كُنتُ هناك
تاريخ النشر: 09/05/13 | 1:11ما أروع أن تشارك في مسيرة احتجاجية مع عدد هائل من الناس ، يسيرون معاً ، يحلمون معاً ، يحتجون معاً ، على واقع مؤلم ، ليعلنون على الملأ وبصوت عالٍ أننا نرفض الاستسلام لهذا الواقع الذي يحاول البعض فرضه علينا. ما أجمل أن تسير في الشارع لتهتف وأنت تؤمن بما تهتف ، تصرخ وأنت تشاهد نساء يصرخن بفرح والدموع تذرف من عيونهن ، والأصوات تختنق أحياناً لغصة في القلوب على ضحية العنف ، محروس زبيدات. ما أجمل أن تسمع طفلاً يتربع على كتف والده ويصرخ بأعلى صوته "لا للعنف" .
إنه عرس وطني لم تشهده مدينة حيفا منذ زمن، صرخة بحجم الألم ، رد فعل بحجم بشاعة الجريمة. وهنا أوّد أن أحيي كل رجل وامرأة ، كل شاب وشابة ، كل طفل وطفلة خرجوا الى شوارع حيفا ليشاركوا في مسيرة الاحتجاج ، في صرخة الألم والتحدي ، صرخة الرفض ، صرخة ضد القتل والعنف والبلطجية والعربدة ، صرخة ضد الاستهتار بأرواحنا ، صرخة الحياة.
نعم صرخة الحياة ، فنحن شعب يريد أن يعيش ، شعب من حقه أن يعيش بأمان ، شعب سيوقف حمام الدم وجنون القتل ، بوحدته ، بمحبته ، بتكاتفه. صرخات الشباب والشابات خلال مسيرة الاحتجاج جعلت حي عباس يقشعر تأثراً ، إن من لم يكن هناك لم يشعر بالأجواء الحميمية التي سادت المشاركين في هذه المسيرة ، أن يكون الالاف واحداً ، أن يتحول محروس الى رمز لرفض العنف في حيفا ، أن تتحول حيفا الى شعلة كفاح في مواجهة غول القتل.
حيفا تنتفض لتنفض عنها غبار الجهل والقبلية والتخلف، حيفا تنتفض لتقول نحن أبناء الحياة، نحن أبناء النور. حيفا تنهض من نومها لتطرد سواد الليل من أفقها ، ولتستقبل نور الشمس الساطع ، نور الحياة.
وحتى لا يُقتصر ما أكتبه على التغني بالمسيرة الاحتجاجية التي انطلقت يوم الثلاثاء الماضي ، واستجابة للأصوات التي أكدت على أهمية الاستمرار في الخطوات الاحتجاجية والتوعية في مجال مكافحة العنف، وإيماناً مني أن كل واحد منا يستطيع أن يدلي بدلوه ويخدم من خلال موقعه للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة في مجتمعنا، سأكتب اليوم عن دور وسائل الإعلام في التوعية في مجال مكافحة العنف .
فوسائل الإعلام في يومنا هذا تحكم سيطرتها على اهتماماتنا ، وتكاد تحاصرنا في كل مكان نذهب إليه، وفي جميع الأوقات، إذ أصبحنا عرضة لمضامين ما نشاهده أو نسمعه أو نقرأه يوميا في هذه الوسائل، لهذا يجب تجنيد وسائل الاعلام ، التي تتمتع بقوة مميزة في التأثير على الناس .
فإلى أي مدى نتأثر بالعنف الذي نتابعه من خلال وسائل الإعلام؟ وهل لوسائل الاعلام القدرة على التصدي أو الحد من انتشار ظواهر العنف في المجتمع؟ هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة التي باتت تقلقنا وتؤرق نومنا، وتنغص علينا حياتنا، وتهدد كياننا .
عندما يقرر الطبيب معالجة المريض، يقوم أولاً بإجراء الفحوصات الطبية للمريض لمعرفة المرض ومن ثم يبدأ بمعالجته. وحتى نتصدى لآفة العنف يجب علينا أن نعرّف ما هو العنف وندرسه جيّداً ، فالعنف هو سلوك أو فعل يتسم بالعدوانية يصدر عن طرف قد يكون فردا أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة بهدف استغلال واخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوة غير متكافئة اقتصاديا وسياسيا مما يتسبب في إحداث أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة أخرى.
بدأ الاهتمام بدراسة العنف وآثاره على الفرد والمجتمع بعد الحرب العالمية الأولى حيث ارتفعت نسبة الجرائم والعنف بشكل ملحوظ بعد هذه الفترة بالذات ، مما دفع بالباحثين التي تقصي الأسباب ودوافع ذلك حيث حاولوا معرفة الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في التسبب بهذه المشكلات الاجتماعية من جهة، وتحديد الدور الذي تلعبه في التصدي لهذه المشكلات من جهة أخرى. وتوصل الباحثون الى أن تأثير الوسائل الاعلامية على الفرد يتأثر بعوامل نفسية كثيرة ومتغيرات نفسية كثيرة، وكان التركيز القوي لهم على البعد النفسي، أي اسلوب الافراد أمام وسائل الاعلام أكثر قوة من عوامل ومتغيرات مما يجعل التأثير معتدلا نوعا ما. بالمقابل هنالك من يعتبر بأن لوسائل الاعلام تأثير كبير وقوي على الفرد والمجتمع، خاصة إذا اتبعت وسائل الاعلام أساليب معينة في مواقف معينة مثل تكرار الرسالة الاعلامية، ثم شموليتها ثم انسجامها وتوافقها، ففي هذه الحالات يصبح لوسائل الاعلام التأثير الأكثر قوة.
وهنالك بعض البحوث التي أشارت بأن نشر العنف من خلال وسائل الإعلام يؤدي الى سلوك عدواني ، بل أكدت هذه البحوث أنه هنالك علاقة وثيقة بين السلوك العدواني والتعرض لمثل هذه المضامين.
وهنا على وسائل الاعلام أن تستثمر قدراتها وسلطتها ومدى تأثيرها على الجمهور من خلال توضيح الآثار السلبية للعنف على المجتمع، والاكثار من نشر البرامج التي تدعو الى التسامح والابتعاد عن التهور والقتل والظلم. وهنا يمكن الاستعانة بشخصيات اجتماعية وأدباء وفنانين ليكونوا بمثابة جماعات ضاغطة ومؤثرة على غيرهم. وخلال التخطيط لحملات اعلامية يجب استخدام أساليب الاقناع المعروفة كالوضوح، والدقة والصحة، والكمال، واللطف ثم الايجاز. بالمقابل يوجب على وسائل الاعلام التقليل قدر الامكان من إذاعة أو نشر الاخبار وبث البرامج التي تحث على العنف أو تتضمن مفاهيم ذات علاقة بالعنف او تشجع عليه.
وهنالك مؤسسات أخرى يمكنها المساهمة في تخفيف حدة وتيرة ظواهر العنف في مجتمعنا مثل المدارس ، التي بإمكانها وضع برامج تثقيف مكثفة في هذا المجال ، والعمل الممنهج للحد من انتشار هذه الآفة من مجتمعنا ، كما للفن عامة والمسرح خاصة ، وعلى الأخص المسارح التي تقدم عروضها لطلاب المدارس أن تساهم من خلال أعمالها الفنية والمسرحية على نبذ العنف.