خالد بشارات… حين يصبح الإصغاء مهنة، والعلم فعل محبة
بقلم: رانية مرجية
تاريخ النشر: 26/05/25 | 21:14
في زمن كثرت فيه الشهادات وقلّ فيه الصدق، وفي عالم تتكاثر فيه العيادات وتقل فيه الأيدي التي تربت برفق، يطل علينا خالد بشارات لا بوصفه “معالجًا نفسيًا” فحسب، بل كصوتٍ إنسانيّ يحمل وجع الناس ويضعه في قلب المعرفة، ليحوّله إلى شفاء.
من الرملة إلى القدس، ومن المراكز الجماهيرية إلى قاعات الجامعات، ومن البرامج الإذاعية إلى جلسات الاستشارة الحميمة، يمضي خالد بشارات دربه ليس فقط كباحث ومحلل سلوكي، بل كقائد روحي لم يعرف الغرور طريقًا إليه. هو واحد من القلائل الذين تعلّموا ثم علّموا، أصغوا ثم أبدعوا، أصابهم وجع الناس فصاروا صوتهم وبلسمهم.
خالد الذي يحمل بكالوريوسًا في علم النفس وماجستيرًا في تحليل السلوك، لم يتوقف عند حدود الشهادة، بل نسج لنفسه طريقًا طويلًا من الدورات والدبلومات التي تخترق تفاصيل النفس البشرية: العلاج الزواجي والأسري، تحليل السلوك، علاج التوحد، الذكورة والأنوثة، إدارة المشاعر، العلاج المعرفي السلوكي، حل النزاعات… وكأنما أراد أن يحتضن كلّ شريحة من شرائح المجتمع، من الطفولة حتى الشيخوخة، ومن المرأة المعنّفة حتى المدمن الذي يبحث عن بصيص نور.
قد يبدو ذلك كثيرًا على سيرة ذاتية، لكنه قليل إذا ما قيس بما يفعله خالد في الميدان. فقد عمل في مراكز لعلاج الإدمان، وكان جزءًا من مشاريع تعليم الكبار في القدس الشرقية، وهو اليوم يُعالج ويُرشد ويُحاضر ويُعلّم، لا بصفته “الخبير” المتعالي، بل الإنسان الذي يرى في كل حالة قصة تستحق الإصغاء.
كثيرون يكتبون عن الصحة النفسية، لكن قليلين يجرؤون على اقتحام تفاصيلها كما يفعل هو. على منصّاته في “فيسبوك” و”إنستغرام”، يتناول خالد قضايا المراهقة، العلاقات العاطفية، التربية، الانحرافات السلوكية، الزواج والطلاق، مشاكل الطفولة، وعوائق التواصل… لكنه لا يكتب بلغة الخوف، بل بلغة الأمل، لا بلغة الترهيب، بل بلغة الإصلاح. وما يدهشك أنه لا يدّعي امتلاك الحقيقة، بل يدعونا للبحث عنها داخلنا، بكل صدق وجرأة.
ولأن العطاء لا يتوقّف عند الكلمات، فقد ترجم خالد بشارات عددًا من الكتب والمراجع التي تُدرّس اليوم في كليات ومراكز متخصصة، ومنها كتاب “علم السلوك والتواصل”، إيمانًا منه بأن المعرفة ليست حكرًا على فئة معينة، بل من حق الجميع الوصول إليها.
ويظلّ السؤال الجوهري: ماذا يجعل من خالد بشارات مختلفًا؟ أهو ذكاؤه الأكاديمي؟ خبرته الواسعة؟ لغته العميقة؟ أم قدرته على دمج كل ذلك برحابة صدر وصدق نادر؟ لعلّ الجواب الأهم يكمن في قلبه الذي لم ينسَ يومًا أنه يعمل مع بشر، لا حالات. مع أرواح، لا ملفات.
خالد لا يعالج الأعراض، بل يحتضن الجذور، ويزرع الأمل في أرض اليأس، ويقول لكل من ضلّ أو تاه: “ما زال هناك طريق… فقط تعال، وسنكتشفه معًا”.
وأنا، حين أكتب عنه، لا أكتب عن سيرة مهنية فحسب، بل أكتب عن رجل تماهى مع وجع الناس حتى صار له صوته، وعن إنسان قرّر أن تكون المعرفة جسرا للرحمة، لا جدارًا للفوقية.
هكذا أراه، وهكذا يجب أن يُرى: خالد بشارات… مرآة للكرامة والشفاء