هل “الخنوع العربي” جينات متوارثة… أم صناعة أنظمة؟!

بقلم: فخري هوّاش

تاريخ النشر: 29/06/25 | 19:12

في لحظة من لحظات القهر العربي الممتد، يتبادر إلى الذهن سؤال حارق:
ما سرّ هذا الخنوع العربي؟
أهي لعنة جينية؟ أم قدرية؟
السؤال لا يخلو من سذاجة ظاهريّة، لكنه يخفي وراءه حقيقة أكثر فتكًا:
هذا الخنوع ليس طبيعيًا… بل مصنّعًا وممنهجًا.

ليس خنوعًا… بل وسواس قهري مسلّط؟

تاريخ الشعوب العربية لم يكن يومًا عديم الفعل أو فاقدًا للحياة.
فمن الثورة الكبرى في فلسطين، إلى ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، مرورًا بانتفاضات العراق وسوريا ومصر واليمن والسودان وتونس… وصولًا إلى الربيع العربي الذي كان انفجارًا شعبيًا غير مسبوق.

لكن كل تلك اللحظات واجهت:
– قمعًا دمويًا من الأنظمة.
– تحالفات دولية لإجهاض أي تغيير.
– نخبًا محلية باعت أوهام الإصلاح مقابل امتيازاتٍ ومواقع.

لقد تم خنق الحلم مرارًا… حتى اعتقدنا أنه مات.

هل هو خنوع موروث… أم ترويض ثقافي؟

الشعوب لا تُولد خانعة، بل تُربّى على الخنوع:
– في البيت: حيث يُكافأ الطفل المطيع، ويُقصى الطفل الناقد.
– في المدرسة: حيث يُقتل الإبداع على مذبح التلقين.
– في المسجد: حيث يُفصل الدين عن القيم الثورية، ويُختصر في الطاعة والخضوع.
– في الإعلام: حيث تُقدّس الزعامات، ويُجتثّ السؤال والنقد والاستفسار.

وهكذا، يتكوّن مواطن بلا إرادة سياسية، بلا تفكير نقدي، جاهزٌ لتقديس الحاكم، وتقبّل الذلّ، وانتظار الفرج من السماء.

لماذا تنهض أمم وتسقط أمتنا؟

النهوض لا يأتي من الدعاء ولا من الحنين إلى الماضي.
إنه نتيجة:
– ثورات معرفية (كما في أوروبا).
– تحولات اقتصادية (كما في آسيا).
– إرادة سياسية مستقلة (كما في أمريكا اللاتينية).

أما في العالم العربي، فقد تم تفريغ مفهوم النهضة وتحويله إلى شعار إعلامي فارغ.
وكل محاولة تغيير كانت تُقابل بـ:
– السجون.
– الإعدامات.
– التحالفات مع القوى الاستعمارية.
– اختراع فزّاعات: الإسلام السياسي، الفوضى، الإرهاب…

أسطورة “المخلّص”: انتظار المسيح بدل الثورة

العقلية الجمعية في كثير من البلاد العربية ما تزال رهينة لفكرة “المنقذ”:
– المهدي المنتظر.
– الزعيم التاريخي.
– القائد الملهم.
– أو حتى المسيح الذي سيعود ليقيم العدل!

هذا الانتظار يُكرّس ثقافة السلبية السياسية ويقتل أي أمل بمشروع تغييري جماعي.

البكاء على الماضي… بدل صناعة المستقبل

نحبّ الماضي لأن الحاضر خانق والمستقبل مجهول.
نُردد أمجاد الخلافة والفتوحات والأندلس، لكن:
– لا نحول التاريخ إلى مادة تحليل،
– بل نستخدمه كمسكن روحي يخفف وطأة العجز.

إنها نوستالجيا خادعة، لا تصنع واقعًا ولا تغيّر شيئًا.

الخاتمة: لا توجد جينات خنوع… بل جدار خوف

ما نراه ليس “جينات خنوع”، بل:
– خوفٌ مزروع.
– جهلٌ مصنّع.
– قمعٌ ممنهج.

لكن الجدار الذي يحيط بهذه الأمة ليس من فولاذ.
إنه هشّ، يكفيه شرارة من وعي، ونقطة في سطر جديد، ليبدأ التغيير.

لا نحتاج إلى مسيح ينزل من السماء… بل إلى إنسان ينهض من بين الركام.
سلامٌ على العرب… إن أفاقوا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة