أصوات غير مرئية، كاميرا لا ترتجف: سامية عرموش تقاوم بالمعرفة

بقلم: رانية مرجية

تاريخ النشر: 26/05/25 | 20:59

في زمنٍ تُختزل فيه الحقيقة في مقطعٍ سريع، والصورة في ضوءٍ مصطنع، تخرج سامية عرموش من قلب الظلال كمن تقول: “أنا هنا كي أروي ما لا يُروى، كي أُعيد الصوت لمن صودرت لغته، والصورة لمن شوهوا ملامحه”.
امرأة لا تملك سوى الكلمة والعدسة والإيمان العميق بدورها كصاحبة رسالة، لكنها تخلق منها مجرّة من المعاني لا تعرف التكرار ولا الخضوع.

في هذا العالم المتخم بالصخب، تمشي سامية بخطى هادئة لكن واثقة، تُنصت لما لا يُقال، وتكتب ما ترفَض المنابر قوله، وتُصرّ أن لا تُرتجف الكاميرا حين تقترب من الجرح.

من المعرفة إلى الفعل: حكاية لم تبدأ بعد

سامية عرموش (46 عامًا)، متزوجة من سرحان محاميد وأمّ لمروة وعدنان.
صاحبة تجربة إعلامية تمتد لأكثر من ربع قرن، باحثة سينمائية، محاضِرة مستقلة في موضوع “السينما كأداة للتغيير الاجتماعي”، وناشطة اجتماعية لا تهدأ.
خلف هذا المسار الأكاديمي والميداني، تختبئ روحٌ لا تنفك تسائل الواقع، وتبحث عن سُبل تغييره دون ادّعاء أو تضخيم.

حصلت على دبلوم في الصحافة من جامعة حيفا، وبكالوريوس بدرجة امتياز في السينما والتربية من الجامعة المفتوحة، ثم ماجستير بدرجة امتياز في “ثقافة السينما” من جامعة حيفا. لكنّها لم تكتفِ بالشهادات، بل راكمت عبر السنوات خبرة حيّة، متجذّرة في الشارع، والميدان، والتجارب اليومية التي تصنع نبض الإنسان.

السينما كسلاح لا يُرى

في قلب كل عدسة تُمسك بها سامية، قصة تُروى من جديد. بالنسبة لها، السينما ليست مشهدًا عابرًا، بل أداة مقاومة، منصة لاستعادة المسلوب، وساحة صراع حضاري وثقافي.
تُدرّس السينما كمشروع تحرريّ، وكوسيلة لخلق وعي جمعي، بعيدًا عن الفانتازيا المفرغة أو التنميط. تسلّط الضوء على اللامرئي، وتُعيد إنتاج الحقيقة من زوايا محذوفة عن قصد.

في محاضراتها، لا تُحلّل فقط الصورة، بل تكشف البنية الاجتماعية التي أنتجتها، وتُضيء على القمع المغلّف بالجمال، والهيمنة الملفوفة بفنّ راقٍ. تنزع عن الشاشة قناع الحياد، وتُظهر أن كل صورة هي فعل سياسي، وكل مونتاج هو خيار أخلاقي.

الإعلام كحضور في المشهد لا على الهامش

حين شغلت منصب الناطقة باسم بلدية حيفا للإعلام العربي بين 2006 – 2017، كانت سامية تُدرك تمامًا أنها لا تمثل مؤسسة بقدر ما تُجسّد صوتًا غائبًا. لم تسمح بأن يتحوّل منصبها إلى واجهة رمزية، بل استخدمته لفتح النوافذ المغلقة أمام قضايا المجتمع العربي الحيفاوي.

وعبر عملها كمحررة مضامين في قناة “مكان” لعدة برامج، منها السلسلة الوثائقية “دوّامات”، والتي امتدت على مدار موسمين، أثبتت أن الإعلام الجيّد لا يجمّل الواقع بل يكشفه، لا يُطمئن الناس بل يوقظهم.
اليوم، تواصل تمثيل الجمهور كـ”نصّيفة جمهور” في القناة، حاملة معها مشروعًا ثقافيًا متكاملًا لا مكان فيه للسطحية أو الحياد الخادع.

التغيير لا يكون وحده… بل بالنساء أولًا

منصة عرموش ليست فقط السينما، بل النساء أيضًا.
حين أسّست مع نوال أبو عيسى وسعاد شحادة “منتدى النساء الحيفاويات العربيات”، كانت تبني فضاءً نسويًا عربيًا مستقلًا، يُشبك بين النساء لا لمجرد اللقاء، بل لصناعة القوة.
هذا المنتدى الذي عمل تحت مظلة مستشارة شؤون المرأة في البلدية بين 2013–2017، كان أشبه بورشة تحوّل جماعي، تسرد فيه النساء همومهن وأحلامهن، وتخرجن منه أشدّ وعيًا، وأقوى إيمانًا بقدرتهنّ على التأثير.

كما عملت سامية في حركة “نساء يصنعن السلام” كمركزة المجتمع العربي، وكمسؤولة علاقات عامة في جمعية “سلامتك”، وواصلت عبرها التقاء الإنسان حيث هو: في القلق، في الأمل، وفي صراعه اليومي من أجل البقاء بكرامة.

لها حلم، لكن لا تسكنه الرومانسية

تقول سامية:
“أتمنى أن ننهض كمجتمع إلى مكان يليق بخاماته الطيبة، وأن نتمكن من التشافي من الآفات المجتمعية كالعنف المستشري الذي يفتك بأركان الأمن والأمان. كما أطمح بافتتاح مدرسة رقمية لإتاحة المعرفة المتراكمة على صعيد واسع”.

ليس هذا الحلم رفاهية فكرية، بل مشروع تفصيليّ يُبنى في خيالها كما تُبنى المدن: طبقة فوق طبقة، وسؤالًا بعد آخر. سامية لا تنتظر المُمكِن، بل تصنعه.

في الختام…

سامية عرموش ليست فقط صوتًا نسويًا ولا اسمًا في الإعلام. إنها حالة ثقافية حقيقية. امرأة تصنع من الهامش مركزًا، ومن السينما نداءً، ومن الكلمات وعدًا، ومن المعرفة مقاومة لا ترتجف.

في زمن تتلاشى فيه الأصوات الحقيقية وسط ضجيج المُصطنع، تظل سامية عرموش كاميرا لا ترتجف، وعدسة ترى، وكلمة تُشبه شهيقًا أول بعد غرق طويل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة