشعبا! فلم يبقى في سوريا غير النظام والمؤامرة بتساوي إعلامي في فرض القوة والسيطرة! ومن هنا فلن أستثني أي قوة عربية أو وطنية أو إسلامية خليجية أو قوى ممانعة من المشاركة المباشرة والغير مباشرة في نسج حبال المشنقة التاريخية لرقبة الشام، لأن بداية القضية السورية قد ظهرت للعيان في اللقاء التاريخي الأمريكي الروسي .
بداية أو خلاصة هذا السيناريو كانت بظهور مفاجئ للقاعدة في سوريا، والقاعدة تحت المجهر التجريبي باتت تشكل البوابة للتدخل المباشر للغرب فكانت هذه إشارة لبدء التنفيذ العالمي، ومن ثم كانت تمثيلية الاعتداءات الإسرائيلية والتي كانت تغذي النظام ومحاوره بمفهوم المؤامرة السطحي، وإلا كيف لإسرائيل أن تنفذ خطوة باتجاه حرب تدميرية شاملة ثم نراها تتراجع لتحتمي ببطاريتين من البتريوت على حدود شمالها! وإذا ربطنا حالة جنون الاقتصاد الإسرائيلي وارتفاعه بشكل يشير إلى ادخار حربي، وإذا ربطنا تصاعد الثورة العراقية والترابط الجدلي بينها وبين الثورة السورية ومحاولة قطع الصلة سياسيا قبل القطع الجغرافي والأيديولوجي، فإننا بلا شك إزاء نهاية فيلم تشير لجزء مختلف من فيلم آخر، بإنتاج صراع تحريكي بين إسرائيل وإيران ينطلق من الأرض السورية ويتجه لتقاسم عالمي على الأرض السورية وقعت خرائطه في اللقاء التنفيذي الروسي الأمريكي لإنتاج الفيلم إلى حيز التنفيذ، لأن أمريكا ستصارع هناك من خلال إسرائيل وكذلك فإن روسيا ستصارع من خلال إيران، وفي دعم وأوامر عالمية من الجهتين وفق السيطرة على هذا التقاسم،
قد يحدث هذا التقسيم من خلال حرب تحريكية على غرار حرب أكتوبر، وقد يحدث بطرق أدهى، ولكن النتيجة أن إسرائيل ستكون لها حجة قوية ببناء شريط حدودي تسيطر عليه أمام تطرف القاعدة! وإيران ستكون حجتها بحفظ مصالحها القومية من نظام مستقبلي قد يحاصر مستقبل هيمنتها، مما يشير إلى أن سوريا قد وقعت ضحية تحت أطماع مشروعين صهيوني وفارسي يمثلان في حقيقتهما مشروعين أمريكي روسي، ولكن المستفيد الأول ستكون تلك القوى العالمية المحركة بالأساس لإيران وإسرائيل على عكس ما اعتقد البعض أن تلك القوى قد سيطرت على الثورة وإلا لما احتاجت لإيران وإسرائيل لو كانت هناك بالداخل السوري قوة تستطيع المراهنة عليها لتحقق من خلالها غاياتها الاستعمارية، لذا فعندما تدقق بتصريح سيرغي فإنه لا يهتم كثيرا بالشخصيات مثلما قال بل بمصير سوريا! بمعنى أن بالقريب العاجل ستستغني إيران عن حليفها بشار وبعض حاشيته لافتقادهم المصداقية العالمية لمتابعة الحكم، وستبني بعد المسلسل المكتوب قيادة بصبغة إيرانية مقبولة على اليسار العربي! كأقل تقدير بشكل مطابق لبنائها قيادة عراقية على غرار نور المالكي، ولن تكتفي إلى هنا بل إن اليسار العربي سيطالبنا بعد تنفيذ المخطط الدقيق والمعقد بخطورته إلى تقبيل أيادي إيران! أليست هي باستيلائها السياسي قد حدت من سيطرة إسرائيل على سوريا؟ ألم نقل لكم أن هنالك مؤامرة منذ البداية وأن إيران هي الممانع والدافع الوحيد على احتواءها وتقليص فرص إسرائيل؟ والكثير من الخزعبلات كالتي نسمعها الآن .
وأخيرا، فإن الثورة الشعبية السورية تصدت منذ ولادتها لكل البرامج من هنا وهناك بابتكارها لأقوى شعار سياسي والمتمثل بـ يا الله ما لنا غيرك يا الله، ذاك الشعار الذي عبر عن وعي عميق للشعب السوري ليلفظ بباطنه كل الخطابات التي تصب في غير مصلحته، فلا ثقة بخطاب مذهبي ضيق ولا بتنظير يساري مختل، فلو أن الخليج أراد خيرا بسوريا لما تآمر على القضية الفلسطينية منذ نشأتها، ولو أن إيران أرادت خيرا بسوريا لراهنت على إرادة شعبها وليس على نظام ماجن مشبوه حضاريا وإنسانيا وقوميا، ثم من يستطيع أن يفسر استبعاد الخطاب الإيراني (الحضاري) للقومية العربية وانغلاق خطابهم على الإطار الديني التاريخي الضيق رغم أن العربية لغة القرآن وأهل الجنة وأن النبي الإسلام عربي، كيف نفسر ذلك وإخواننا المسيحيون يتغنون بالحضارة الإسلامية العربية، في وقت تستميت فيه إيران على نظام (قومي) يفتقد في حقيقته للقومية وللدين بل انه يفتقد للفطرة الإنسانية! أما اليسار العربي فأتمنى أن يحظى بالتعددية والديمقراطية عندما تسيطر إيران وفق مخطط الغرب على بقاع من هذه الأمة، أتمنى حينها أن يقارنوا هذا مع الديمقراطية الإسرائيلية! ليعلموا أي خسارة كانت عندما لم يراهنوا على الثورة العربية الشاملة، وراهنوا على تقسيم الأمة وتجزئة التاريخ وفق الأهواء العالمية، والمنسجمة مع أهواء إسرائيل وإيران، لكن الأمل يبقى بمن امسك ببداية القضية السورية لينهيها وفقا لمناخ التاريخ النقي ألا وهو الشعب السوري العريق، وفقط صوت الشعب سيعلو على خفتان كيد المؤامرة .
تحليل منطقي استاذ علي تحياتي لك